سرماديا

سرماديا

مقالات من كتاب الحياة والكون **



مقالات

من كتاب

 (الحياة والكون)
مقالات علمية 1 - 2
الحقيقة الفريدة
--- خالد العرفى



ما أروع الحديث وإثارته، عن كبرى الحقائق الكونية. حقيقة وجود كواكب أخرى شبيهة بالأرض، خارج المجموعة الشمسية، أو أرضنا، هى التى تشبهها. منها ما يسبق كوكبنا وجودا، وأكبر عمرا، والعكس. الحقائق، دائما، تنبئ عن نفسها، بين التفاصيل الغريبة، وسماتها. وفى الواقع، فمع حقيقة غامضة، مثل هذه الحقيقة الفريدة، فإن التفاصيل الصغيرة الكثيرة، المتناثرة هنا وهناك، ستشى بالكثير من الوضوح مع تأملها. وليس من الصعب الإستدلال على سمات ونتائج أخرى. وهناك أمر آخر محيّر، وهو ما يمكن أن يحدث فى الغد القريب أو البعيد، مع تراكم معارفنا عن هذه الكواكب، ومع التقدم العلمى وغزو الفضاء، لا يمكن إستبعاد أن نكون نحن هناك، فى يوم ما.. أو يكونوا هم هنا. نحن وتلك المخلوقات المحتمل وجودها، فى الكون. وما لم يكن واضحا تماما، ربما يظهر، فى المستقبل، فى يوم ما. رؤية واضحة مكتملة، عن هذه المسألة المحيرة للبشرية، منذ آلاف السنين. ويبقى الدافع لنا ولهم فى التلاقى، فى رحابة كون شاسع رحيب. نحن وأحياء آخرون، فى وجود، لم تصبح فيه أرضنا كوكبا مسكونا.. وحيدا ونادرا. ربما كذلك، وجود الحياة نفسها، على نحو ندركه ونعرفه عنها، يقينا. 
والأمر لم يصبح الأمر مجرد حديثا أو احتمالا أو فرضية علمية، يمكن إثباتها أو نفيها. بل حقيقة مؤكدة، ويقينا. إكتشاف من إكتشافات مسبر أو مرصد الفضاء كبلر NASA's Kepler space telescope. إكتشافات تزايدت، منذ إطلاقه، إلى الفضاء عام 2009، للبحث والعثور على كواكب صخرية، تشبه الأرض. كواكب تكون صالحة للحياة -  Kepler A Search for Habitable Planets. تدور حول نجوم مجرتنا أو شموس فى مجرات آخرى. بحثا، عن عوالم حياة، موجودة، خارج الأرض، في مكان آخر. فى رحلة علمية، فذة، ليس لصالح وكالة الفضاء الامريكية - NASA - إنما للبشرية والعلم. هذا الإكتشاف المثير المذهل، فى مجرتنا، حلم العصور، هو خطوة أولى، فى أن نجيب عن هذا السؤال الضخم:
- "هل نحن وحدنا فى كون، يستحيل تخيل أطرافه، أو مداها الشاسع.. هل توجد حياة أخرى؟
وظاهرة شيوع وإنتشار الكواكب، في جميع أنحاء مجرة درب التبانة- أصبحت بالفعل، حقيقة علمية مؤكدة. فما بالنا ومليارات المجرات،  التى لا يعرف عددها، في الكون. وسبعة مليارات، من البشر يعيشون، على سطح هذا الكوكب، قليل فقط، من تابع هذا الخبر المثير الفريد. أخيرا أكد العلماء إكتشافهم، لكواكب بعيدة شبيهة بالأرض، فى الكون. لها من الظروف الفيزيائية والحيوية، ما يمكن للإنسان العيش فيها. وقد تكون بها حياة طبيعية، مثل الحياة الموجودة في كوكبنا، أو حتى نوع ما، من حيوات، لا ندركها.  كواكب مأهولة، حسب نتائج البحث التي أجراها العلماء، أن هناك كواكب صالحة، للحياة الطبيعية. وحقيقة إكتشاف، لكوكب، يحتوي على حياة، يعني ببساطة، أن هناك كواكب أخرى موجودة، بكثرة في الكون. وهو خبر فريد، من نوعه. ولعله، أول خبر فى تاريخ البشرية، وتاريخ العلم. ولا يمر الوقت، إلا وأنا دائم التفكير فيه، أحقق. أتحرى. أدقق.. كيف ومتى؟
كيف يصبح الخيال واقعا؟
كيف تحقق حلم العلماء والفلاسفة والمفكرين؟
كيف تحقق أمل أدباء الخيال العلمى؟
