سرماديا

سرماديا

مقدمة وفهرست ديوان حدائق القمر **





  مقدمة وفهرست
 الأعمال الشّعرية الكاملة 
(ديوان حدائق القمر) 
---- خالد العرفى
بقدر ما اختار القدر لى تلك المدينة الرابضة، فى حضن البحر،  لأولد فيها، بجوار التاريخ، بقدر ما هناك وما يقابلنى من أشياء غريبة، تأتى على الخاطر،.. تساؤلات وأحاديث مع النفس. وأحمل فى نفسي منها، مثل هذه تلك التساؤلات وغيرها.
و"شاعرا"..! .. فقط بعد موتي، يمكن أن أحمل مثل هذا اللقب، رغما عنى، ولست له. تصدمنى هذه الحقيقة، وما وددت يوما، ولم أفكر فى هذا. وهكذا الأمر، لكن ربما وددت يوما، لو كنت فنانا تشكيليا. رساما. محاسبا. طبيبا. عالما. وأتسائل اتختار الأقدار لنا المهن، أم نحن الذين نختارها. تماما كالأماكن التى تستهوينا. أتختارنا، أم نحن من يختارها. الأمر بالنسبة لى تماما كحبى لعلم الفلك منذ طفولتى الباكرة. فعلا، كتبت عدة كتب فى الخيال العلمى، ربما رغبة فى عالم أفضل، بعيدا عن هذ الكوكب، أو عن عدم إقتناع أن الأرض ليست الكوكب الوحيد العامر بالحياة فى الكون، وأن هناك مخلوقات وكائنات أخرى. أيّا كان الدافع، فلا يهم السبب فى ذلك. إنما فقط أن أكون فى قلب السماء.. والشّعر يعلمك ألا تيأس أبدا، وهكذا العلم. طالما كانت هناك حياة. بالفعل كتبت عدة كتب فى هذا المجال، عن سفن الفضاء الغريبة والإختطافات الفضائية والإختفاءات الغامضة وغيرها،.. وصولا إلى قارة أطلانطس، التى فقدت ما بين ليلة وضحاها من قبضة التاريخ، ولم يستردها فيما بعد، أحد من علماء الآثار، وصائدى الكنوز، من الزمن مثل طروادة،.. الأغرب أن أول كتاب كنت قد بدأت فى كتابته مبكرا، وقد صدر فى الواحدة والعشرين من عمرى، وكان سببا فى لقائى بالكاتب الكبير الراحل أنيس منصور- رحمه الله تبارك وتعالى رحمة واسعة - وكان مبدئيا بعنوان حياة فيما وراء الأرض بين العلم والدّين، ثم إختصرته إلى حياة فيما وراء الأرض.. رسمت بالأقلام الجاف والرصاص إحساسى بسفن الفضاء الغريبة.. أشكالها وأنماطها. كانت أشياءا غريبة مثل الحلم. كنور أقمار سابحة بين سحاب رمادى. لكننى لم أحاول أبدا رسم كائنات الفضاء الغريبة التى تقودها. ربما، حتى لا أحدّق فى أعينها. ووضعت بعضا من هذه الصور، فى الكتاب ثم حذفت الكثير، وبقى منها صورة واحدة تحمل حلما، بوسيلة إنتقال إلى عالم آخر أفضل،.. كوكب بعيد، آخر الكون. وهكذا الشّعر، يحملك إلى عوالم أخرى نائية، لا جهات فيها، ولا أماكن. لا بوصلة تهدى فيها، إلا الإحساس والشعور والتجربة الذاتية. وربما تكون هذه هى العلاقة الوحيدة بين علم الفلك والشّعر. رّنوا وتطلعا إلى السّماء، ولا غيرها..! والشّعر نوع من ألوان الإبداع الأدبى. له من الأثر ما لا يُنكره كل متذوق للأدب. نقرأه بإلاحساس المرهف والتذوق العالى للغة، خاصة لو حمل من معان كلية ومضمون من حبكة على شاكلة ما تحمله القصة القصيرة أو الرواية عموما.. فى الشعر تخترق فتيّا، برودة الفراغ بمسافاته الهائلة، وتلمس ضوء القمر فى لمسة حبّ، وحرارة الشمس فى زفرة شوق، وسطوع الكواكب على المعانى مع كل ذكرى. تكلم القمر كصديق وترى طفولته. تصادق الشعرى والثريّا، فى ليلة سمر، أو أمسية صيف. ترى الحلم يمضي وحيدا فى ساعة الفراق. وكيف يصبح النهار غريبا وقد إختطفه الحنين من الفصول.. كيف ضاع وقد كان مثل عطر الكتاب القديم. كيف يُفزع خريف الغربة وحدة، لا تأنس إلا بالشوق، وظلال الأيام مختفية فى ضباب ينظر نحوك. لا يبقى شيء إلا صمت يصافح إلا لحظات انتظار، تتسائل متى وأين اللقاء وسط هذا الزحام. تحتضن