سرماديا

سرماديا

مقالات*شراع سفر



مخصصة لسلسلة مقالات
شراع سفر**
---------- خالد العرفي
1 - على ضوء الحقيقة
2 - كلمات فى الفن والجمال
(يتبع)
-----------------------------------------------------

على ضوء الحقيقة*
شراع سفر*
مجموعة مقالات*
 (1 - 4)
-------------
مستثارا ببراح الفضاء، وهدير أمواج، تتكّسر على الصخور. وأمامى ذراعا البحر، يُحوّط بهما خميلة زرقاء فيروزية.. مجدافان، يمضى بهما، كما كان دوما، بحرا، لا ساحل له. كنت أبصر إلتحام السماء الممتدة، وإنبساط الفكر، سابحا على صفحة بعيدة، فى ضوء الشمس. كان كل شئ يسير بشراع الهدوء التام. نحو مرساة ومسافات تنأى بى، ولا أراها إلا بعقلى. أحدق فى أقاصى الأفق، فى سكون بداية ساحرة، لا نهاية لها. أبدية، أرى معها العالم على جناح طائر، وفى حبة رمل، وشمس ساكنة كبد السماء. إطلاقا، ما إقتبس البحر روعته، فى مخيلتى، إلا من فكرة واتتنى. بدت لى غريبة أول الأمر. على أية حال، وبدون خيال، لم يكن لدى، إلا واقع، لا أقصر عنه.. ،.. كما هذا البحر أمام ناظرى،.. وأفق، بشراع الروح،  أبحر فيه. هكذا الذكريات.. وبين خيال ليس له حدود، نصنعه نحن، وواقع رأيناه.. نحن بين واقع متشظ، من حولنا، مثل زجاج مكسور، على شاطئ مجهول، وقد إتسعت دائرة صوره، محطمة بين الرمال، فى شكل ذكريات حادة. تطاردنا، موجة وراء موجة. وسواء كنا نحن فى مركزها، أو أحاطت هى بنا، نمضى. ونتغلب على صعوبات الحياة، وأطلال لا تذيبها أمواج. نتفكر ونتأمل، بين ذكريات مضت، وأحلام هى ذكرياتنا، التى لم تأت بعد.. الأحلام، هى السفر إلى المستقبل، الذى نحاول أن ننسى به ماض.. شئ من ضوء أمل، يغير مصير كان لنا، يوما. مسيرة نصف طريق إلى الأمام. من منا، لا يحلم . قليل من يعثر على هذا الأمل.، بشراع سفر.. يبحر، ويحيا به، حلما وراء حلم. يحقق ما كان مستحيلا.. وهكذا الذكريات،.. ذكريات وذكريات. وبدون إستحضار روح البحر، ونواته العاصفة، فى مواجهة تفاصيل غريبة للحياة، لم يكن يمكننا أن نستوعب حقا، أو نحيا، فى هذا الواقع. وبما أننى مرتبط إلى حد ما، فى هذه الأفكار بروح البحر.. فستبدو فى بقعة ما، ذكرياتى، ومن وقائعها، كلّفات خيط غزل ناعم، من أفكار، أو كومات من طحالب بحر، ملتصقة بصخور الشاطئ.، علىّ أن أمضى بينها. ذكريات، خضعت لحكم محاولاتى الفاشلة، كيلا أتذكرها، إلا كما وقعت أحداثها، طوال سنين بعيدة. من المؤكد، أن ما حدث فى هذا الآن البعيد، وما رأيته فى حياتى، قد أصبح جزءا منى، هناك حتما ما يذكرنى به، فلا أنساه. ولكن يتحتم على أن أضعه أحيانا، خلف ظهرى، لتسير الحياة، وأسير معها. أن يصير كل ما مضى، عابر سبيل علينا. لانستكين له، ولانستسلم. قطعا، هناك دوما، ما تكون أنت منه. وأيضا ما يكون منك. لكن، هناك فرق كبير، أن يصبح شئ أو ذكرى ما، جزءا منك، وما أصعب أن تكون أنت نفسك، شطرا لشئ، أو جزءا من ذكرى، تبقى لغيرك.. تشعر كنبتة صغيرة، تتعرض لعاصفة رعدية في صحراء، كما لو كانت، حاضرة عليك فقط. واجهت مصيرا، دون كل هذا البراح.. يُودى بها، إلى أسفل هاوية التفكير،.. أواجه هذا وأنا فى أكثر من عمل فى ذات الآن.. مفكرا فى هذه الأفكار،.. وعلى