العثور على كوكب شبيه، بكوكب الأرض، حلم آلاف السنين. لا يمكن أن يكون كل هؤلاء، على ضرب الخيال. أن يعتقدوا فى حقيقة، لم يروها. يؤمنوا بها.  لا أدرى إلا شيئا واحدا، أننى فعلا إعتقدت، فى هذا يقينا. حاولت أن أجمع الأدلة والبراهين والحجج، فى أكثر من كتاب. كتب صدرت بالفعل، قبل أن يتطور تفكيرى، فى هذا الأمر. أحاول متابعة، آخر ما وصلت إليه الإكتشافات العلمية الفلكية. أقرأ فى تحقيقات علماء الفلك والكونيات، للبحث والتأكد. بات الأمر يقينا، ليس إحتمالا، أو فرضا. على الأقل لنفسي. لا، لأكتب عن هذا الأمر. وربما كتاب جديد، عن الحياة والكون. في الواقع، لم أصدق يوما، إلا هذه الحقيقة الفريدة. نعم يوجد كواكب أخرى، فى الكون. بلى، فى كثير منها، حياة. لم أفكر مطلقا، فى إحتمالات غير ذلك. كيف تكون تلك النقطة الزرقاء الباهتة، فى السماء،  كما سمّاها "كارل ساجان" هى الكوكب الوحيد المعمور، في الأرجاء المترامية للكون العظيم. وسوف أكون خياليا، لو لم أفكر، من قبل كيف ستكون نوعية وتيرة الحياة ونمطها، فى أحد هذه الكواكب البعيدة. سواء فى مجرتنا أو فى مجرات أخرى، فى الفضاء. لكن، لا يمكنني أن أتكهن تفاصيل هذا الأمر..
أين هى هذه الكواكب؟
أين توجد؟
أين تختفى فى هدأة الفضاء السحيق؟
ما المسافة التى تفصلنا عنها؟
كيف ستكون الحياة؟
ما هى أشكال مخلوقاتها.. حية أو مندثرة؟
هل وصلت إلينا فى يوم ما، من أيام تاريخ الأرض؟
هل سنصل نحن إليها؟
عشرات الأسئلة التى تثير المتعة والإثارة والتشويق، بين الخيال والحقيقة. لكننى لم أفكر بهذه الطريقة، بشأن هذا الأمر، أن سيكون قريبا جدا، وليس فى المستقبل البعيد. حملت السنون معها أروع خبر، إنتظره آلاف البشر، على مرّ العصور، ممن إهتموا بهذه المسألة..
كيف سنقطع كل هذه المسافة الضوئية، لنصل إلى هذا الكوكب الفريد؟
كم يلزم من زمن وتكنولوجيا فضائية وطاقة، للتغلب على مشكلتى المسافة والزمن؟
مسافات تقدر بعشرات السنين الضوئية. ومنها ما يقدر، بما يزيد عن الآلاف. كيف سنعبر؟!
كيف سنجتاز كل هذه المسافات الهائلة، بالسنوات الضوئية. علينا، أن نسافرها، فى الفضاء والزمن، لنرى هذا الكوكب، رأى العين. كوكب، من نفس سلالة ونوع كوكبنا. سبق الأرض وجودا وعمرا، وربما فيه حياة أخرى. ربما. ربما..

وإن لم ندرك، لماذا توجد كواكب أخرى فى الكون، فهذه الحقيقة تتجاوز قدرتنا، على الفهم الكامل العميق. ولا يوجد شئ صدفة أو عبثا، فى هذا الوجود. وهذا العدد الكبير من الكواكب، التى تم إكتشافها يستوقف المرء، ويجعله يتأمل الغاية، من وجود تلك الأجرام البعيدة.. وهو نوع من التحدى للخيال البشرى، قبل ذلك.. أتوجد كواكب، أم لا..؟ والآن هو تحدى للفكر..
لماذا توجد..؟ 
وكيف سيصل إليها الإنسان..؟ 
وهل عليها حياة أم لا..؟
وإذا وجدت حياة، فما أشكالها وأنواع مخلوقاتها..؟
سلسلة من التساؤلات، لا تنتهى حقا. يعجز العقل أمامها ويقصر عن الفهم، إلا بشئ، من التروى والتأمل. ومن هنا، لابد من قواعد حاكمة للتفكير فى هذا الأمر، لتحرّى الدقة، فى هذه الإجابات المحيّرة. ومن هذا، أن ظاهرة وجود الكواكب، باتت حقيقة علمية مؤكدة. وأن من هذه الكواكب أيضا، ما يشبه الأرض، ويكاد يماثله، من نواح كثيرة عديدة. فإذا كانت إشتراطات وجود الحياة وظروفها موجودة، على هذا النحو، من حيث تشابه هذه الكواكب، مع كوكبنا، فلا يمنع شئ من تخيّل وجود الحياة، عليها. كما أن أصل الحياة واحد، فى الكون، وكل شئ حىّ، من الماء. وتعريف الحياة نفسه، حاكم بذلك التفكير، ويوجه لهذا الرأى..