نسائم الأمل وتكون بلا طيف. ورغم ذلك تذوب فى سنا شعاع ضوء ينطلق بك أسرع من سرعة الضوء.. فى النهاية، ما يسمى رحلة الأفئدة.. تشعر بمصير محتوم.. ومسير لم يعن له الراحة أبدا. ومن مثل هذه التأثيرات المتجددة والتى يحدثها فى النفس، ما تراه فى لحظات الشّعر حيث تجد فى الفؤاد سراج صاعقة، أو نعومة زهرة. شمسا يغازلها النهار. أو تراها بشارة، وأنت فى حزن بعيد،.. نسائم  بحر، تجرى فى قلب غريب. أسئلة فى غموض معان وعجبها، كما فى أحجية الأحلام ورموزها، وتأويلات إغتراب النفوس وألغازها.. هجرة.. غربة.. دهشة، بين ضفاف فيروزية، لا تراها إلا أرواح صافية.. لا يقف على معانيها وتفسيراتها إلا واعٍٍٍٍٍٍ لأسرار اللغة ودواخلها، وعارف بإنحيازاتها. تجد ما هو ضائع من أحاديث وأساطير. تتسائل عن أشياء تمسّ الروح بمثل ما تثيره الألوان وظلالها تماما. كل شئ ينطق. كل شئ يتكلم، بتلك اللغة الساحرة.. كأثر الطبيعة وفصولها فى النفس.. تسمع مالم تسمع من قبل، من أصوات الرحيل والوداع.. وبكاء الأرض والسماء.. لشجار الشمس مع الغروب، تصغى.. ولهمس الفصول، تنصت.. وربما تلمس ضوء القمر. وترى النسيان والمستحيل..وتكلم البُرهات واللحظات والسنين. تراها كيف تتبدّد أمامك، فى الوجود. تسمع أنين الفراشات، وتراها هزيلة في فصل جفاف طويل، لا ينتهى. وترى الربيع يسترق السمع للبلابل. وكيف يختلس النظر إلى الزهر.. وكيف يراود الشتاء سحابة، عن حبّة مطر. تعاصر مع الشّعراء صبّابة نجم ينفض الغبار عن العمر. تدرك كيف تزفر الذاكرة أنفاسها أسفل جدار حزن. وكيف يودع ليلُ باكٍ نجمة الشمال،.. لهذا السبب فإننا نمضي حتى أقصى حدود الأرض، حتى نرى لقاء السماء بالبحر. كل ذلك يرحل بك، إلى عالم غريب.. أية مشاعر تلك التى تنتاب الشّعراء..!
أية مسافات تلك التى يقطعونها..!
إنه نوع عجيب من دروب الجنون، لا يقدر بثمن. معانى تساوى فى مقياس الزمن دهورا، وتتجاوز الإدراك. فالقصيدة لوحة يرسمها الشّاعر بإحساسه. ألوانه مشاعره وأحاسيسه. مرايا لرغبات إنسانية  تـتعاقب في دائرة حية بالمعانى، وإنها حقا كذلك. ليست مجرد أفكار جامحة في الذهن، عابرة لسور وراء سور. وجدارا خلف جدار. سرعان ما تبدأ في تمزيق وثاق كل منطق وكل محال. إلى هذا الحد يمكنك أن تـتابع تأملاتك، وأنت مسافر من نهر إلى نهر بلا ضفاف، حتى تصل إلى بحر، بلا جهات.. ولا ترى أرضا تعرفها من قبل،.. ومع ذلك، لا تستطيع أن تبقي على نفسك طويلا، في نفس المسار. ومن شرق، إلى شرق آخر غريب. وأنت باحث عن السماء، كما تعرفها لكنك لا تجدها إلا سماءً أخرى لا كما عهدتها. وإلى هنا، لا تجد إلا المجازفة فى تفسير المعنى، على إتساع المعانى وعدم محدوديتها. هادئة حينا. صاخبة حينا آخر. شئ مثل أسطورة فريدة، في غموضها. مسافات شاسعة، لا يدرك لها نهاية. وكأنك تقف في نهاية طريق جانبي، لا تعرف كيف يؤدى إلى قلب مدينة عامرة. يهمس لك تارة. ويصرخ فيك تارة أخرى ضجرا، بين حشد من المعانى، تراها أكثر توهجا. ولا أحد يستطيع شق طريقه دون طيّ معانى الشّعر. ولا فائدة ترجى من غير تلك المشاعر، التى يبدع فيها الشّعراء. وبهذه المسائل نتذوق الشّعر. نفهمه ويؤثر فينا. وعن مثل هذه الأفكار، دوما يكون الشّعر الخصب والخيال، الذى يوافق الروح. ندرك، أن الأمر لم يكن إلا كذلك. ونمسك بما يثيره هذا الخيال، فى النفس من أحاسيس وإرهاصات. يثير فينا الرغبة في تـقـصّي الحقيقة، وجوهر ما يغرسه في الأذهان. مثل ضياء قناديل شاهقة، فى رحابات سموات بعيدة. لا ترى نورها إلا أفئدة وألباب. وربما يأخذك