الرغم من روعة المكان، والبحر أمامى، إلا أننى كنت أشعر، أنى لست أبدا على ما يرام. كان هناك شعور غريب، أنه يوجد شئ ما، أولد منه.. أتعرض لإرتباك كبير، لا حصر له، كلما انتقلت خطوة، قبل أن أتمكن من متابعتى، لخطوة أخرى، فى أفكارى.. كانت رائحة الطحالب المتراكمة، مشبعة برائحة اليود الحية. تذكرنى برائحة بواقى أوراق الشجر، والنباتات الجافة، بجوار سياج حديقة قديم، ضرب له مكانا، في ظلال الأشجار الكثيفة، فى الذاكرة. لم أشأ أن أفرط فى إحساسى هذا، أو أترك نفسى لإنطباعات أصابتنى، عن الماضى. حريق. دخان. وضوء أحمر يتلاشئ ببطء.. أشعر بهذا ولا أراه.. ومع كل موجة من البحر، أسمع صوتا غريبا، بصوت عال، فى رأسى، ينادينى، لأكتب.. قبل أن أجد بابا لم أفتحه، من قبل. بدأت أتذكر، وبدا الباب منفتحا، سفرا إلى ماض بعيد، مع دوران ساعة، تذكرنى أن هذا شئ جديد. فكرة حملنى معها صوت أمواج البحر، لضجيج ذكريات، إنصبّت مثل عيون طوفان، ورأيت كل شئ يمرّ أمامى.. أتسائل، لعلها تكون رواية لم أكتبها بعد. لكننى أعرف نفسي حقا، وربما لا أكتب، الآن شيئا. ويصبح كل شئ مجرد فكرة عبرت، على شراع سفر فى الخيال. وبين الأدب شعرا وقصة ورواية، وبحور العلم والكون وجمال الفن، أقضى حياتى، مسافرا فى الوجود. وأتعود من نفسي، مثل هذا، فقد يمرّ عام أو آخر، ولا يصدر لى شئ. وسرعان ما أجد نفسي، وقد إنتهيت ربما من عملين، فى نفس الوقت، كما هو أمرى، من قبل، حينما أجد الزمن يمرّ، ثم يصدر لى كتابان أو أكثر فى نفس العام. وربما يمرّ وقت آخر عقيم، وربما يكون الامر مرده، لإنشغالى بأكثر من كتاب، أعمل عليه، وأتنقل بين أفكارى، من كتاب إلى آخر.. ليس المهم صدور كتاب، بقدر ما تجد نفسك حقا، وأنت تكتب. لا أكتب، لأكتب، إنما متعة الكتابة فى حد ذاتها، وأن يحيا ما تكتبه من بعدك. هكذا، عالم الكتابة معى، عالم فريد حقا.. عالم قلم غريب الأطوار.. تتنقل بين أفكار، وتفعل فيه أشياء عير نمطية،.. مؤخرا مثلا ضممت مجموعتين من القصص القصيرة معا، فى مجموعة واحدة، بعنوان إنتماءات غير موسمية، ولم أكن أفكر فى ذلك، حتى فعلت.. ووجدت الأمر أشمل لرؤى ومعانى. فإنتمائى فقط، لما أعتقد فيه، وأحب أن أقوم به، عاثرا على معنى لما أكتب. هذه متعة فكرية كبيرة.. وأنا بين هذا، وذاك أحدّق فى أفق المعانى، واجدا المسألة أعمق، وأجمل. ومن هنا، لا أستغرب من نفسي شيئا، حينما أشرع فى الكتابة. قبل أن تعانقنى أفكار جديدة، وإن لم أكتبها فعلا. لكننى، تعودت هذا، وأكسره فى أحيان كثيرة، بالتأمل، مكتشفا ماخفى عنى، من أفكار ورؤى. فلا عادة ولا منوال، بالمرة فى الكتابة. ويظل دوما حلمى، الذى يجمع شعث النفس، وتفرق الذات.. كأنى أسافر فى أشعة شمس دافئة، إلى دور التاريخ، وسكرة أفكار غير مكتوبة، أبحث عنها. تتدافع فى رأسى تفاصيل أضواء مصابيح وقناديل. وما إن تتملكنى، بدفء غريب، أصبح، شهابا مسافرا، بين النجوم والكواكب والأقمار، فى أعماق سموات بلورية. وتنحبس أنفاس توترى، أمام رغبتى المتوقدة فى المعرفة. وهكذا، لا تتركنى، إلا وقد ذبت فى تلك الأضواء المتلألأة، بلون الياقوت والذهب والعنبر،.. مزيجا، بلا إنتهاء، فى