سرماديا

سرماديا

مقالات علمية - 2


مقالات

من كتاب

 (الحياة والكون)
مقالات علمية - 2
الحقيقة الفريدة


-----  خالد العرفي
 
الحقائق، دائما، تنبئ عن نفسها، بين التفاصيل الغريبة، وسماتها.. وفى الواقع فمع حقيقة غامضة، مثل هذه الحقيقة الفريدة، فإن التفاصيل الصغيرة الكثيرة، المتناثرة هنا وهناك، ستشى بالكثير من الوضوح مع تأملها.. وليس من الصعب الإستدلال على سمات ونتائج أخرى. وهناك أمر آخر محيّر، وهو ما يمكن أن يحدث فى الغد القريب أو البعيد، مع تراكم معارفنا عن هذه الكواكب، ومع التقدم العلمى وغزو الفضاء، لا يمكن إستبعاد أن نكون نحن هناك.. أو يكونوا هم هنا، فى يوم ما.. نحن وتلك المخلوقات المحتمل وجودها، فى الكون.. وما لم يكن واضحا تماما، ربما يظهر، فى المستقبل، فى يوم ما.. رؤية واضحة مكتملة، عن هذه المسألة المحيرة للبشرية، منذ آلاف السنين.. ويبقى الدافع لنا ولهم فى التلاقى، فى رحابة الكون الشاسع الرحيب.. نحن والأحياء الآخرون، فى وجود، لم تصبح فيه أرضنا كوكب مسكون.. وحيد ونادر، وربما كذلك، وجود الحياة نفسها، على نحو ندركه ونعرفه عنها، يقينا. والأمر لم يصبح الأمر مجرد حديثا أو احتمالا أو فرضية علمية، يمكن إثباتها أو نفيها. بل حقيقة مؤكدة، ويقينا. إكتشاف من إكتشافات مسبر أو مرصد الفضاء كبلر NASA's Kepler space telescope . إكتشافات تزايدت، منذ إطلاقه، إلى الفضاء عام 2009، للبحث والعثور على كواكب صخرية، تشبه الأرض. كواكب تكون صالحة للحياة -  Kepler A Search for Habitable Planets. تدور حول نجوم مجرتنا أو شموس فى مجرات آخرى. بحثا، عن عوالم حياة، موجودة، خارج الأرض، في مكان آخر. فى رحلة علمية، فذة، ليس لصالح وكالة الفضاء الامريكية - NASA - إنما للبشرية والعلم. هذا الإكتشاف المثير المذهل، فى مجرتنا، حلم العصور، هو خطوة أولى، فى أن نجيب عن هذا السؤال الضخم:
- "هل نحن وحدنا فى كون، يستحيل تخيل أطرافه، أو مداها الشاسع.. هل توجد حياة أخرى؟
وظاهرة شيوع وإنتشار الكواكب، في جميع أنحاء مجرة درب التبانة- أصبحت بالفعل، حقيقة علمية مؤكدة. فما بالنا ومليارات المجرات،  التى لا يعرف عددها، في الكون. ما أروع الحديث وإثارته، عن كبرى الحقائق الكونية. حقيقة وجود كواكب أخرى شبيهة بالأرض، خارج المجموعة الشمسية، أو أرضنا، هى التى تشبهها. منها ما يسبق كوكبنا وجودا، وأكبر عمرا، والعكس. وسبعة مليارات، من البشر يعيشون، على سطح هذا الكوكب، قليل فقط، من تابع هذا الخبر المثير الفريد. أخيرا أكد العلماء إكتشافهم، لكواكب بعيدة شبيهة بالأرض، فى الكون. لها من الظروف الفيزيائية والحيوية، ما يمكن للإنسان العيش فيها. وقد تكون بها حياة طبيعية، مثل الحياة الموجودة في كوكبنا، أو حتى نوع ما، من حيوات، لا ندركها.  كواكب مأهولة، حسب نتائج البحث التي أجراها العلماء، أن هناك كواكب صالحة، للحياة الطبيعية. وحقيقة إكتشاف، لكوكب، يحتوي على حياة، يعني ببساطة، أن هناك كواكب أخرى موجودة، بكثرة في الكون. وهو خبر فريد، من نوعه. ولعله، أول خبر فى تاريخ البشرية، وتاريخ العلم. ولا يمر الوقت، إلا وأنا دائم التفكير فيه، أحقق. أتحرى. أدقق.. كيف ومتى؟
كيف يصبح الخيال واقعا؟
كيف تحقق حلم العلماء والفلاسفة والمفكرين؟
كيف تحقق أمل أدباء الخيال العلمى؟
العثور على كوكب شبيه، بكوكب الأرض، حلم آلاف السنين.. لا يمكن أن يكون كل هؤلاء، على ضرب الخيال. أن يعتقدوا فى حقيقة، لم يروها. يؤمنوا بها.  لا أدرى إلا شيئا واحدا، أننى فعلا إعتقدت، فى هذا يقينا. حاولت أن أجمع الأدلة والبراهين والحجج، فى أكثر من كتاب. كتب صدرت بالفعل، قبل أن يتطور تفكيرى، فى هذا الأمر. أحاول متابعة، آخر ما وصلت إليه الإكتشافات العلمية الفلكية. أقرأ فى تحقيقات علماء الفلك والكونيات، للبحث والتأكد. بات الأمر يقينا، ليس إحتمالا، أو فرضا. على الأقل لنفسي. لا، لأكتب عن هذا الأمر. وربما كتاب جديد، عن الحياة والكون. في الواقع، لم أصدق يوما، إلا هذه الحقيقة الفريدة. نعم يوجد كواكب أخرى، فى الكون. بلى، فى كثير منها، حياة. لم أفكر مطلقا، فى إحتمالات غير ذلك. كيف تكون تلك النقطة الزرقاء الباهتة، فى السماء،  كما سمّاها "كارل ساجان" هى الكوكب الوحيد المعمور، في الأرجاء المترامية للكون العظيم. وسوف أكون خياليا، لو لم أفكر، من قبل كيف ستكون نوعية وتيرة الحياة ونمطها، فى أحد هذه الكواكب البعيدة. سواء فى مجرتنا أو فى مجرات أخرى، فى الفضاء. لكن، لا يمكنني أن أتكهن تفاصيل هذا الأمر. أين هى هذه الكواكب؟
أين توجد؟
أين تختفى فى هدأة الفضاء السحيق؟
ما المسافة التى تفصلنا عنها؟
كيف ستكون الحياة؟
ما هى أشكال مخلوقاتها.. حية أو مندثرة؟
هل وصلت إلينا فى يوم ما، من أيام تاريخ الأرض؟
هل سنصل نحن إليها؟
عشرات الأسئلة التى تثير المتعة والإثارة والتشويق، بين الخيال والحقيقة. لكننى لم أفكر بهذه الطريقة، بشأن هذا الأمر، أن سيكون قريبا جدا، وليس فى المستقبل البعيد. حملت السنون معها أروع خبر، إنتظره آلاف البشر، على مرّ العصور، ممن إهتموا بهذه المسألة. كيف سنقطع كل هذه المسافة الضوئية، لنصل إلى هذا الكوكب الفريد؟
كم يلزمنا من زمن وتكنولوجيا فضائية وطاقة، للتغلب على مشكلتى المسافة والزمن؟
مسافات تقدر بعشرات السنين الضوئية.. ومنها ما يقدر، بما يزيد عن الآلاف.. كيف سنعبر؟!
كيف سنجتاز كل هذه المسافات الهائلة، بالسنوات الضوئية. علينا، أن نسافرها، فى الفضاء والزمن، لنرى هذا الكوكب، رأى العين.. كوكب، من نفس سلالة ونوع كوكبنا. سبق الأرض وجودا وعمرا، وربما فيه حياة أخرى. ربما. ربما..