معنى آخر، إلى ما يخفق بك فوق ذرى عالية، ورؤى معلقة. أو بك يهوى، إلى غربة سحيقة. تشعر بعجز، دون أن ترى كيف تتسلل المعانى لخفايا الأرواح، حتى تتمكن من كل خلجات نفسك وحناياها. تكاد تستنطق عقلك ليدرك، ويؤوّل. معان يقرأها الإحساس والوجدان والبصيرة، لا جارحة العين. إستبصارا لمعنى وحالة شعورية. وصور تعكسها تلك المعانى.. هنا يكون سحر البيان وأثره فى النفس. لذلك، تجد الشّعراء يتكلمون دائما بالإحساس. عن تجربة ذاتية. تقول بعدما تقرأ أفضل طريق للجنون الحبّ. وأفضل سبيل ألاّ يكون الشّاعر شاعرا، ألاّ يحبّ. لكن الشّعراء يحبون. يفنون. ولذة الشّعر أنك تجدهم يلونون الحياة، فى قصيدة. للبائسين. للفقراء. لكيلا يموت العالم. لئلا تلتهمهم وحشية حياة، وألم واقع مرير. الشّعر حقا جنون. وهذه روعته. ودهشته فى النفس،.. وحياته.. لذته، التى تجدها الأرواح فقط ..
وبين البداية والنهاية مسافة مشاعر وأحاسيس غريبة.. ولست أدري ما إذا كانت حقيقة الكتابة روح مأساة، على الكاتب أن يحيا أحزانها وآلامها، ليكتب، أم لا.. فبعض الألم، شفاء.. ومن بعض المعاناة، إشارة أن هناك مرض، لا بد من تطبيبه.. ولست أدري إذا كانت أحداث الحياة نفسها، فكرة عارضة على هامش الجنون، نعيشها، لنبدع بين محال ومستحيل.. فبين ألم مأساة ومعاناة، دوما حياة الكتّاب والأدباء والشعراء، الغريبة.. حقيقة، يشرق معها، فجر فكرة صادقة.. أو قصيدة، تبزغ شمسها، فى القلب.. ليستيقظ صوت الشّعر الغافى، عذبا فى هدأة نفس.. يطوف، بين دور الخيال.. يصدح شادٍ، ألما: 
بأى وجه ستطلّ يا حزن
وقد ذهبت ذكرانا وذكراهم
بعصف الريح
بأى وجه
والفؤاد ثملا يشكو مستحيلا
قد طاف يهذى
طاوٍ لجروح
كم تاه مكلوما بالألم
دهرا يحتضر
بلا شفاء وَلِها
من شوق وجنون
بأى وجه ستأتى
فلا عين منا بقت لتبكى
ولا بقت منا لتجرى دموع
 آه يا حزن
بأى وجه ستأتى
 وقد بات الفؤاد شوقا يهفو
ليوم الرحيل
-----
ولا أعلم شاعرا قط شرح أشعاره.. ولست فى هذا الصدد بمنأى، ولست أزعم الشعر، إنما أشير فقط إلى ما ينتاب المرء من حالة نفسية أشبه بديمومة رحيل فى المعانى، ليس لها من إتصال بما يأتى به الخاطر أو يشرع فى كتابته الكاتب من ألوان الإبداع الأخرى.. وربما هذا السبب الرئيسى فى ركون بعض الروائيين إلى الرمز الشعرى واللغة الشعرية فى كتابتهم للرواية لما تلقيه هذه اللغة وظلالها فى النفس وتأخذ بالقارئ إلى تأويلات كثيرة موازية يكاد لا ينحصر مدلولها أو تفسيرها فى أمر محدد، لما يرجع إلى إقتران الشعر من مقومات الذاتية.. وهذا من أثر اللغة فى المقام الأول فضلا لو تأطرت معانى هذه اللغة إلى مستوى الكلمة والمفردة الواحدة فى إطار مضمون درامى ومعنى كلى شامل لإحساس الشاعر وتجربته النفسية.. وهى دفقات شعورية وشلالات من الأحاسيس المتنوعة فى إطار أمر واحد تتعدد صوره تؤدى فى النهاية لهذا المضمون الكلى.. وأجدنى فى هذا أنساق فى قراءاتى إلى الموهبة الحقة والفذة التى تترك فى نفسي هذا الأثر الفريد وليس لغيرها ذلك.. أتواصل مع المعانى البديعة والأفكار الصاخبة التى تثوّر هدأة النفس وتودى بها إلى دروب تأمل بعيدة كل البعد عن كل ما هو معتاد مما نجده هنا وهناك.. ومن حذقَ من كتّاب القصة والرواية يعلمون هذا الأثر الكبير الذى تتركه اللغة وأسرارها فى النفس والروح علاوة بالطبع عن المعنى الكلى.. ولست أتكلم عن الشعر أو عن القص هنا ولكنها تلك الدروب المتشاعبة – حديثا عن اللغة- التى تلتقى كلها فى ذات التأثير، مهما كان اللون الأدبى رغم تغاير مبادئ وكيفية كل لون منها.