أرض غير الأرض، وسماء غير السماء، وكون غير الكون. انفصل عن كل شئ، باحثا عن المعرفة. بقلبى وروحى، وغارقا بعقلى، فى عالم آخر، بين المجرات. إنها معارف سامية، نسعى لندرك كنهها، وهى أعمق من أن ندرك حقيقتها، لنصل لذاتها. وعلى ضوء الحقيقة نجد أنفسنا.. لا أستطيع أن أتذكر عدد المرات، التي سافرت فيها فى الكون، غائبا فى فراغ محيطه، دون حدود. عابرا لجسد فان، حيث يمكن ألا يعود. هناك حيث منبع النور للعقل، والدفء للروح، بلا أبعاد. حيث تشعر كيف يمضى الليل، بهزيعه الأخير. وترى كيف تشرق، وتتوارى النجوم. شموس وشموس. من مشارق إلى مغارب. تشعر بملمس الفجر، وحريرة أنسام الأسحار. أستدفئ بعصر الوجود. لا شئ يضاهى هذا الشعور، مطلقا. لا أستطيع أبدا أن أصفه. إبحار وسفر إلى ملكوت المعرفة والعلم،.. وقراءة الكون والجمال، وروعة ودفء الكتابة.. يالعجز القلم، حينما لا يتوحد مع الروح والعقل، فى هذه الرحلة السماوية. ويا لعدم قدرة الإنسان، فى كون عامرة سمواته وأراضيه، بحياة بثها الله الخالق البديع القادر على كل شئ.. جلّ شأنه، وتبارك اسمه. تسبح  له السموات السبع، والأرضون السبع، وما بينهما، ومن فيهن. فتبارك الله الخلاق العظيم.
---------------------------------------------


كلمات فى الفن والجمال*
شراع سفر (2 - 4)
---- خالد العرفى

الفن ضرورة حياتية، تعبيرا عن الذات.. كناتج إبداعي للإنسان، إنعكاسا للأفكار، وترجمة للشعور، ورسما لصورة الوجود، والكون والحياة، من حولنا.. حيث، يهبنا الفن عوالم جديدة، تحاكى معانى الطبيعة، بإعمال الخيال، والحسَّ المرهف، والذوق الأصيل. ومن هنا، نجد أن للفن دورا عظيما، فى الوجدان، ريّا لظمأ الروح. ففى خيال لحظة ضوء، يولد جمال الكلمة وتسثيرك لمسة فكرة، لأوتار العقل. كما فى شروق ذهبىّ للشمس، على الوجود، فيهتز لها، حنينا وشوقا. أو إنبلاج قوس قزح على البرية، بزهو ألوان الحياة، فتربو. هناك من الفن، ما يراه القلب ويعاينه، كما تقرأه العين، وهى تصبو لمكنونه المُشرق. فى الجمال نسمع موسيقى الوجود صادحة، ونرهف لعذوبة لحن الكون، يملأ أركان أسماع الأحياء، صوته. ومع تأثير جمال الفنون، يفيض الوجدان البشرى ببصيرة، بمَ لا تراه أعين فانية. 
ومن جوهر الفن، إشراقه فى النفس، وعلى الكيان. فربما نجد تأثير لمسة الجمال، تغمرنا بالدفء، فى عمارة مبنى. أو أثر. أو جدار، أو أعمدة أو درج حجرى.. إلى لوحة زيتية مرسومة، أو لقطة فوتغرافية. فى تمثال. أو بورتريه. زاوية لكاميرا. فى الظل. النور. الليل. النهار. الغروب. الشروق.. فى درجات الدفء لكل لون. فى مرآة منظر بعد لحظة مطر، .. أو تباين فى أطياف الأبيض والأسود. فى الظلال.. فى كل شئ، يمكن أن نرى ذاتية جمال،.. ونشعر بكينونة الطبيعة، نابضة بالحياة، تتسلل لأنفسنا. وكما فى الفنون التشكيلية، يسافر بنا الخيال، ليلمس أعماق النفس، وخفاياها. لا ريب أن الفنون والجمال، هما روح الحياة، وذات كل معنى. أبدا، لا غنى للإنسان عن  عالم الفن، والجمال، فى الطبيعة والكون. يحثه ويستثير خياله، فيضا وراء فيض، وإلهاما من بعد إلهام، فى دروب الإبداع، والفنون وأصعدتها، مهما كانت صورها، وأنواعها.