وفي نهاية المطاف، على البشرية أن تركز اهتمامها، على هذه الحقيقة التى لم يسبق لها مثيل واحد حتى الآن،.. فالكون كبير جدا ليس لنا بمفردنا فقط، فى هذا الفضاء. ولا يعطيك ما تتسائل عنه مع أفكارك، إلا الزمن. وهى حقيقة عجيبة، من أسرار الكون الآخذ في الاتساع. فالافتراض مستحيل أن نكون وحدنا فى الكون. أرضا واحدة. أو كوكبا واحدا، صالح للحياة. فالأرض، لا تزال ليست أكثر من بقعة صغيرة، في وسط محيط أسود هائل. إفتراض لا يعتمد على كل الحقائق، مع ضخامة الكون. وهذا يعني، أن الكون لا يمكن أن يكون دون معنى، أو يتصف بالعشوائية، أو لغير سبب، في الوجود. نحن نعلم أننا نقترب، من أعظم الأسرار الكونية. أن ندرك معنى الحياة، كوسيلة نفهم بها الكون نفسه. والفكرة لا تنافي العقل الانسانى، أو نوع من الخيال الجامح. ولآرثر سي كلارك، مقولته فى ذلك:
- "أنا متأكد من أن الكون مليء بالحياة الذكية.." 
فما نتصوره، ليس فقط هو غريب الكون. إنما الغريب، ما لا يمكننا تخيله، أو تصوره. ومن القواعد الصارمة للغاية، فى الحياة. قل إن شئت القاعدة رقم واحد، إنه لا شيء يدوم إلى الأبد. لا أنا. ولا أنت. ولا ما نراه. وهكذا جهلنا بالكون، لن يستمر. والحقيقة لا تموت، وإن إختفت. حكم مطلق، أن تظهر فى لحظة ما. فلن تظل مختفية، إلى الأبد، وإلى ما لا نهاية. فلماذا لا تكون الأمور  سهلة الفهم دائما ؟
إن نظرية المعرفة والتفكير حيال هذا اللغز، يقدمان فهما أكثر وإدراكا أوسع لحقائق الكون. وهذا ليس كل شيء. فهناك جانب آخر، أن جمال الكون فى الطريقة، التي نراها به. أن نرى ما فيه، من تفاصيل معا. نرى ما هو عليه. وكل ما علينا حقا، أن نعرف، أن الكون أكثر تعقيدا مما كنا نعتقد، حتى لو كنا على يقين من جمال الكون وروعته، في المقام الأول.. 






 
عصر الإكتشافات
كواكب أخرى
--- خالد العرفي
   كون شاسع هائل، يستحيل تخيل مداه. ويوما بعد يوم، نتابع الإكتشافات العلمية المثيرة.. تتوالى، وتترى. ومنها الإكتشاف الفلكية المذهلة، لعديد من كواكب، تدور حول نجوم، خارج مجموعتنا الشمسية. وإجابة عن سؤال العلماء والفلاسفة على مرّ العصور: 
- هل نحن وحدنا فى الكون؟! 
نعاين حقيقة، أنه يوجد إحتمالان لا ثالث لهما، إما نحن وحدنا فى الكون، أم لا. وكلاهما إحتمال، يجعلك تغرق، وتغرق، فى فكر عميق.. 
ولا شئ يحدث، إلا إذا تحرك شئ آخر، كما قال ألبرت أينشتين. وتستمر الإكتشافات، وذلك فى واحدة من أعظم المهام العلمية، والتاريخية الكبرى، فى مسيرة العلم، ليس فقط، لوكالة الفضاء الامريكية NASA التى تقوم بها، إنما للبشرية عامة. إنها رحلة البحث عن كواكب، أو أرضين أخرى صالحة للحياة، فى مجرتنا. وتحديدا، فى قطاع فلكى معين، ومجال رؤية، مداه عدة آلاف من السنين الضوئية، من مجرتنا Milky Way. مجرة درب التبانة، كما يسميها العرب. وهى إكتشافات مسبر الفضاء كبلر "NASA's Kepler space telescope" الرائعة، فى تلك المجرة، التى ينتمى إليها نظامنا الشمسى  Solar System.. حيث يعيش الإنسان على كوكب، من كواكب هذا النظام. الأرض. ضمن مجرة، تحتوى على نحو، مائتى إلى أربعمائة بليون نجم. وتصور هذا العدد، من النجوم فى مجرة واحدة واحدة فقط، من مجرات هذا  الكون الشاسع، المتسع.. يقدر عددها فى الكون، بأكثر من خمسين مليار مجرة، بأنواعها المختلفة، سواء كانت مجرات هائلة الحجم، تحوى على مليارات النجوم داخلها، أو مجرات قزمة، تحوى آلاف أو ملايين النجوم، فقط. فلا يعلم حدود الكون ولا مداه، أو أبعاده، إلا خالقه جل شأنه. وليس بغريب، أن تطلق ناسا على هذه المهمة، العلمية الفريدة، اسم واحد، من أعظم علماء الفلك، وهو عالم الألمانى يوهانز كبلر (Johannes Kepler (1571 – 1630.. الرجل، الذى إرتبط اسمه باالكواكب، بإكتشاف القوانين الثلاثة الهامة، التى تتعلق بحركتها، حول مركز نجمنا الشمس، وتعميمها على مسارات الكواكب السيارة، بما في ذلك كوكب الأرض. وهى القوانين التى صارت تعرف باسمه، علميا، Kepler's Laws of Planetary Motion وحلّ السرّ المستغلق حيالها، ممّا غيّر فهم الإنسان للسموات، بل ونظرته للكون، بذلك الفتح الجديد، فى علم الفلك، آنذاك. 