والأمر هنا أشبه بمن يفتقد بوصلة ما للتفسير ولا يجد غير الكلمات واللغة تحمل المعانى.. فإن كان الأمر شعرا، فهو لون أدبى له قرائته وإحساسه الذى يغوص القارئ والمتلقى فيه بحثا عن المعنى والتجربة الذاتية والوجدانية للشاعر أيا كان نوع هذا الشعر، من شعر كلاسيكى إلى شعر قصيدة النثر وحتى مستوى قصيدة البيت الواحد والومضات الشعرية.. ومن يتب عن الشعر، أو يقاطعه مهاجرا، وهاجرا.. إنه يسرى فى الدم.. سجال دائم.. وأدعو الله ألاّ أكون شاعرا.. إنما هو وجود وكيان المعنى واللغة، فى النفس.. وهى كلمات تجرى فى القلب، ومسرى الروح، كالبرق الخاطف، للحظات،  ليستمر هطول المطر.. شئ يستغرق الشعور، كله.. أسبكه قطعة، قطعة.. قطع متجاورات، فى القصيد..  أصوغه كلمة، كلمة.. بستان قريض. كأنه، يُسرّ إلي بحديث، لا يعلم، أنى ولدت به.. يمارس غوايته.. جذور أيكة، وأوتاد فى أعماق النفس، والبصيرة.. يوقظ غفوة، ببريق آخاذ.. يهزّ النفس، للظفر به. ولا تستمر الحيرة والدهشة، طويلا.. كأنى صمت الدهر، عن سنا، تلك المعانى، وينشقّ لسانى، بما غاض به، رحم الكلام. يعلو، على الحواس كلها.. يستولى عليها، فى رحلته، إلى المداد.. كرؤية جامحة، أومض برقها، وعلىّ تأويلها.. لا تمرَّ، على العقل، إلا كنور المشرق.. حينها، يمكننى فضّ أختام أبكار معان.. أطرق أبواب موصدة، لخلق أطياف صورة لاحت، ثم قرّت فى نفسي، بقدر.. وأجوز عابرا، وقد إجتليت الأمر، وشربته سلسبيلا.. مسائلا نفسي، هل من أثر مغامرتى، مع المعانى، شئ بعد، لم أقتنصه، ويفتننى. وسرعان ما أرى القصيدة، أمامى على الأفق، وجها لوجه، أو سبقتنى بين يديّ، ماثلة تضاهينى.. تسائلنى أيضا، كيف أوقعت بى، بين أناملك، بيانا.. فأجيبها، إن علمت يوما، أحدا تاب عن الشّعر، توبة نصوحا، أخبرينى، لأكون أول التائبين عنه، قبل مماتى، وقد خلت المثلات.. وكيف أنت، إذن سرقتينى.. سبحان علام الغيوب، عالم الغيب والشهادة، ذى الأنعم والآلاء والآيات، والأسباب جميعها، الواحد الماجد الواجد، الكبير المتعال.. ومازلت أقول فى نفسي، أنى لست بشاعر. وكأنى أذكر نفسي، وغيرى، أن الشعر، لا توبة منه.. وهذه الكلمة القصيرة، من شجون، من أسمونى فى رسائلهم الشاعر..، ولست بشاعر، ولن أكون.. وما أسميت ما نشرته من قصائد، ودواوين إلا تمييزا لهذه النصوص، عن غيرها مما أكتب، سواء قصة أو رواية، وغير ذلك.. وبحسبى، معنى يظل يطاردنى.. لا أستطيع منه هربا.. كطائر يحلق فوق رأسي، مرة.. ومن حولى، مرة.. يظل ماكثا أمامى،  يدعونى للإمساك به، فإن فرّ قبل الإمساك به، ظللت أنا طائرا خلفه، فى عالم ثان .. محال أن تشبه الشعر بالقصة، وإن كان للبيت الفردى معنى بذاته، فهو لبنة فى بناء أشمل.. القصيدة، هى التى تعطى المعنى الكلى، والمضمون.. وغالب الأمر، أنت لا تشعر بنفسك، إلا فى داخل المعنى والفكرة.. وربما لهذا السبب، حينما شرعت فى قراءة، وترتيب قصائد الدواوين، التى إنتهيت منها بالفعل.. وجدت أمورا غريبة.. بل عجبت أكثر، أن المعانى التى إستولت على نفسي كلها تُرد إلى معين