سرماديا

سرماديا

مقالات علمية




مقالات علمية
من
 كتاب خلوات فكرية

----- خالد العرفي

1 - إكتشاف البوزون الغامض

2 - كواكب أخرى

3 -الخيال وأدب الخيال العلمى

بقية المقالات، تباعا بمشيئة الله تعالى..
--------------------------------------------------------

 
عصر الإكتشافات
كواكب أخرى
--- خالد العرفي
   كون شاسع هائل، يستحيل تخيل مداه.. ويوما بعد يوم، نتابع الإكتشافات العلمية المثيرة.. تتوالى، وتترى. ومنها الإكتشاف الفلكية المذهلة، لعديد من كواكب، تدور حول نجوم، خارج مجموعتنا الشمسية. وإجابة عن سؤال العلماء والفلاسفة على مرّ العصور: هل نحن وحدنا فى الكون؟! نعاين حقيقة، أنه يوجد إحتمالان لا ثالث لهما، إما نحن وحدنا فى الكون، أم لا.. وكلاهما إحتمال، يجعلك تغرق، وتغرق، فى فكر عميق.. 

دوما الحلم الذى يجمع شعثى، كأنى أسافر فى أشعة شمس دافئة، إلى دور التاريخ، وسكرة أفكار غير مكتوبة، أبحث عنها. تتدافع فى رأسى تفاصيل أضواء مصابيح وقناديل. وما إن تتملكنى، بدفء غريب، أصبح، شهابا مسافرا، بين النجوم والكواكب والأقمار، فى أعماق سموات بلورية. وتنحبس أنفاس توترى، أمام رغبتى المتوقدة فى المعرفة. وهكذا، لا تتركنى، إلا وقد ذبت فى تلك الأضواء المتلألأة، بلون الياقوت والذهب والعنبر،.. مزيجا، بلا إنتهاء، فى أرض غير الأرض، وسماء غير السماء، فانفصل عن كل شئ، باحثا عن المعرفة. بقلبى وروحى، وغارقا بعقلى. لا أستطيع أن أتذكر عدد المرات، التي سافرت فيها فى الكون، غائبا فى فراغ محيطه، دون حدود. عابرا لجسد فان، حيث يمكن ألا يعود. هناك حيث منبع النور للعقل، والدفء للروح. حيث تشعر كيف يمضى الليل، بهزيعه الأخير. وترى كيف تشرق، وتتوارى النجوم. شموس وشموس. تشعر بملمس  الفجر، وحريرة أنسام الأسحار. أستدفئ بعصر الوجود. لا شئ يضاهى هذا الشعور، مطلقا. ولا أستطيع أبدا أن أصفه. يالعجز القلم، حينما لا يتوحد مع الروح، فى رحلة المعرفة. ويا لعدم قدرة الإنسان، فى كون عامرة سمواته وأراضيه، بحياة بثها الله الخالق البديع القادر، على كل شئ.. جلّ شأنه، وتبارك اسمه. يسبح  له السموات السبع، والأرضون السبع، وما بينهما، ومن فيهن. لا ريب أننا لسنا وحدنا فى هذا الكون.
ولا شئ يحدث، إلا إذا تحرك شئ آخر، كما قال ألبرت أينشتين.. وتستمر الإكتشافات، وذلك فى واحدة من أعظم المهام العلمية، والتاريخية الكبرى، فى مسيرة العلم، ليس فقط، لوكالة الفضاء الامريكية NASA التى تقوم بها، إنما للبشرية عامة. إنها رحلة البحث عن كواكب، أو أرضين أخرى صالحة للحياة، فى مجرتنا. وتحديدا، فى قطاع فلكى معين، ومجال رؤية، مداه عدة آلاف من السنين الضوئية، من مجرتنا Milky Way،.. مجرة درب التبانة، كما يسميها العرب. وهى إكتشافات مسبر الفضاء كبلر "NASA's Kepler space telescope" الرائعة، فى تلك المجرة، التى ينتمى إليها نظامنا الشمسى  Solar System .. حيث يعيش الإنسان على كوكب، من كواكب هذا النظام..، الأرض.. ضمن مجرة، تحتوى على نحو، مائتى إلى أربعمائة بليون نجم.. وتصور هذا العدد، من النجوم فى مجرة واحدة واحدة فقط، من مجرات هذا  الكون الشاسع، المتسع. ويقدر عددها فى الكون، بأكثر من خمسين مليار مجرة، بأنواعها المختلفة، سواء كانت مجرات هائلة الحجم، تحوى على مليارات النجوم داخلها، أو مجرات قزمة، تحوى آلاف أو ملايين النجوم، فقط.  فلا يعلم حدود الكون ولا مداه، أو أبعاده، إلا خالقه جل شأنه. وليس بغريب، أن تطلق ناسا على هذه المهمة، العلمية الفريدة، اسم واحد، من أعظم علماء الفلك، وهو عالم الألمانى يوهانز كبلر (Johannes Kepler (1571 – 1630 .. الرجل، الذى إرتبط اسمه باالكواكب، بإكتشاف القوانين الثلاثة الهامة، التى تتعلق بحركتها، حول مركز نجمنا الشمس، وتعميمها على مسارات الكواكب السيارة، ، بما في ذلك كوكب الأرض،.. وهى القوانين التى صارت تعرف باسمه، علميا، Kepler's Laws of Planetary Motion وحلّ السرّ المستغلق حيالها، ممّا غيّر فهم الإنسان للسموات، بل ونظرته للكون، بذلك الفتح الجديد، فى علم الفلك، آنذاك. 