ومن هنا، ندرك، لماذا أطلقت وكالة ناسا، اسم هذا الفلكى الكبير، على هذا المشروع العلمى الفذّ، وهو البحث عن الكواكب Kepler A Search for Habitable Planets فى الفضاء. فى ظل أن مجرتنا، وحدها، فى تقدير العلماء، يمكن أن تحتوى على ستين بليون كوكب. وتنحصر المهمة الرئيسية، لتلسكوب الفضاء كبلر التابع لناسا، منذ أن أطلق فى مارس 2009. وهو مرصد فضائى صمم  للبحث عن  كواكب شبيهة بالأرض، خارج المجموعة الشمسية، رامية إلى إيجاد حياة في مكان آخر، والإستمرار فى البحث عن عوالم غريبة فى الكون، في المستقبل القريب. أرضون أخرى، بحجم كوكبنا، ضمن تلك الكواكب الغريبة، التي قد تكون قادرة على دعم الحياة، كما نعرفها. كواكب خارجية،  تدور حول نجوم بعيدة، بما في ذلك العديد من كواكب، بحجم كوكب الأرض. وتقع ضمن المنطقة الصالحة لوجود حياة، بالنسبة إلى نجومها. بحيث يمكن أن يوجد هناك ماء، في شكل سائل. الأمر الذى، سيغير حتما، من نظرتنا إلى إمكانية الحياة فى الكون، والفكرة الدائرة حول مدى إنتشارها، مع هذه الإكتشافات العلمية الفلكية، المتعلقة بوجود كواكب أخرى. المسألة، والقضية، التى شغلت العلماء، والفلاسفة، وإمتدت عير العصور، منذ القدم..  
وهكذا معرفتنا، تتقدم إلى الأمام، وتتحرك، مع كل إكتشاف علمى. تقوى إمكانية وجود حياة خارج الأرض، كلما سارع الإنسان إلى إستكشاف الكون. والبشرية، بالفعل، على أعتاب معرفة هذا اللغز الكبير، لذا سنعرف في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام تلك التى تشبه الأرض، والتي تسير في مدار يشبه مدارها. وفى غضون عقدين، سيكون لدينا أفكار أكثر وضوحا، عن كيفية بدء الحياة، على كوكب الأرض، وسيصبح هذا مهما جدا للإجابة عن كيف بدأت في مكان آخر، وأين نبحث؟
وهذا سيعطينا مفتاح كيف يحتمل، أن تكون نشأت، في مكان آخر، وما هي البيئات الأمثل. مما يجعلنا أكثر تقدما، وأكثر قربا من حل واحد، من أكبر الألغاز الكونية. رغم أن استكشاف معالم للحياة خارج الأرض، يتطلب زمنا، إلا أنه يصعب الإعتقاد بعدم وجود حياة، في مكان ما من الكون الشاسع. فإذا وسعنا عملية البحث، مستقبلا، عبر مد حدود الإستكشاف في الكون، فسوف نجد شيئا هنالك. العثور يوما، على شيئ ما، لا نستطيع تفسير طبيعته. فهنالك شيئا ما، لكننا لم نره بعد، ويصعب علينا فهمه، حاليا. ربما عوالم حية وذكية، خارج كوكب الأرض، على كواكب قابلة للحياة، وهى تلك التي تكون على مسافة من شمسها، تؤمن لها حرارة معتدلة، وتجعل وجود الماء والحياة على سطحها، ممكنا. فمنذ مطلع تسعينات القرن الماضى، رصد علماء الفلك أكثر من ألف كوكب، يدور حول شموس غير شمسنا، وتقدر الدراسات العلمية والفلكية الحديثة، وجود مليارات عدة من هذه الكواكب، في الكون. وبعضها كواكب صخرية، واقعة على مسافات عن شموسها، تجعلها قابلة للحياة. ليست قريبة جدا، من شموسها وملتهبة، ولا بعيدة عنها جدا ومتجمدة. بل في مسافة متوسطة، تسمح بوجود المياه السائلة على سطحها. شرط، لا بد منه لتشكل الحياة ونموها، وإن كان شرطا غير كاف. 