عميق، ومضمون واحد كبير. خضم، لم يكن لى، إلا أن أنساق، وأغرق فى أمواجه، واحدة تلو أخرى.. كل موجة تسلمنى لمعنى يتضّفر، مع معان أخرى،.. مع ما قرّ فى مكنون النفس، فى قرار بعيد، أكاد أراه بعينى عقلى.. لا يمكن شرح هذا الأمر، بحال من الأحوال، إلا فى إطار، ما اصطلحت على تسميته لنفسي، بالجداريات، التى أتت من مختاراتى، من تلك القصائد، التى أظن أنها إستغرقت لا شهورا طويلة أقول، لكن فترة قاربت خمس سنوات. كل جدارية كانت تنطق لى..، بمعنى كلى، أشبه بمضمون قصة كتبت نصها، بلغة شعرية.. وكأنها قصيدة طويلة تصدح بمكنون نفسي وما خفى فى الروح، مما تناثر على قصائد عدة.. سرد غريب أشعر معه أنى أحاور الطبيعة، وأجازف بالخروج من الكون.. أنفّس فيه عن هموم النفس، وشجون الروح، فى هذا الوجود أمام أسئلة حائرة.. وأنأى فيه، فى نفس الوقت عن الخطاب القصصي .. إن أهم ما يتميز به الخطاب الشعرى، أن تجنح إلى الخيال، وليس الحدث، فى حد ذاته.. تستطيع أن تناجى كل شئ، على على حد سواء.. تتراوح بين ماهو تاريخي وواقعي، أو تذهب بعيدا إلى عالم الأسطورة.. كل شئ ممكن، فى هذا السرد الشعرى، بطبيعته المتفردة وخاصيته فى إستيعاب وتشكيل كل المشاعر والأحاسيس، بحركة دائبة. وفى ذات الوقت، يكشف المضمون العام، عن درجة وعي السارد وقدراته. وهى، هنا قد تتعدى الزمان والمكان، أوحدث ما معين كخلفية لمعنى القصيدة، الذى يتراص بجزئياته، ويتكثف بمفرداته، بحيث يصبح شيئا مرئيا،.. كينونة، ممتدة فى الروح، لمسافة، قد لا يعيها قارئ القصيدة، الذى يتفاعل معها، بناء على التأويل الخاص به، وليس لمبدعها.. على أية حال، أشكر كل من أرسل لى، ممن أعرف، ولا أعرف، وأعتذر مجددا، عن تلق تعليقات، وأرجو تفهم ذلك منى، وإعتذارى عن رفع الدواين السابقة، من المدونة التى أراجع قصائدها، تنسيقا وإعدادا لها مع تبويب جديد، لتكون بمشيئة الرّحمن تبارك وتعالى، ديوانا واحدا، ووحيدا لى،.. لم أقف على اسم، أو أصل لعنوان محدد، إلى الآن. وقد نشرت مؤخرا، مقدمته بعنوان أنا والشّّعر. وأعتذرعن عدم نشر، أى أعمال شعرية أخرى جديدة لى، فيما بعد، ومنها باقى قصائد ديوان فى مهد الطريق، والذى سأضم ما لم ينشر منه، من قصائد،  وهى فى المناجاة والإلهيات، للديوان المشار إليه..وهاهى المقدمة المذكورة للديوان، بإذن الله تعالى، والتى سبق أن نشرتها بالمدونة، مؤخرا.فلا أحب طريقا سلكه غيرى. أعافه. أميّزه، فلا أحفل به. فقط، أنتكِب ما أراه قويا، وغير مألوف،.. رصينا آخاذا. يستهوينى، ويلائم، ما طبعت عليه نفسي ، فأطرقه، قاصدا، وألوذ به. مكرم عليّ، ومؤثر عندى. يصارح نفسي، ويأخذ ماهيته فيها. يمتّع عقلى، ويشبع وجدانى. لذة للقلب، وعظيم الخطر، فى الروح. ينسكب فى الحياة، ويسبكنى فيها. أخلص منه لشئ ما، له معنى، وقيمة خاصة. حظى منه، أن يكون مرآة لى، صادقة. أدب رفيع خالص، وينتهى بى إلى غايته. يروق لى لفظه ومعناه، فيعظم شأنه، فى نفسي. هذا ما أراه، فقط... وهذا ما أحاوله، وأقصد إليه، كل سبيل. ألتمس منه الأثر، بشئ من بصيرة.. تتزاحم