ومن هنا، ندرك، لماذا أطلقت وكالة ناسا، اسم هذا الفلكى الكبير، على هذا المشروع العلمى الفذّ، وهو البحث عن الكواكب Kepler A Search for Habitable Planets فى الفضاء.. فى ظل أن مجرتنا، وحدها، فى تقدير العلماء، يمكن أن تحتوى على ستين بليون كوكب.. وتنحصر المهمة الرئيسية، لتلسكوب الفضاء كبلر التابع لناسا، منذ أن أطلق فى مارس 2009. وهو مرصد فضائى صمم  للبحث والعثور على كواكب شبيهة بالأرض، خارج المجموعة الشمسية، رامية إلى إيجاد حياة في مكان آخر، والإستمرار فى البحث عن عوالم غريبة فى الكون، في المستقبل القريب.. أرضون أخرى، بحجم كوكبنا، ضمن تلك الكواكب الغريبة، التي قد تكون قادرة على دعم الحياة، كما نعرفها.. كواكب خارجية،  تدور حول نجوم بعيدة، بما في ذلك العديد من كواكب، بحجم كوكب الأرض،.. وتقع ضمن المنطقة الصالحة لوجود حياة، بالنسبة إلى نجومها، وبحيث يمكن أن يوجد هناك ماء، في شكل سائل.. الأمر الذى، سيغير حتما، من نظرتنا إلى إمكانية الحياة فى الكون، والفكرة الدائرة حول مدى إنتشارها، مع هذه الإكتشافات العلمية الفلكية، المتعلقة بوجود كواكب أخرى. وهى المسألة، والقضية، التى شغلت العلماء، والفلاسفة، وإمتدت عير العصور، منذ القدم..  
وهكذا معرفتنا، تتقدم إلى الأمام، وتتحرك، مع كل إكتشاف علمى.. وتقوى إمكانية وجود حياة خارج الأرض، كلما سارع الإنسان إلى إستكشاف الكون. والبشرية، بالفعل، على أعتاب معرفة هذا اللغز الكبير، لذا سنعرف في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام تلك التى تشبه الأرض، والتي تسير في مدار يشبه مدارها. وفي غضون عقدين، سيكون لدينا أفكار أكثر وضوحا، عن كيفية بدء الحياة، على كوكب الأرض، وسيصبح هذا مهما جدا للإجابة عن كيف بدأت في مكان آخر، وأين نبحث.. فهذا سيعطينا مفتاح كيف يحتمل، أن تكون نشأت، في مكان آخر، وما هي البيئات الأمثل. مما يجعلنا أكثر تقدما، وأكثر قربا من حل واحد، من أكبر الألغاز الكونية. رغم أن استكشاف معالم للحياة خارج الأرض، يتطلب زمنا، إلا أنه يصعب الإعتقاد بعدم وجود حياة، في مكان ما من الكون الشاسع.. فإذا وسعنا عملية البحث، مستقبلا، عبر مد حدود الإستكشاف في الكون، فسوف نجد شيئا هنالك.. العثور يوما، على شيئ ما، لا نستطيع تفسير طبيعته.. فهنالك شيئا ما، لكننا لم نره بعد، ويصعب علينا فهمه، حاليا.. ربما عوالم حية وذكية، خارج كوكب الأرض، على كواكب قابلة للحياة، وهى تلك التي تكون على مسافة من شمسها، تؤمن لها حرارة معتدلة، وتجعل وجود الماء والحياة على سطحها، ممكنا.. فمنذ مطلع تسعينات القرن الماضى، رصد علماء الفلك أكثر من ألف كوكب، يدور حول شموس غير شمسنا، وتقدر الدراسات العلمية والفلكية الحديثة، وجود مليارات عدة من هذه الكواكب، في الكون.. وبعضها كواكب صخرية، واقعة على مسافات عن شموسها، تجعلها قابلة للحياة، أى أنها ليست قريبة جدا، من شموسها وملتهبة، ولا بعيدة عنها جدا ومتجمدة، بل في مسافة متوسطة، تسمح بوجود المياه السائلة على سطحها، وهو شرط لا بد منه لتشكل الحياة ونموها، وإن كان شرطا غير كاف. 