وقد غيرت بعثة ناسا نظرتنا، إلى إحتمال الحياة في الكون. فقد أظهر تليسكوب كبلر الفضائي، أن ظاهرة شيوع وإنتشار الكواكب، في جميع أنحاء مجرة درب التبانة (الطريق اللبنى). فما بالنا مع مليارات أخرى، من المجرات،  ويتفاوت عددها في الكون.. وهو ما يفسر كيف يساعد تلسكوب ناسا الفضائي كبلر - كأداة أساسية للكشف عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي – فى الكشف عن هذه الحقيقة، حيث تكشف الصور الملتقطة، بواسطة مركبة الفضاء كبلر، أنها تسجل أكثر من مائة ألف نجم، في وقت واحد، مسحا ورصدا لمجال معين، بغية الكشف عن كواكب، تدور حول نجوم، خارج نظامنا الشمسي. وكانت المهمة قد حققت نجاحا باهرا، مما أعتبر من أعظم اكتشافات المرصد حتى الآن. إضافة إلى مزيد، من الاكتشافات، سوف يبقى قائما، لسنوات قادمة، ودخول العلم مرحلة واسعة.  وذلك، من خلال تحليل العلماء لبيانات المركبة الفضائية، لتحديد كواكب أخرى. فمثل هذه الأرض، ليست كوكبا فريدا نادر الوجود. وإحتمال وجود حياة على كواكب، خارج الأرض، في أماكن لا تنتمي لمجموعتنا الشمسية، وفى أماكن أخرى سواء فى مجرتنا أو المجرات الأخرى، فى الكون الفسيح، هو إحتمال قائم، وكبير. وعلى ذلك، ومع إكتشاف كواكب جديدة، تتنامى وتتسارع، الفرضيات العلمية وراء هذا الإحتمال، وعن أصل هذه الحياة، وشكل هذه الحياة، التى تكون قد ظهرت فى أى مكان آخر في الكون. وهل هى حياة عاقلة واعية، تتراوح صورها وتتعدد. وإنتشار هذه الحياة خارج مجموعتنا الشمسية، لا بد أن يكون  بين الكواكب المؤهلة لوجود هذه الحياة، ويرتبط هذا بتوفر وإمكانية وجود الماء فيها..

ولذا، كانت مهمة المرصد الفضائي كبلر ناجحة للغاية، بالاكتشافات العلمية التى أنجزها، خلال مرحلة الملاحظة الأولية، بإكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية. أكثر من 2700 من الكواكب الغريبة المحتملة، وبتحقيق الهدف، الذى تم وضعه لها، خلال تلك الفترة. والكون عبر هذه الإرهاصات، التى تشير إليها الإكتشافات الحديثة، والتأكد من وجود كواكب بالفعل تشبه الأرض، ما زال، نابضا، بشكل مستمر، ولا يمكننا أبدا فهمه، تماما. فمن المستحيل تصور، طبيعته أو حدوده وحافته، أو الإلمام بشئ من ذلك. ولكن مع مرور الزمن، ومستقبل العلم، للسعى إلى فهم القوانين، التى تحكم الطبيعة والكون، سوف تخترق المعرفة أعمق أسراره، إلى مدى أبعد، على الشاطئ الآخر، من المجهول، بإستكشاف نسيجه، وبنيته. والبداية والنهاية. هذا الكون الهائل. ببساطة، حيث ستختلف المعرفة، تمام الإختلاف عن أحكامنا الخاصة، وما لدينا من آراء مسبقة. حقائق داهمة، بعيدا عن كل خيال للإنسان وتجريداته، في كل شيء. مما قد لا يكون غير منطقي، بالنسبة لنا، مطلقا. لئلا يتصور البشر ويظنون، أن الحياة فى الكون، مقصورة عليهم، أو متمحورة حولهم فقط، فى كوكب الأرض، في المحيط الكوني، لهذه المجرة. وما نحن وحدنا، فى هذا الكون..  