وما أروع الجمال الصادق، الذى يغرسه كل هذا فى النفس، بدفء من مشاعر، وإشراق  لأحاسيس.. لمسات حياة، ولحظات ضوء نيّرة، فى أغوار الروح.. ننتظرها، ونبحث عنها، لنرى معها حقيقة الحياة، وتنجلى أسرارها المدهشة، حياة للإبداع نفسه. إجابة لمَ نكتب، وكيف نكتب، وهى إشكالية الكتابة الكبرى.. هى اللحظات النادرة للإلهام، وصفو الفكر، والفن. صميم كل عمل لمفكر، وأديب، وفنان.. حفزا للأفكار وتنوعها، ومبعثا للخيال الأدبى الذى هو عامود الكتابة، ومرّده. علاوة عن، كونها، إطارا لرصانة النصّ، وجزالة العبارة، شكلا ومضمونا.. هى ما يجعل النص لوحة صادحة، وأثرا من جمال الروح البّراق.. ليس فقط جمال الفكرة، إنما الأسلوب، واللفظ، ورونق الكلام.. ومن جمال الأدب والفن، أن كليهما رسول الأرواح، للسمو،.. أثر رؤية عمل فنى، أو سماع قطعة موسيقى، أو القراءة لنصّ أدبى، على حد سواء. 
ولعل هذا يظهر فى جماليات الفنون كلها، ومنها الفنون الدينية، التى تخاطب الروح، مؤثرة فيها، تأثيرا بالغ الأثر، أيا كانت العقيدة، منذ تاريخ الإنسان البدائى، ومرورا بالديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام.. فمنشأ كل هذه الفنون، هو السعى للسمو الروحى، وإرتباطها بالمعتقد الديني، والتعبير عن وجهة نظر، ورؤية الإنسان للكون والحياة، من حوله، وفق هذه العقيدة، فى أبدع صور التعبير المادى واللامرئى. 
وعلى سبيل المثال، يكفى الإشارة إلى الفن الإسلامي الفريد، وما يزخر به، من نقش وحفر على الخشب والجدر الحجرية، والخط العربى بكل أنواعه، والأرابيسك، وغيرها من أنواع الفنون الإسلامية التى تتعدد أشكالها، وصورها الكثيرة.. تخلب اللبّ، آسرة الوجدان. ومنها الفنون المادية كالرسم، وعمارة المساجد، أو فى بناء العمائر والقلاع والدور، ممّا امتازت به الحضارة الإسلامية.. وحتى فى الكتب والمخطوطات.. وأيضا منها، النحت والفخار والنسيج والزخرفة، التي امتازت بها الفنون الإسلامية. ومن أبرز موادها المستخدمة الرخام، والآجر، والفسيفساء، والجصّ، والخشب، والفخار والخزف، والعاج.. بإختصار، صناعة الجمال ظاهرا وباطنا، هي وظيفة الفن الإسلامي، فى أى شكل فنى، بمضمونها، بمختلف أنواع فنونه وأشكالها، معبرة، عن حقائق الوجود من زاوية التصور الإسلامي، وإستلهام روح العقيدة والحضارة والثقافة الإسلامية. 
كنت أفكر فى هذه المعانى، وتفاصيلها، أثناء كتابتى لمقال عن الفن، مردفا به شئ، عن فلسفة الجمال (ضمن مجموعة مقالات شراع سفر). وهو مقال، أنشره قريبا، كاملا، بإذن الله تعالى.. وألفيت نفسي، متطرقا لفصل من رواية غصن الحياة، فعدّلت به فقرات كاملة، تأثرا بفكرة المقال عن الجمال، فى الطبيعة، ودورها، كخلفية، فى مشاهد تدور أحداثها على ضفتى نهر النيل، بمدينة ملكال السودانية، عاصمة ولاية أعالى النيل، الحدودية بين الجنوب والشمال. وهى نقطة التقاء فروع النيل، من بحر الجبل وبحر الغزال وغيرهما، لتكوين النيل الأبيض، الذى يصل إلى الخرطوم، ملتقيا بالنيل الأزرق، ليكوّنا معا شريان الحياة. ومع الإنفصال إثر الصراع العنيف الطويل فى السنوات العشر الماضية، قبل أن تصبح ملكال، حاليا تابعة لدولة الجنوب. 