وقد غيرت بعثة ناسا نظرتنا، إلى إحتمال الحياة في الكون. فقد أظهر تليسكوب كبلر الفضائي، أن ظاهرة شيوع وإنتشار الكواكب، في جميع أنحاء مجرة درب التبانة (الطريق اللبنى).. فما بالنا مع المليارات الأخرى، من المجرات،  ويتفاوت عددها في الكون.. وهو ما يفسر كيف يساعد تلسكوب ناسا الفضائي كبلر - كأداة أساسية للكشف عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي – فى الكشف عن هذه الحقيقة، حيث تكشف الصور الملتقطة، بواسطة مركبة الفضاء كبلر، أنها تسجل أكثر من مائة ألف نجم، في وقت واحد، مسحا ورصدا لمجال معين، بغية الكشف عن كواكب، تدور حول نجوم، خارج نظامنا الشمسي.. وكانت المهمة قد حققت نجاحا باهرا، مما أعتبر من أعظم اكتشافات المرصد حتى الآن. إضافة إلى المزيد، من الاكتشافات، سوف يبقي قائما، لسنوات قادمة، ودخول العلم مرحلة واسعة.  وذلك، من خلال تحليل العلماء لبيانات المركبة الفضائية، لتحديد كواكب أخري.. فمثل هذه الأرض، ليست كوكبا فريدا نادر الوجود.. وإحتمال وجود حياة على كواكب، خارج الأرض، في أماكن لا تنتمي لمجموعتنا الشمسية، وفى أماكن أخرى سواء فى مجرتنا أو المجرات الأخرى، فى الكون الفسيح، هو إحتمال قائم، وكبير. وعلى ذلك، ومع إكتشاف كواكب جديدة، تتنامى وتتسارع، الفرضيات العلمية وراء هذا الإحتمال، وعن أصل هذه الحياة، وشكل هذه الحياة، التى تكون قد ظهرت فى أى مكان آخر في الكون.. وهل هى حياة عاقلة واعية، تتراوح صورها وتتعدد.. وإنتشار هذه الحياة خارج مجموعتنا الشمسية، لا بد أن يكون  بين الكواكب المؤهلة لوجود هذه الحياة، ويرتبط هذا بتوفر وإمكانية وجود الماء فيها..

ولذا، كانت مهمة المرصد الفضائي كبلر ناجحة للغاية، بالاكتشافات العلمية التى أنجزها، خلال مرحلة الملاحظة الأولية، بإكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية،.. أكثر من 2700 من الكواكب الغريبة المحتملة، وبتحقيق الهدف، الذى تم وضعه لها، خلال تلك الفترة.. والكون عبر هذه الإرهاصات، التى تشير إليها الإكتشافات الحديثة، والتأكد من وجود كواكب بالفعل تشبه الأرض، ما زال، نابضا، بشكل مستمر، ولا يمكننا أبدا فهمه، تماما.. فمن المستحيل تصور، طبيعته أو حدوده وحافته، أو الإلمام بشئ من ذلك.. ولكن مع مرور الزمن، ومستقبل العلم، للسعى إلى فهم القوانين، التى تحكم الطبيعة والكون، سوف تخترق المعرفة أعمق أسراره، إلى مدى أبعد، على الشاطئ الآخر، من المجهول، بإستكشاف نسيجه، وبنيته.. والبداية والنهاية.. هذا الكون الهائل،.. ببساطة، حيث ستختلف المعرفة، تمام الإختلاف عن أحكامنا الخاصة، وما لدينا من آراء مسبقة.. حقائق داهمة، بعيدا عن كل خيال للإنسان وتجريداته، في كل شيء.. مما قد لا يكون غير منطقي، بالنسبة لنا، مطلقا.. لئلا يتصور البشر ويظنون، أن الحياة فى الكون، مقصورة عليهم، أو متمحورة حولهم فقط، فى كوكب الأرض، في المحيط الكوني، لهذه المجرة.. وما نحن وحدنا فى هذا الكون.. 
-----------------------------------------------------


دور الخيال
------ 
حينما، أدرك أينشتين النسبية، لم يحركه، إلا شيئا واحدا، لم يفكر فيه إلا هو وحده. حينما، ذكر إذا لم تبد الفكرة، من البداية عبثية، فلا أمل، فى تحقيقها. وهكذا، إكتشف بخياله أولا، نظرية النسبية. والأديب، أولى بذلك الخيال، صنوا للعالم، لتظهر أفكاره، من حيز لآخر، وليؤثر فى قارئه. أحيانا، عليك أن تتحرر من المنطق، ومن تصوراتك المسبقة، لتكون، فى كل نص، بروحك، وكيانك. تنطلق، بسرعة أسرع، من الضوء.. فلا تضيع فكرتك، وأنت ساكن، ثابت على منوال واحد. حرك كل شئ، فى عقلك. إنها حقول قوة، كامنة فى عمقك، أنت. أكتشف بها السفر، فى الزمان، والمكان. إستوعب المكنون، فتستوعب مخيلتك، كل شئ. إنشد ما لا يُرى. هذا هو المقصد، وهذا هو السؤال. أعبر التضاريس الغريبة، خطّ أثرك. احفره، خطوة، إثر أخرى. لتكتشف الحلم، وما لا تعرف. حقق ذاتك. أنا أتعلم كيف أصنعه فى عقلى إلى الآن، وما زلت.. بصوت منحفض، يزداد قوة، شيئا فشيئا، فى أذنى، قبل أن أراه.  وأحاول أن اضعه فى كل نص أكتبه.