لا أستطيع تذكر عدد المرات، التي سافرت فيها فى الكون، غائبا فى فراغ محيطه، دون حدود. عابرا لجسد فان، حيث يمكن ألا يعود. هناك حيث منبع نور للعقل، ودفء للروح. حيث تشعر كيف يمضى الليل، بهزيعه الأخير. وترى كيف تشرق، وتتوارى النجوم. شموس وشموس. تشعر بملمس  الفجر، وحريرة أنسام الأسحار. أستدفأ بعصر الوجود. لا شئ يضاهى هذا الشعور، مطلقا. ولا أستطيع أبدا أن أصفه. يالعجز القلم، حينما لا يتوحد مع الروح، فى رحلة المعرفة. ويا لعدم قدرة الإنسان، فى كون عامرة سمواته وأراضيه، بحياة بثها الله الخالق البديع القادر، على كل شئ. جلّ شأنه، وتبارك اسمه. يسبح  له السموات السبع، والأرضون السبع، وما بينهما، ومن فيهن. لا ريب أننا لسنا وحدنا فى هذا الكون. ودوما الحلم الذى يجمع شعثى، كأنى أسافر فى أشعة شمس دافئة، إلى دور التاريخ، وسكرة أفكار غير مكتوبة، أبحث عنها. تتدافع فى رأسى تفاصيل أضواء مصابيح وقناديل. وما إن تتملكنى، بدفء غريب، أصبح، شهابا مسافرا، بين النجوم والكواكب والأقمار، فى أعماق سموات بلورية. وتنحبس أنفاس توترى، أمام رغبة متوقدة فى المعرفة. وهكذا، لا تتركنى، إلا وقد ذبت فى أضواء متلألأة، بلون الياقوت والذهب والعنبر. مزيجا، بلا إنتهاء، فى أرض غير الأرض، وسماء غير السماء، فانفصل عن كل شئ، باحثا عن المعرفة. بقلبى وروحى، وغارقا بعقلى..

  (يتبع..)

الخيال **** مقال





دور الخيال
------- خالد العرفي
حينما، أدرك أينشتين النسبية، لم يحركه، إلا شئ واحد، لم يفكر فيه إلا هو وحده. حينما، ذكر إذا لم تبد الفكرة، من البداية عبثية، فلا أمل، فى تحقيقها. وهكذا، إكتشف بخياله أولا، نظرية النسبية. والأديب، أولى بذلك الخيال، صنوا للعالم، لتظهر أفكاره، من حيز لآخر، وليؤثر فى قارئه. أحيانا، عليك أن تتحرر من المنطق، ومن تصوراتك المسبقة، لتكون، فى كل نص، بروحك، وكيانك. تنطلق، بسرعة أسرع، من الضوء.. فلا تضيع فكرتك، وأنت ساكن، ثابت على منوال واحد. حرك كل شئ، فى عقلك. إنها حقول قوة، كامنة فى عمقك، أنت. أكتشف بها السفر، فى الزمان، والمكان. إستوعب المكنون، فتستوعب مخيلتك، كل شئ. إنشد ما لا يُرى. هذا هو المقصد، وهذا هو السؤال. أعبر التضاريس الغريبة، خطّ أثرك. احفره، خطوة، إثر أخرى. لتكتشف الحلم، وما لا تعرف. حقق ذاتك. أنا أتعلم كيف أصنعه فى عقلى إلى الآن، وما زلت.. بصوت منحفض، يزداد قوة، شيئا فشيئا، فى أذنى، قبل أن أراه.  وأحاول أن اضعه فى كل نص أكتبه.عبثية الفكرة، أنت، الذى يضع منطقها المستحيل، بسؤال وراء سؤال، وتصورات تضع نفسك، فى داخلها. من غير الممكن، أن تحقق شيئا، وأن تظل هكذا، لو لم يستغرق ذلك الأمر، وإبداعك، من خلجات نفسك، وحنايا روحك. تراه بعينى عقلك، أولا. ثم تدرك حقول القوة هذه، داخلك، بعد ذلك، فتنطلق بك، وتنطلق بها، متحرر فكرك، وممتلكا أنت أفكارك،  ونصك، لغة ومعنى، ومضمونا. فى النهاية التأثير، الذى تلمسه على نفسك، قبل قارئك. حتى العلم، يقرر أنه بدون الخيال، وبدون الإرادة، لا يمكن للإنسان، إلا أن يقع فريسة للواقع، ويستمر فيه، راكنا إلى لا شئ، لا يتحرك. أعجب، لمن تدور أفكارهم، حول نقطة ما دائما، لا يتخطونها أبدا، ولا يحاولون طرق كل ماهو غريب. يدورون، فى فلك واحد ونفس المسار،.. يسلكون ذات المدار. يدورون، ويدورون. كأن، لا هناك أمكنة، ولا أزمنة أخرى، فى الكون. ببساطة، لا مستحيل. هكذا الأمر. وأنا لا أندهش، فى نفسي، لمستحيل فكرة أبدا، طالما يمكننى تخيلها، ثم كتابتها. أضعها أمامى، فى الأفق البعيد، فأرى كل تفاصيلها. تنبئنى أن هذا فى إمكانى. فقط أبدا حلقة الخيال، تحيط بى. وأقيّدها بالعقل، الذى يقوم بدوره، باذلا قصارى جهدى. وتتوالى الحلقات. أقحم نفسي فيها إقحاما، يلتهب بها خيالى، قبل مدادى، فأشحذ فى نفسي، روح مغامرة إكتشاف المجهول، ليكون ممكنا بين يدي، لتنطلق الفكرة فى المداد، هادرة، بصوت أكاد أسمعه، حتى أراها نصا. إن تقدير العلماء لمبادئ العلم، لا تقدم جديدا، دون تلك الروح الوهاجة، للمستحيل، وكسره فى الخيال. فما بالك بالكاتب، أو الأديب دون خياله، أو إلهام له. إن المفارقة، تكمن دائما، فى