وإن لم ندرك، لماذا توجد كواكب أخرى فى الكون، فهذه الحقيقة تتجاوز قدرتنا، على الفهم الكامل العميق.. ولا يوجد شئ صدفة أو عبثا، فى هذا الوجود.. وهذا العدد الكبير من الكواكب، الذى تم إكتشافها يستوقف المرء، ويجعله يتأمل الغاية، من وجود تلك الأجرام البعيدة.. وهو نوع من التحدى للخيال البشرى، قبل ذلك.. أتوجد كواكب، أم لا..؟ والآن هو تحدى للفكر.. لماذا توجد..؟ وكيف سيصل إليها الإنسان..؟ وهل عليها حياة أم لا..؟ وإذا وجدت حياة، فما أشكالها وأنواع مخلوقاتها..؟
سلسلة من التساؤلات، لا تنتهى حقا.. يعجز العقل أمامها ويقصر عن الفهم، إلا بشئ، من التروى والتأمل. ومن هنا، لابد من قواعد حاكمة للتفكير فى هذا الأمر، لتحرّى الدقة، فى هذه الإجابات المحيّرة.. ومن هذا، أن ظاهرة وجود الكواكب، باتت حقيقة علمية مؤكدة.. وأن من هذه الكواكب أيضا، ما يشبه الأرض، ويكاد يماثله، من نواح كثيرة عديدة.. فإذا كانت إشتراطات وجود الحياة وظروفها موجودة، على هذا النحو، من حيث تشابه هذه الكواكب، مع كوكبنا، فلا يمنع شئ من تخيّل وجود الحياة، عليها.. كما أن أصل الحياة واحد، فى الكون، وكل شئ حىّ، من الماء.. وتعريف الحياة نفسه، حاكم بذلك التفكير، ويوجه لهذا الرأى..