عبثية الفكرة، أنت، الذى يضع منطقها المستحيل، بسؤال وراء سؤال، وتصورات تضع نفسك، فى داخلها. من غير الممكن، أن تحقق شيئا، وأن تظل هكذا، لو لم يستغرق ذلك الأمر، وإبداعك، من خلجات نفسك، وحنايا روحك. تراه بعينى عقلك، أولا. ثم تدرك حقول القوة هذه، داخلك، بعد ذلك، فتنطلق بك، وتنطلق بها، متحرر فكرك، وممتلكا أنت أفكارك،  ونصك، لغة ومعنى، ومضمونا. فى النهاية التأثير، الذى تلمسه على نفسك، قبل قارئك. حتى العلم، يقرر أنه بدون الخيال، وبدون الإرادة، لا يمكن للإنسان، إلا أن يقع فريسة للواقع، ويستمر فيه، راكنا إلى لا شئ، لا يتحرك. أعجب، لمن تدور أفكارهم، حول نقطة ما دائما، لا يتخطونها أبدا، ولا يحاولون طرق كل ماهو غريب. يدورون، فى فلك واحد ونفس المسار،.. يسلكون ذات المدار. يدورون، ويدورون. كأن، لا هناك أمكنة، ولا أزمنة أخرى، فى الكون. ببساطة، لا مستحيل. هكذا الأمر. وأنا لا أندهش، فى نفسي، لمستحيل فكرة أبدا، طالما يمكننى تخيلها، ثم كتابتها. أضعها أمامى، فى الأفق البعيد، فأرى كل تفاصيلها. تنبئنى أن هذا فى إمكانى. فقط أبدا حلقة الخيال، تحيط بى. وأقيّدها بالعقل، الذى يقوم بدوره، باذلا قصارى جهدى. وتتوالى الحلقات. أقحم نفسي فيها إقحاما، يلتهب بها خيالى، قبل مدادى، فأشحذ فى نفسي، روح مغامرة إكتشاف المجهول، ليكون ممكنا بين يدي، لتنطلق الفكرة فى المداد، هادرة، بصوت أكاد أسمعه، حتى أراها نصا. إن تقدير العلماء لمبادئ العلم، لا تقدم جديدا، دون تلك الروح الوهاجة، للمستحيل، وكسره فى الخيال. فما بالك بالكاتب، أو الأديب دون خياله، أو إلهام له. إن المفارقة، تكمن دائما، فى هذا السبب، والمحرّك الجوهرى والأساسى، الذى يدفع القلم للإبداع، من حلقة، إلى أخرى. فيظن القارئ، أو المتلق، أنه داخل النص فعلا. ويأسره النص تماما. يقع بين براثنه، فريسة للجمال، لا يود أن تنتهى قراءته. وهذا ما يهزّنى، حينما أقرأ. وهذا ما يعلقنى بكاتب أو أديب، ما. من هنا، إقنع نفسى دائما، أن كل شئ ممكنا. لا أعطى تنبؤات مسبقة، لدائرة الخيال الواسعة فى الكتابة، وبيدي أن أتأمل، بين الفكرة والمعنى واللفظ. إنطلق فحسب. ثق أن قدراتك أعلى مما تتوقعه، فى نفسك. لا مستحيلات دوما. وإن ندرت. وما أكثر الممكن حولك، وهو متوفر، ولكن بلا معنى. الفكر الخلاق دائما، يكون على حافة المستحيل، وما لا تظنه أبدا. وكذلك الإبداع الرائع ينقلك، من عالم إلى آخر. من زمن إلى زمن.. ومن معنى إلى معان، لا يمكن تصورها. وإن إفتقدت روح الخيال، وعبثية الأفكار، فلا تنتظر شئ، من نفسك. هذا شئ، أشبه بالسفر عبر فضاء فائق متعدد، أو ما يسمى فى الخيال العلمى، عبر الثقوب. أن تخترق الماضى، والمستقبل، فى لحظة الحاضر. هنا أتذكر مرة ثانية، حلم أينشتين الكبير "نظرية لكل شئ" أو ما يُصطلح عليه "النظرية النهائية". التى تفسر كل شئ. لكنها ها هنا، فى مضمار الكتابة والأدب، أنت صاحبها، تضعها لنفسك، لتكون، أو لا تكون. بدون الخيال، حول ماهو ممكن، وما هو مستحيل، والحدود بينهما، التى ننتقل فيها وعبرها، فإننا لا نصنع شيئا. لا تظن أن الموهبة بعيدة عن العلم، يمكنك أن تنال مثلا، وتستفيد من قوانين آرثر كلارك الثلاثة. هذا شئ، قد يجعل البعض، يبتسم، ولها، لو كان يعلمها من قبل. يتسائل ما العلاقة بين العلم والأدب. ببساطة إنه الخيال. يقرر كلارك أن إذا كان شئ ما ممكن، فهذا بالتأكيد حق، وأن الطريقة الوحيدة لإكتشاف حدود الممكن، هى المغامرة فى الذهاب، أبعد منها إلى المستحيل. وأخيرا، إن أى تقانة متطورة جدا، لا يمكن تمييزها، عن السحر. ألا تتفق معى، أن الأدب البديع كذلك. أنت تقرأ نصا ما، أيا كان نوعه، قد يٌسحرك. يشدهك. يسلمك لتأويلات وتفسيرات، لا تستطيع، أن تضع له حدا، واحدا. هذا هو السحر بعينه. وهو البيان. وصنعة الأديب، الحاذق بها. وكما قيل، إن من البيان لسحرا. فكم هو رائع، أن تصادف معضلة، الآن، فتحقق بعض الأمل، فى تحقيق تقدم، إلى الأمام، من تفكيرك بها. فقط أولئك الذين يفكرون، ويجربون، يحصلون على المستحيل. شئ كالتخاطر تماما، لكن مع الأفكار، وحدها. تتمثلها أمامك، وتُجسدها. أو إن شئت، قل النقل الفورى، لذاتك، من مكان الى آخر، فى زمن آخر، لا يحدّه شئ. أو الإستبصار، للمجهول. يقول جون ويلر إذا لم أرّ شيئا غريبا، خلال اليوم فانه ليس يوما جيدا. وشكسبير نفسه له رأى أن من مميزات الإنسان غير العادى، أنه يتفوه بحقائق، لا يتفوه بها، أى شخص آخر. أنت ترى، أى إنسان، له