وملكال هذه، هى أولى النقاط التى وصلت إليها بعثات الرى المصرى بجنوب السودان، مكونة من عشرات المهندسين والعمال والإداريين، حينما أُرسلت فى عهد الملك فاروق، مدركا قيمة بلدان منابع النيل. وقد أقامت الحكومة المصرية فى عهده،  مقرا دائما لها، فى ملكال، يضم مقياسا للنيل، ومرسى نهريا، وغير ذلك. وللبعثة أراضٍ ومبان، فى ملكال تمتد من شمالها إلى جنوبها، بمحاذاة النيل الأبيض، وأراض من شرقها إلى غربها، بأفضل المواقع الساحرة، منذ ما يزيد على ثمانين عاما، على ضفاف النيل.. حيث أجمل مكان يمكن أن تراه منه.. وهذه الأجواء، لها عبقها، وجمالها، فى الرواية. مجمل القول، أن الفن يستوعب المكنون، وتستوعب به مخيلتك الغائب، عبر ما لا يُرى قبل أن تراه، من جمال.. تلمسه فى نفسك. وبدون تذوق جمال الفن، لا يتكون أبدا، وجدان للأديب يدفعه للإبداع، ولا تندهش، لأفكار فى الكتابة، خالية من هذا الأساس الجمالى.
وإن إفتقد قلم الكاتب تلك الروح، الوهاجة، فلا تنتظر أمرا، فى مضمار الإبداع الأدبى. إنه وهج القلب، وإشعاع الروح. تماما، كما لو فقد الفنان إلهام ريشته، على لوحته، فلن يبدع أو يرسم، فلا روح للألوان ولا شئ نابض بحياة، بدون هذا، قط. إن أروع أعمال الفن العالمى، حتى الأعمال التى تتعلق بالدين والعقيدة منها، أو تلك التى صوّرت الحروب، ومآسى البشرية، وهى أعمال ترجع لقرون مضت، كأعمال مايكل أنجلو.. ومن قبلها الأعمال الفنية التي تخص القرون الأولى التى تصوّر الحياة الروحية والفكرية، فى تاريخ الكنيسة الشرقى والغربى، بالكنائس والأديرة والكاتدرائيات، وحتى عصر النهضة.. كلها أعمال فنية، لها هذا الأساس الجمالى الملهم للمبدع. سواء فى العمارة، أو غيرها من أنواع الفنون. وعلى هذا، كل جمال حضارى، وفن أصيل، وغيره، يثير شجون الروح، ويحلّق بها، فى عوالم أخرى. وعلى نفس الشاكلة، وبدون هذا المفهوم، أيضا، لن تكون هناك جماليات فى الكتابة أو النصوص، تؤثر على أنفس متلقيها. ومن هنا يمكن القول، أن العلاقة بين الفن والأدب والجمال الناصع، لا يمكن إستيعابها ببساطة، فى مقال، وهى صلات متينة، ووشائج قوية، يحكمها إطار واحد، وهو التأثير فى النفس البشرية، بأثر، لا يزول. وهو ما يجب أن يتوافر لدى كل فنان، ومبدع. الأمر الذى أحاول، جاهدا مع نفسي، أستحثها، مرة بعد أخرى،، ممتثلا لمعناه، وأنتهجه فى كتابتى، ومنها ما يتعلق بالمثل الذى أشرت إليه، فيما يتعلق بزمان، ومكان رواية (غصن الحياة) اللذان يتراوحان، فى فترة زمنية، تستغرق قريبا، من خمسة عقود.. سنوات طويلة، وأماكن عديدة، لابد أن أستشعر، وأنا أكتب عنها، وعما يدور بها من أحداث، من جماليات للمكان. مما أثار شجونى حيالها، هذه الفكرة لمقال الفن والجمال.. وهو المقال القادم، بمشيئة الله تعالى، تبارك اسمه..
.............................................................