هذا السبب، والمحرّك الجوهرى والأساسى، الذى يدفع القلم للإبداع، من حلقة، إلى أخرى. فيظن القارئ، أو المتلق، أنه داخل النص فعلا. ويأسره النص تماما. يقع بين براثنه، فريسة للجمال، لا يود أن تنتهى قراءته. وهذا ما يهزّنى، حينما أقرأ. وهذا ما يعلقنى بكاتب أو أديب، ما. من هنا، إقنع نفسى دائما، أن كل شئ ممكنا. لا أعطى تنبؤات مسبقة، لدائرة الخيال الواسعة فى الكتابة، وبيدي أن أتأمل، بين الفكرة والمعنى واللفظ. إنطلق فحسب. ثق أن قدراتك أعلى مما تتوقعه، فى نفسك. لا مستحيلات دوما. وإن ندرت. وما أكثر الممكن حولك، وهو متوفر، ولكن بلا معنى. الفكر الخلاق دائما، يكون على حافة المستحيل، وما لا تظنه أبدا. وكذلك الإبداع الرائع ينقلك، من عالم إلى آخر. من زمن إلى زمن.. ومن معنى إلى معان، لا يمكن تصورها. وإن إفتقدت روح الخيال، وعبثية الأفكار، فلا تنتظر شيئا، من نفسك. هذا شئ، أشبه بالسفر عبر فضاء فائق متعدد، أو ما يسمى فى الخيال العلمى، عبر الثقوب. أن تخترق الماضى، والمستقبل، فى لحظة الحاضر. هنا أتذكر مرة ثانية، حلم أينشتين الكبير "نظرية لكل شئ" أو ما يُصطلح عليه "النظرية النهائية". التى تفسر كل شئ. لكنها ها هنا، فى مضمار الكتابة والأدب، أنت صاحبها، تضعها لنفسك، لتكون، أو لا تكون. بدون الخيال، حول ماهو ممكن، وما هو مستحيل، والحدود بينهما، التى ننتقل فيها وعبرها، فإننا لا نصنع شيئا. لا تظن أن الموهبة بعيدة عن العلم، يمكنك أن تنال مثلا، وتستفيد من قوانين آرثر كلارك الثلاثة. هذا شئ، قد يجعل البعض، يبتسم، ولها، لو كان يعلمها من قبل. يتسائل ما العلاقة بين العلم والأدب. ببساطة إنه الخيال. يقرر كلارك أن إذا كان شئ ما ممكن، فهذا بالتأكيد حق، وأن الطريقة الوحيدة لإكتشاف حدود الممكن، هى المغامرة فى الذهاب، أبعد منها إلى المستحيل. وأخيرا، إن أى تقانة متطورة جدا، لا يمكن تمييزها، عن السحر. ألا تتفق معى، أن الأدب البديع كذلك. أنت تقرأ نصا ما، أيا كان نوعه، قد يٌسحرك. يشدهك. يسلمك لتأويلات وتفسيرات، لا تستطيع، أن تضع له حدا، واحدا. هذا هو السحر بعينه. وهو البيان. وصنعة الأديب، الحاذق بها. وكما قيل، إن من البيان لسحرا. فكم هو رائع، أن تصادف معضلة، الآن، فتحقق بعض الأمل، فى تحقيق تقدم، إلى الأمام، من تفكيرك بها. فقط أولئك الذين يفكرون، ويجربون، يحصلون على المستحيل. شئ كالتخاطر تماما، لكن مع الأفكار، وحدها. تتمثلها أمامك، وتُجسدها. أو إن شئت، قل النقل الفورى، لذاتك، من مكان الى آخر، فى زمن آخر، لا يحدّه شئ. أو الإستبصار، للمجهول. يقول جون ويلر إذا لم أرّ شيئا غريبا، خلال اليوم فانه ليس يوما جيدا. وشكسبير نفسه له رأى أن من مميزات الإنسان غير العادى، أنه يتفوه بحقائق، لا يتفوه بها، أى شخص آخر. أنت ترى، أى إنسان، له ميزة تفرد عن الآخرين. فقط، عليه أن يكتشفها ويستنهضها فى ذاته. وهذا ما يجعلنا نشمئز من حماقات، عدم العبثية فى تفكيرنا، التى إن لم تخالج أنفسنا.. مما قد يمنح الخيال، فلن نبدع. أنت غير مطالب، أن تكون شكسبير أو غيره. لكن لا تركن إلى دعة الفكر. فقط إنتقل فى حقول قوة خيالك، لترى ملحمة العجب، وترى نفسك والكون، وكل شئ، بعين عقلك. لا تخف الفكرة. لا تخشَ التجريب. حاول، مرة بعد مرة. هذا فقط، إن لم ترَ الأمر مستحيلا، فى نفسك، من الأساس. فإن لم تره، فكيف يراه القارئ لنصك. وهى الثقة، فى أنك لن تفنى، فى الخيال، أو فى أكوان متوازية مجاورة، إلى الأبد، فلا تعثر على ذاتك، مرة ثانية. أمور غريبة أليست كذلك. لا ليس الأمر، كما يبدو، عليه. أنظر لمقولة إتش ويلز الشهيرة (قال أحدهم: السفر عير الزمان ضد المنطق. قال المسافر عبر الزمان: أى منطق؟) وإرجع لأول المقالة، لتتبين الأمر. قبل أن أختمها بقول كاتب من رواد الخيال العلمى أحب إبداعه، وهو الأديب الروسي "إسحق أسيموف" (أكثر العبارات إثارة، والتى تشير إلى إكتشافات علمية جديدة عظيمة، ليست "وجدتها". ولكن " هذا غريب". كذلك فى الأدب، ومع عظام الأدباء، حين يشدنا غريبهم، ونتأثر به، دوما، ولكل نكهته، وسمته. وهو أكثر إثارة، بالطبع مع الخيال، ومرده إليه، فى الحقيقة..