ميزة تفرد عن الآخرين. فقط، عليه أن يكتشفها ويستنهضها فى ذاته. وهذا ما يجعلنا نشمئز من حماقات، عدم العبثية فى تفكيرنا، التى إن لم تخالج أنفسنا.. مما قد يمنح الخيال، فلن نبدع. أنت غير مطالب، أن تكون شكسبير أو غيره. لكن لا تركن إلى دعة الفكر. فقط إنتقل فى حقول قوة خيالك، لترى ملحمة العجب، وترى نفسك والكون، وكل شئ، بعين عقلك. لا تخف الفكرة. لا تخشَ التجريب. حاول، مرة بعد مرة. هذا فقط، إن لم ترَ الأمر مستحيلا، فى نفسك، من الأساس. فإن لم تره، فكيف يراه القارئ لنصك. وهى الثقة، فى أنك لن تفنى، فى الخيال، أو فى أكوان متوازية مجاورة، إلى الأبد، فلا تعثر على ذاتك، مرة ثانية. أمور غريبة أليست كذلك. لا ليس الأمر، كما يبدو، عليه. أنظر لمقولة إتش ويلز الشهيرة (قال أحدهم: السفر عير الزمان ضد المنطق. قال المسافر عبر الزمان: أى منطق؟) وإرجع لأول المقالة، لتتبين الأمر. قبل أن أختمها بقول كاتب من رواد الخيال العلمى أحب إبداعه، وهو الأديب الروسي "إسحق أسيموف" (أكثر العبارات إثارة، والتى تشير إلى إكتشافات علمية جديدة عظيمة، ليست "وجدتها". ولكن " هذا غريب". كذلك فى الأدب، ومع عظام الأدباء، حين يشدنا غريبهم، ونتأثر به، دوما، ولكل نكهته، وسمته. وهو أكثر إثارة، بالطبع مع الخيال، ومرده إليه، فى الحقيقة..
------------------------------------------------------
الخيال العلمى
-------
 وظيفة الخيال العلمى، هي النظر إلى الحاضر المجهول، والمستقبل القريب والبعيد، من أجل توسيع الإدراك الحالي . والخيال العلمي هو الانتقال في آفاق الزمن، ومنطلق كاتبه عندما يستند فى كتابته، إلى الحقائق العلمية، في سرده، التي توصّل إليها العلماء. الأمر الذى يمكنه من إستشراف المستقبل، مستندا الى هذه الحقائق العلمية. الأمر كذلك، الذى يمكّن الإنسان من الفهم الدقيق لعالم المادة ولتفاعلاتها، وللحياة وتشعباتها، للإنسان وتناقضاته. ويُعد أدب الخيال العلمى، من أهم الأجناس الأنواع الأدبية. وتنبع تلك الأهمية من كونه دافعا وحافزا للإبداع فى التفكير، وبكونه بلا حدود تعوقه أو تحد منه. ولأن تنمية هذا الخيال لدى تلك الفئة ضرورة لتنمية التفكير العلمى، الذى يظهر الإبداع لديهم والكشف المبكر عن المتميزين والمبدعين. بل ومدخل ضرورى أكيد وهام لإعدادهم. وبدون الخيال العلمى لا يمكن للإنسان أن يتقدم ويتطور بحياته إلى الأمام، لأنه الضوء الذى ينير طريق البحث والإكتشاف نحو الآفاق الكبرى. وأدب الخيال العلمى يجعل البشرية أكثر إستعدادا لإستيعاب تطورات العلم الحديث وتحققها على أرض الواقع. وتلك الأهمية هى ما جعلت أينشتين يقرر أن الخيال أهم من العلم نفسه بإعتباره الموجه والحافز نحو الإكتشاف والإبتكار العلمى والأفكار، التى تنبع من الخيال خارج حدود الممكن والمعقول.  ويذكر في هذا الشأن أن الخيال العلمي ليست له حدود، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم، ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا   جديدا. والعلم، هو لغة العصر، والدور الحضاري لأية أمة من الأمم لا يكون إلا بالعلم وإبداعاته في مختلف جوانب الحياة.  وقد اخترق العلم حجباً كثيرة وحول الأعاجيب إلى مجرد أمور اعتيادية وحقق تقريبًا كل ما تنبأ به الخيال العلمي وذلك لأن العلم يبدأ من النقطة التي يقف عندها العلم، ممهدًا الطريق للمستقبل . وتعتبر أية إضافة في العلم أو الخيال العلمي لبنة جديدة في صرح المعرفة لان الخيال العلمي هو من مفردات العلم باعتباره المحفز الأول لمخيلة المبدع .
وقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الخيال العلمي كبوابة للإبداع والإبتكار حيث وضعت بعض المقررات في مناهج التعليم لديها قائمة على استثارة الخيال العلمي لدى الأطفال بل ووضعت بعض المقررات في الجامعات مثل مقرر "أدب الخيال العلمي" ضمن المناهج التدريسية. وأصبحت دراسة الخيال العلمي جزء لا يتجزأ من خطط وإستراتيجيات المستقبل .ومن هنا بدأ إستخدام الخيال العلمي على نطاق واسع في الدول المتقدمة، من زوايا عديدة وبطريقة خيالية مستندة إلى العلم والتكنولوجيا. وتزداد مصداقته باستخدام مجازات وإستعارات مستقاة من واقع العلم والتكنولوجيا، بنقل الحقيقة العلمية بأمانة وصدق وبنظرة مستقبلية.