فيه أنفاسي.. وعلى هذا المنوال، دعانى الشعر يوما، وكأننى اضطرت إليه إضطرارا. أحاطنى، برغبة خفية جامحة، كدت أغرق فى دائرتها، لا يكبحنى شئ، أوغلت خطايا فيه مبتعدا عن مبتذل المعنى، وفاحش اللفظ.. مما أجد فيه، من رأى، وعاطفة، وشعور. وحتى لا أتحرر، ممّا يوجبه ويفرضه، الطبع السليم، والذوق النقىّ الكريم، .. نأيا عن القبيح والسيئ، من القول.. وكم حاولت، أن أحلل ما كتبته، كأنى ألقى أحمالا ثقالا، عن عاتقى، ممّا أثار فى نفسي شوقا، إلى معرفة تجربة شعورية، تمخضت عنها، مسارات لتيارات، ودلالات، نبعت من إحساسى وانصهرت، فى تلك القصائد.. وما إن قرأتها، كقارئ، لذاتى، رأيت مرآة كبيرة، لم أعرف نفسي فيها، إلا وأنا مستغرق، فى تجليات نفسية وشعورية، تصدح بمكنون النفس، فى عالم آخر، هو عالم لغتى، بين قدرة العقل، على الإختزال والتكثيف، وإرهاصات الروح. فى سباق زمنى، فى غير الزمن، أشرف منه، على النفس، مفضيا بى، إلى حنايا، هذا الفضاء النفسي.. يتملكنى وأتملكه. ومتسائلا، بين أمواج موجة بعد أخرى، هل هذا، ما صنعه العقل وحده.. أم هى آثار، لمعان، بين القلب، والعقل، والروح.. أم ما فاض به طبع جُبلت عليه، وأنا لا أريده فى نفسي، لعدم رغبتى فى أن أكون شاعرا، فى يوم من الأيام، ولن يكون.. فإن كان تصويرا لمعان، لم أستطعها، إلا بالشعر كوعاء ولون أدبي مغاير، وحوى مالم يأت إلا على هذه الصورة، فأنا أولى بالرجوع عنه، إلى ما أحبه حقا، وهو فن الرواية والقصة، حتى لا أنحصر فى الشعر، أو أسجن نفسي، بين أسواره.. وكم عدّلت من كلمات، و حروف، لا أدرى، درى بها، أم لم يدرِ القارئ، وأدركها.. هو شوك.. نعم الشعر شوك ممضِ، ونار تُريع، وتُردى.. كما شبهته، تماما كالسير على إبر، أو أنصال حادة.. تٌدمى، كلماته وإيقاعاته .. بل، وسكتاته.. لا أقل حريرا.. يكفينى، أننى استجبت، لهذه التجربة، بين روية وتأمل وتفكر.. بفيض من الخاطر،.. وبسنا إلهام. لا أدرى، حقا، كيف انسكب، هكذا، فى القلب والروح، قبل العقل والقريحة.. غمر كل شئ، فجَرت فى تلك القصائد منى، حرارة النفس، وقوة الروح. ولا أدرى كيف أصوّر، شعورى إزاء هذا الجانب، وحياله. وأنا طائف، خفيفا سريعا، كالبرق، أكاد لا أشعر أو أحس بنفسي، حينا. و محاولا إلتقاط أنفاسي، بمشقة بالغة، وجهد عنيف، حينا آخرا..  ربوع معان، عكستها عشرات القصائد، فى فترة، تجاوزت سنوات عديدة.. وكأنها معان إختزنتها النفس، وادخرتها للحظة، نادرة غائبة.. فتفجّرت ينابيعا، وجداولا.. وأحيانا سيولا، جرفتنى معها.. سخطت حينا، على نفسي، أورضيت حينا.. وإن إستيأست، وأعرضت.. أتانى الخاطر، دون أن أدرى. غير ما لم أضعه من قصائد، صادمة لى، ولم يقرأها أحد، إلى الآن.. ومتجاوزا، هذا وذاك، بما أشرت إليه، أقول لنفسي زاعما، قد إنقضى معى هذا اللون الأدبى، بعد ديوان أمواج على وجه الشمس، وذهب معه عهد الشعر معى. وليس فى ذلك، من بأس رغم، عشقى له.. أخذت منه طرفا، وأخذ منى أطرافا، ولست أريد إلا حبّ العربية، وآدابها، لا أكثر ولا أقل، ممّا وصفت، فى صدر هذه المقالة..