وفي نهاية المطاف، على البشرية أن تركز اهتمامها، على هذه الحقيقة التى لم يسبق لها مثيل واحد حتى الآن،.. فالكون كبير جدا ليس لنا بمفردنا فقط، فى هذا الفضاء. ولا يعطيك ما تتسائل عنه مع أفكارك، إلا الزمن. وهى حقيقة عجيبة، من أسرار الكون الآخذ في الاتساع. فالافتراض مستحيل أن نكون وحدنا فى الكون.. أرضا واحدة.. أو كوكبا واحدا، صالح للحياة.. فالأرض، لا تزال ليست أكثر من بقعة صغيرة، في وسط محيط أسود هائل. إفتراض لا يعتمد على كل الحقائق، مع ضخامة الكون. وهذا يعني، أن الكون لا يمكن أن يكون دون معنى، أو يتصف بالعشوائية، أو لغير سبب، في الوجود. نحن نعلم أننا نقترب، من أعظم الأسرار الكونية. أن ندرك معنى الحياة، كوسيلة نفهم بها الكون نفسه. والفكرة لا تنافي العقل الانسانى، أو نوع من الخيال الجامح. ولآرثر سي كلارك، مقولته فى ذلك "أنا متأكد من أن الكون مليء بالحياة الذكية.." فما نتصوره، ليس فقط هو غريب الكون. إنما الغريب، ما لا يمكننا تخيله، أو تصوره. ومن القواعد الصارمة للغاية، فى الحياة. قل إن شئت القاعدة رقم واحد، إنه لا شيء يدوم إلى الأبد. لا أنا. ولا أنت. ولا ما نراه. وهكذا جهلنا بالكون، لن يستمر. والحقيقة لا تموت، وإن إختفت. حكم مطلق، أن تظهر فى لحظة ما. فلن تظل مختفية، إلى الأبد، وإلى ما لا نهاية.. فلماذا لا تكون الأمور  سهلة الفهم دائما ؟.. إن نظرية المعرفة والتفكير حيال هذا اللغز، يقدمان فهما أكثر وإدراكا أوسع لحقائق الكون. وهذا ليس كل شيء. فهناك جانب آخر، أن جمال الكون فى الطريقة، التي نراها به. أن نرى ما فيه، من تفاصيل معا.. نرى ما هو عليه. وكل ما علينا حقا، أن نعرف، أن الكون أكثر تعقيدا مما كنا نعتقد، حتى لو كنا على يقين من جمال الكون وروعته، في المقام الأول..
 
(يتبع..)