ولقد إتسع إنتشار الخيال العلمي Science Fiction في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة لإعداد علماء للمستقبل، فقد تكون قصص الخيال العلمي بديلا حقيقيا لإدخال العلم بقوالب جامدة، مما قد يؤدي إلى عدم الإنصراف عن العلم أو عدم الإهتمام به. ولذلك تحتل قصص الخيال العلمي مكانة مرموقة في المجتمع المتقدم الحديث.. كما يحظى هذا النوع الأدبي، بإهتمام العلماء كما يحظى بإهتمام الأدباء وعلماء النفس، وغيرهم . ويمثل أدب الخيال العلمي صورة مقروءة للأفكار، وخريطة بديلة للمعرفة، وجسر منهجي إلى علوم المستقبل، فى الوقت الذى تتسع فيه أنماط العلم المعروفة، وتتداخل فيه أفرع المعرفة العديدة.. مما يمكن من دعم التفكير الخلاق الإبداعى الشامل. ويمكن أن يؤدي تحرير الخيال إلى وضع الفرضيّات العلمية، وتعديل مسالك التأمل والملاحظة، والتخلص من التبعة للأفكار السائدة. كما يحرض الإرادة البشرية على إرتياد المجهول والتدريب على تذوق لذّة الكشف العلمي. ويسهم في ترسيخ الثقافة العلمية. ومن ثم يشجعهم على مزيد من الإهتمام بالقراءة، وكوسيلة تعليمية حديثة تضمن توجيه الرغبة، في التعامل مع الحياة، والتعبير عن الآراء والتصورات بأسلوب علمي.  وبصفة خاصة تساعد الدراسة العلمية، علي بناء الشخصية، ومما يمكن أن يكون عاملاً فعالا، في التغيير والتجديد . وذلك بالإهتمام بالمعرفة المعاصرة وإمتدادها إلى المستقبل، وأثرها على السلوك الإنساني .
ويتعامل الخيال العلمى، مع المادة والزمان والمكان والكون والفضاء، وكثير من الأمور، بصورة خلاقة بالترجمة بين الطرق المختلفة، لرؤية العالم فى ظل آلاف الحقائق العلمية المتجمعة، لبناء صورة تتنبأ بمستقبل الجنس البشري، ومجتمع الغد ومدنيته. وذلك بمعالجة الحقائق العلمية، ودعم الثقافة العلمية المنوط بها إستعاب التغييرات التي يمكن التنبؤ بها فى تلك البيئة. وبمحاولة تصور المستقبل الممكن والتطور العلمى وراء الأفق وخلق تصورات جديدة لما هو معروف فعلاً . وفي ضوء الخيال العلمي الذى يخترق حدود الزمان والمكان، يستطيع الإنسان بالخيال، أن يطوف أرجاء الكون بالتزود بكثير من الحقائق، والمكتسبات العلمية الحديثة، مما يمنحه القدرة على عبور آفاق الزمن بطموحاته ونبؤاته وأفكاره لطرق أبواب المستقبل. ومن هنا يرسم المستقبل بما يمكن أن يكون وكيف يمكن أن يحياه لإرتباطه بشكل مباشر بنوعية الحياة المستقبلية نتيجة للتقدم العلمى والتكنولوجى المتسارع. خاصة وأن مستقبل العلم والتكنولوجيا قد يصل إلى أقصى تقدم تتصوره البشرية . بالإضافة إلى أن الحدود الفاصلة بين هذا الخيال والعلم، توشك أن تتلاشى، بعد أن تحققت كثير من التنبؤات، وتحولت إلى واقع مشاهد وملموس من التقنيات العلمية التى تحيط بنا. ولأن العلم يستثمر أفكار الخيال العلمى مما يمكن أن يتحول إلى إبتكارات وإكتشافات جديدة. وسوف يظل الخيال العلمى دافعا يحث العلماء على تقديم المزيد من الإنجازات فى مستقبل القرن الواحد العشرين، فى هذا المجهول الكونى، الذى يحيط بالإنسان. وحيث يمكن إكتشاف الكثير من المفاجأت العلمية المثيرة بعد رسوخ المفاهيم والحقائق العلمية، التى تتصل بعدة علوم، يُبنى عليها المعارف التى تتنبأ بما يمكن عليه الحال، فى نهاية هذا القرن الواحد. كما أنها تثير روح الفضول العلمى .ومن هنا تظهر قيمة وأهمية الخيال العلمي، في إعداد وتنشئة العلماء والمبدعين وبأهميته القصوى، في إحداث التغيير والتطوير مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة والثقافة العلمية. الأمر الذى يمكن من المساهمة في العمل علي إعداد جيل من العلماء لمستقبل لن يكون فيه موضع قدم إلا لأصحاب البحث والإبتكار والإبداع في ظل التحديات التكنولوجية والتقنية الهائلة.
إكتشاف البوزون الغامض المراوغ

---- خالد العرفي
على قدر أفكار وأعمال العلماء تتحقق أحلامهم.. وإنجاز الوكالة الأوروبية "سيرن" يفجّر سيلا من التساؤلات العلمية..