وأخيرا، الشعر شعور، وإحساس يتجلى فى الروح.. الشعر، عين الروح، ومرآتها.. أخذنى، من أعمالى الأخرى. ولإن أخسره، خير لى، من أن أخسر مشروعى فى الرواية والقصة القصيرة، اللذين أجد فيهما نفسي أكثر،.. ومن أن أكون شاعرا، ولن أكون أبدا.. وتفرغا منى، لأنواع كتاباتى الأخرى، من مقال وتأليف أدبى وعلمى ..
وقد وفقت بتوفيق الله تعالى لإسم ديوانى الوحيد، والذى يضم قصائد إثنا عشر ديوانا، نشرتها على فترة، تجاوزت أعوام. وقد أعددت هذه الدواوين، لتصدر فى عمل واحد، يضم الأعمال الشعرية الكاملة بإسم "ديوان حدائق القمر - الأعمال الشّعرية الكاملة".  وذلك بمَ يزيد عن مائتى قصيدة وست جداريات شّعرية. وهاهى الفهارس الكاملة سواء قصائد أو جداريات. والحمد لله كل الحمد الذى أعاننى ووفقنى لهذا العمل الشّعرى.. وأدعو الله جلّ شأنه أن يصدر مطبوعا، قريبا، بمنّه ومشيئته وفضله العميم.
وأظن أن هذه المقالة، إن أتح لى الأمر، سوف تكون مقدمة طبعة تلك الدواوين وهى : 
   1.   أغانى الشتاء الحزين
2.   سنا الخاطر
3.   لغة الفجر
4.   طائر النور
5.   دعنى أتذكرك
6.   أطوار إغتراب
7.   الفصول الأربعة
8.   أمواج على وجه الشمس
9.   لآل
10. عناقيد الروح
11.  أريج المسير
     12.  من نسيم الفؤاد 
 فى طبعة واحدة مجمعة، بعد تنقيحها، وترتيبها، لتكون ديوانا واحدا، ووحيدا لى..، إن قدر الرّحمن لى شأن ذلك، بفضله، وكرمه جلّ شأنه، وتبارك اسمه. وعلى هذا النحو، أمضى، فى طريقى.. 
فهرس ديوان حدائق القمر
1.                مقدمة الديوان
2.                بين الأندلس وقرطبة
3.                لأنى تذكرتك
4.                أنظم من الحزن
5.                عذرية حلم
6.                أوخز جراحى
7.                أتبادلنى أيها البحر؟
8.                خيوط العنكبوت
9.                أجنحة الملائكة
10.           سأحيا
11.           فى لحظة الوداع
12.           طفولة لون
13.           فيروزة
14.           برفقة الرحيل
15.           زهرة مستحيل
16.           فى وصال الهمس
17.           تصوّرى
18.           فى بستان الفؤاد
19.           لم أتسائل يوما
20.           ربما نلتقى
21.           ولى من هواك
22.           نسبوا لى فى هواك
23.           تعلمت الهوى
24.           لا سائلت نفسي
25.           وتسألينى
26.           رويدك أيتها المآقى
27.           حلم
28.           كيف أنساك
29.           فى لمحة بحر
30.           هفو الخاطر
31.           الشجن الأخير
32.           هكذا أراك حبيبى
33.           فى وصف حبيبى
34.           طائر الشوق
35.           فى ظلال روح
36.           لحن أشواق
37.           أسارير
38.           قالت لى الشّمس
39.           إلى هذا الحدّ وأكثر
40.           قاسمنا الهوى
41.           أمواج فيروزية
42.           مشّرق بعيد
43.           أضغاث حلم
44.           ألف قصيدة حبّ
45.           دعنى أخبرك
46.           وليس إلاّ قدر
47.           لا تبكنى ياصاح
48.           جُدت بهوايا
49.           هيت لنا
50.           أيها الوطن
51.           حنانيك ترب الروح
52.           غنوة صمتك
53.           كأس الزمن
54.           بحسبى وإياك
55.           قالوا
56.           مصدوع الفؤاد
57.           وبنا ما بنا
58.           نأينا فاقتربنا
59.           ولئن عادت أجمل أيامى
60.           حينما شرعت القواضم
61.           أسبق بزمنى الزمانَ
62.           ولى ما يحيّرُ
63.           ولى مذهب فى حبكم
64.           غاية الروح
65.           لا تسألنى كيف تلقانى ؟!