منذ ما يقرب القرن، يعتقد علماء الفيزياء أن المادة التي نعرف صورتها في الكون على هيئة مجرات ونجوم وكواكب وسدم وأجرام وغبار سماوى لا تمثل كل المادة الموجودة، بل ما نراه لا يمثل سوى 4 % فقط من مادة الكون الكلية، أما 96 % المتبقية فهي غير مرئية أو إن شئت قل(معتمة).. أو ما يطلق عليه إصطلاحا علميا المادة المظلمة للكون.. ولا أحد من العلماء يعرف طبيعة هذه المادة المعتمة المظلمة.. ومايزال العلماء يبحثون منذ عقود طويلة للعثور عن تفسير سبب ذلك. وفي نهاية تسعينات القرن المنصرم أكدت أرصاد العلماء الفلكية أن الكون يتمدد ويسير في توسع دائم وثابت تحت تأثير طاقة مجهولة الهوية تمثل 70% من كثافة الطاقة الكلية للكون.. بينما كان العلماء على إعتقاد أن هناك ثمة شيئا مجهولا لم يُكتشف بعد.. جزءا فيما يسمى بالبازل الكوني .. وأن باكتشافه يمكن تفسير كل التساؤلات التي تشغل العلماء، وهذا ما تم بعد خمسين سنة من طرح هيغز لنظرية البوزون عام 1964. فالأمر الأكيد أن  إقتراح آليّة هيغز تم بأن هناك ثمة جسيم أولي يعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها حينما تنبأ الفيزيائي الاسكتلندني بيتر هيغز بوجوده في إطار النموذج الفيزيائي القياسي الذي يفترض أن القوى الأساسية قد انفصلت عند الإنفجار العظيم ، وكانت قوة الجاذبية هي أول ما انفصل ثم تبعتها بقية القوى.
وكان لإكتشاف مختبر "سيرن CERN " بمركز البحوث والدّراسات النوويّة، بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية حيث مختبر  فيزياء الجسيمات مترام الأطراف في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة قرب جنيف.. والذي يعتبر أكبر مجمع للأبحاث العلمية في العالم وأكثرها تكلفة.. على عمق مئة متر تحت الأرض وتشارك فيه إحدى وعشرون دولة.. الإعلان عن أحدث اكتشافاتهم وهو الوجود الفعلي لما يطلق عليه"جسيم أو بوزون هيغز Higgs Boson " .. كما يعرف نظريا. وهو جسيم افتراضي مساعد لتماسك مكونات المادة إذ ذكرعالم الفيزياء الإسكتلندي «بيتر هيغز» قبل ثلاثة عقود من الزمن أنه يساعد على إلتحام المكونات الأولية للمادة ويعطيها تماسكها وكتلتها. وهو الذي طالما حلم العلماء برؤيته لكثرة ما كانوا مؤمنين بوجوده المفترض، هو الإكتشاف الذى اعتبر معادلا في أهميته لاكتشاف الحمض النووي (دي إن إيه)... في رحلة البحث عن المجهول، عن الجُسَيم الأسطوريّ الّذي يفسّر أصل كتلة الكواركات واللبتونات في نظريّة النموذج العياريّ وبصفة أدّق كتلة الجُسَيمات الناقلة للقوى، وللتوصل إلى إكتشافات تفسر لنا ألغاز وغوائب الكون.. الغريب أن هذا الجسيم الأولي الإفتراضي ثقيل، بدرجة أن كتلته تزيد نحو مائتى مرة على كتلة البروتون، فهو أثقل بوزون إكتُشف في مسرّع للجُسَيمات ويشاهد آثار وجوده داخل المكشافَيْن العملاقين بالمصادم الكبير للهدرونات. ويُعتقد طبقا لهذه النظرية أن البوزون بأنه المسؤول عن طريق ما ينتجه من مجال هيجز عن حصول الجسيمات الأولية كتلتها، مثل الإلكترون والبروتون والنيوترون وغيرها . وتحديدا كانت هناك إشارات سلفا قد رصدت الوجود العملى لهذا الجسيم أو البوزون فيما يعرف بمصادم الهادرونات الكبير LHC  الذى تم تشيده فى  فترة مضت بين عامي 1998-2007 حيث تصل فيه سرعة البروتونات إلى سرعة الضوء تقريبا.. ويعتبر مصادم الهدرونات الكبير هو أقوى مسرِّع للجسيمات في العالم.وهو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والأجهزة الإلكترونية المعقدة والحاسبات وتكلف إنشاؤه عشرة مليارات دولار.. ويصل عمره الإفتراضي إلى عشرين عاما. حيث يتم في هذا المصادم دراسة وتحليل نتائج التجارب التى أجريت بالمختبر لتحديد هويّة البوزون، بطريقة أكثر وضوحا، فى ظروف تماثل على مستوى مصغر، للحظة الزمنية للانفجار العظيم وبعدها، والتي يُعتقد أن بوزونات هيغز تكونت عندها. وهى أضخم تجربة علمية في العالم باستخدام مصادم الهدرونات  تحاول محاكاة الانفجار الكبير، العملية التي يعتقد العلماء أنها أدت إلى خلق الكون.. تجربة قامت على إحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في إتجاهين متقابلين في مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه سبعة وعشرين كيلومترا في مصادم الهدرونات الكبير.. وبكم طاقة يصل الى ثلاثة ونصف تريليون إلكترون فولت في الإتجاه الواحد لمحاكاة الظروف التي أعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون منذ حوالى أربعة عشرة مليار عام. وبغية العثور على ذلك الجسيم بفضل الطاقة الهائلة المحررة في المصادم ومن جراء عملية التصادم أمل الفيزيائيون إظهار هذا البوزون الغامض المراوغ وطبيعته ورصده عمليا والعمل على محاصرته. وكان العالم الفيزيائى "بيتر هيغز Peter Higgs " قد تنبأ عام 1964 بوجوده في إطار النموذج الفيزيائي القياسي الذي يفترض أن القوى الأساسية انفصلت عند الانفجار العظيم The Big Bang .. فقوة الجاذبية هي أول ما انفصل ثم تبعتها بقية القوى.. بينما كانت كتلة بعض الجسيمات صفرا مثل الفوتونات..، أما بقية الجسيمات الأولية مثل (الإلكترونات والكواركات) فكان لها كتلة . ووفقا لهذه النظرية يُعتقد أن البوزون هو المسؤول عن اكتساب الجسيمات الأولية لكتلتها من خلال ما يعرف بمجال "هيغز" الذي ظهر بعد الانفجار العظيم حيث تشكلت الذرات ثم الجزيئات ثم المادة برمتها كما نعرفها اليوم واقترح بيتر هيغز فكرة تقول أن الفراغ الكونى ـ الذي هو ليس فارغ حقا ـ غارق في حقل أو مجال موجود في كل مكان وتوقع أن العلماء سوف يتوصلون آجلا أم عاجلا لاكتشاف هذه البوزونات.. فهيغز هو المكون الأخير والحاسم من النموذج القياسي لسير عمل الكون في الجسيمات.. ببساطة إثبات وجود جسيم أو بوزون هيغز يعني أن كل آلية إكتساب الجسيمات لكتلتها التى بيّنها العلماء أصبحت صحيحة، فمن المحتمل أن يكون بوزون هيغز هو الذي يعتقد أنه السبب في تفسير كتلة الجسيمات الأولية.  
ويرى خبراء الفيزياء وعلماؤها أن نتائج البحث عن بوزون هيغز في غاية الأهمية لإستكشاف خلق الكون، لأن هذا الجسيم الأولي يُظن أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها..والجسيمات التي يعتقد أنها السبب الرئيسي والأنقاض، التي تشكلت بعد الإنفجار الكبير والتى تحولت إلى النجوم والكواكب فهذا الجسيم هو المكون الأخير والحاسم من النموذج القياسي لسير عمل الكون في الجسيمات.
 وعلى هذا يعتبر إكتشاف هذا الجسيم الذى ثبت أخيرا وجوده من أعظم الاكتشافات العلمية فى التاريخ، فى مفترق طرق مرحلة جديدة لمشاهدة هذا الجُسَيم الجديد حتى يتبين الطريق الذي يجب على العلماء تتبعه في المستقبل لفهم ما يشاهدونه  من معطيات نحو فهم الطبيعة أمام جهل الإنسان وهم يعتقدون الآن أنهم أقرب إلى هذا الهدف.. مما يفتح الآفاق لدراسات معمّقة لرفع النّقاب عن أسرار أخرى للعالم فى هذا الكون الذى لم يخلق بمحض الصدفة.  فى الوقت الذى برز فيه التساؤل عما إذا كان سوف يستغل هذا الجسيم الغريب يوما ما في تصميم أسلحة جديدة للتدمير الشامل، أم على العكس سوف يجلب للبشرية معرفة معمقة تساعد على إنقاذ العالم من مشكلاتها ومآسيها؟.. ولا شك أن الأبحاث الخاصة بفيزياء الجسيمات لن تتوقف عند بوزون هيغز، فثمة مسائل أخرى لا تزال عالقة كمسألة عدم التناسق أو التناظر بين المادة والمادة المضادة، فضلا عن أن العلماء يبحثون عن جسيمات أخرى مثل الجرافيتون المسؤول عن الجاذبية ويعتبر وجوده حتى الآن افتراضيا مثلما كان بوزون هيغز. وإيجاد هذا الجسيم لا يقل أهمية عن بوزون هيغز، بل يمكن أن يكون أكثر أهمية وإثارة لأنه سيساهم في التأكيد على نظرية الجاذبية الكمومية وخطوة نحو توحيد القوى الأربع الأساسية في الكون وهو حلم يتطلع علماء الفيزياء الفلكية إلى بلوغه لعلهم يعرفون ما حدث لحظة الانفجار العظيم. وهذا يعني أن النموذج الفيزيائي القياسي الحالى لا يمثل النظرية النهائية بل لا يفسر إلا الجزء المرئي البسيط من الكون فى ظل وجوب العودة قليلا للغوص في عالم جسيمات آينشتين Einstein والعالم الكوانتي أو الكمومي بغية إدراك حقيقة وأهمية مثل هذا البوزون. . وربما هذا هو السبب المباشر نحو السعى لنظرية علمية تفسر كل شئ Theory of Everything وهذا موضوع آخر بعيدا عن عالم ما زال ينظر تحت قدميه، لا يتخطى موضعها.. فكوكب الأرض وما يحدث فيها وعليها ببحارها وفيافيها ومحيطاتها وجبالها وأوديتها وسهولها وأناسيها ومخلوقاتها ودوابها.. كل ذلك فى ميزان الكون العظيم وخلق الله لاشئ.. فسبحان الذى أحاط بكل شئ علما.. يخلق ما لا نعلم .. القادر على كل شئ.. أقسم بما نبصر وما لانبصر وبمواقع النجوم.. سبحان الخلاق البديع.. فاطر السموات والأرض وما بينهما.. وسع كل شئ علما..
------------------------------------------------------