66.           دائرة بعد دائرة
67.           إشراقات المنفى
68.           يا حاسدى
69.           قل لأصحاب الشوق من بعدي
70.           خبأتك فى جوقة أغصانى
71.           يا نفس لا تكونى ظلا
72.           حلّقى يا طيور الحرية
73.           تحت جناحيا
74.           البلبل الصادح
75.           ألا ليت شعرى
76.           زهرة بحر
77.           حادى الأهازيج
78.           فصولى الأربعة
79.           فى ظل الروح
80.           بين البحر والصخرة
81.           ميلاد الأسئلة
82.           قبل الحياة
83.           أيها الملاك
84.           أو تكفى ساعتان
85.           سنا المشرق
86.           فإذا هو الليل
87.           المعانى المجنحة
88.           بروق ورعد
89.           وجه السندس
90.           سبعمائة يوم
91.           كيف أعود من عينيك
92.           ما الذكري إلا فجر كذوب
93.           هذه أنت
94.           تحت قوس مدينتى
95.           فهرس ألوانى
96.           خلى لى..
97.           نبوءة
98.           مهاجرا فى غواش القلب
99.           أيتها الغربة
100.     لا شيء سوانا
101.     اسم حبيبتى!
102.     كيف لا أحيا
103.     إعصار
104.     على أهداب إبتسامة
105.     غرباء على حافة الذاكرة
106.     أو تدرين ماذا حدث ؟
107.     سوار القلب
108.     وفى دمّى الشعر يبكى
109.     لم أعرف
110.     يا أنت
111.     الفجر الذي ذهب
112.     أتذكرين
113.     نسمة ذكرى
114.     ويتلألأ الحنين
115.     كلما أردت أن أطير
116.     البحر الذى يغنى
117.     أنا أذكر حبيبتى
118.     أين حبيبى
119.     بلاد الروح
120.     رحّال
121.     أرخت زمامها
122.     مجرد همسة
123.     مقام الهوية
124.     للصمت صوت
125.     وداعا للشعر يا مليكتى
126.     الوداع
127.     رفات القناديل
128.     السنابل الحرة لا تُكمم
129.     عما قليل
130.     نبوءة ألف عام
131.     أغاني الشتاء الحزين
132.     الهزيع الأخير
133.     فى تاريخ عينيك
134.     أليس لنا أن نعزف؟
135.     لله درك كيف أحببتك
136.     آن لك الزهو حبيبتى
137.     قصيدة ها آنذا
138.     قصة أسطورة
139.     أيها النهار
140.     هديل النجوم
141.     تلك اللحظة
142.     كيف أتذكرك
143.     دعنى وهجرتى
144.     في مغبة ريح
145.     وشاح الروح
146.     إنتظار
147.     للوجود فصل خامس
148.     أتصدقين.. ؟!
149.     ملكوت
150.     ابن الشّعر
151.     وصايا الشّعر
152.     تنهيدة حنين
153.     فيروز الشّعر
154.     وجه الرحيل
155.     مالك الحزين
156.     عصفور النور
157.     إن أردت هزيمتى
158.     تعالى أخبرك
159.     بسمة الملائكّة
160.     يا نفسُ
161.     أأكون وحدى؟!
162.     أسّرّت لى
163.     عرش السراب
164.     على تخوم المهجر
165.     أيها المتساءلون
166.     جدارية جورنيكا
167.     جدارية نيكروبوليس
168.     ألا أيها الفجر
169.     كيف يغفو الفؤاد
170.     شاعر هذا
171.     أبدا لم يكن
172.     ذات يوم
173.     كيف الحب يكون
174.     هذا قلبى
175.     فى ظل سؤال
176.     فى عينيها القمر
177.     فتاة الغصن
178.     زهرة الشعر
179.     مصير الشعراء
180.     القصيدة الممنوعة
181.     فى ساعة الشعر
182.     فى ضوء شمعة
183.     بعد مائة عام
184.     لم يعد لى عين
185.     قصيدة خضراء
186.     فى تاريخ الشعر
187.     شجرة الأرواح
188.     فى ليلة شتوية
189.     آخر أسطورة
190.     حيرة غروب
191.     على قدر
192.     أتذكرين
193.     أمسية صيف
194.     لعلنا ننسى
195.     فى ذكرى لقاء مفقود
196.     همسة حائرة
197.     فى خميلة حزن
198.     أنا لست من يقول
199.     خفقة سماء
200.     يحدّثني البنفسج
201.     أحلام شاردة
202.     لعلى اتذكر
203.     لو كنت شاعرا
204.     متى اللقاء
205.     لعلى أعرف
206.     أنا في حبك
207.     هذا من كان
208.     لم يبق منى
209.     لمَ تأخرت
210.     أين ذهبنا
211.     أين أنت
212.     بماذا أناديك
213.     ربما نلتقى
214.     إثنا عشر قصرا
215.     قاعدة واحدة للحب