ومن أجمل ما يمكن أن يقابل الكاتب والأديب قارئ يقرأ أعماله بالقراءة متعلقا به، ويقدره.. الأجمل أن يقتنع هذا القارئ بما يقرأ، حتى يظن أن الكاتب هو كل الأبطال الذين يكتب عنهم فى أعمال قصّا ورواية. إن خيال القارئ فى هذه الحالة أكبر من خيال الأديب. فهو يلبسه كل سمات تلك الشخصيات التى أبدع فيها. فبلا ريب أن عدد الشخصيات الخيالية فى القصص والرويات يفوق ذهن القارئ ومن هنا يتصور أن كاتبه هو من يقرأه. وليس بشرط أن تكون هذه الشخصيات حقيقية من الواقع. فالمبدع عامة، خياله خصب وهو يبنى العمل كله من السرد القائم على عنصر الخيال. وإلا كان كل روائى وقصاص هو كل تلك الشخصيات التى نقرأها له. وهناك أعمال أدبية عظيمة لأدباء تعدت شخصيات العمل العشرات فى العمل الواحد بين نساء ورجال. أنظر مثلا لأعمال تولستوى وبلزاك وغيرهم عالميا. وعريبا محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وإحسان والسباعى وغيرهم. بالكاد تستطيع حصر عدد شخصيات كل عمل، مستغرقا معهم. إن نجاح الأديب فى أن يصل بالقارئ إلى مرحلة من التلقى يتصور فيها أن ما يقرأه واقعا هو فعلا نجاح له. وقد ذكرت فى مقال سابق أهميه دور الخيال الموصل إلى الإيهام بهذه الدرجة الفعلية فى ذهن القارئ. ومن قبيل التذكر العجيب تذكرى أنى كتبت مقالا آخر منذ فترة عن مشاهدات حفرت فى ذاكرتى من الطفولة. ومنها ما أسميته بالرجل القطار، وجاء ذكره فى المقال أشبه بقصة قصيرة ولكنها من الواقع الفعلى، وتخيلت فعلا باسما لو أننى فعلا هذا الرجل البخارى هائما والها، كالرجل وأبيت بين القطارات وأقطع طول وعرض المحروسة من الشمال إلى الجنوب، بدلا من طريق بمدينتى الساحلية. إن قوة الكاتب فى قوة خياله بالدرجة الأولى والتى لا تأتى فى لحظة إنما ورائها سيل من القراءة والتدبر والنظر فى الحياة. فربما إستفاد الأديب من خبر يقرأه هنا أو هناك، وربما مشاهدة عابرة فى طريق، وربما من شخصيات فعلية قابلها فى حياته. وربما من ذكريات تستدعيها الذاكرة. إن أدب ديكنز تقريبا كله مبنى على إستدعاء ذكريات من الماضى ومشاهدات فعلية فى لندن الفيكتورية. وعظمته فى توظيف هذه المخزون الهائل الذى نقرأه فى أعماله العظيمة. ولدينا محفوظ الذى صرح بأنه كان يسقط على شخصياته التى كتبها مما قابله فى الحياة. فى الواقع على الأديب أنا ينصت لكل شخصية يقابلها ليستفيد من وجه الحياة هذا. فأنت لن تكتب عن محام أو مهندس أو عامل أو طبيب وغيره، دون أن تعلم لغته وطبيعة عمله. هذا تماما كمعرفتك بتفاصيل المكان والزمان الذى تكتب عنه. وبدون هذا لن تكون هناك جماليات أو قيم فنية فى العمل يشعر بها القارئ ولن تكون هناك قوة إيهام وليس هذا معناه الإستغراق فى التفاصيل إنما للغة كذلك لها دورها فأنت عندما تكتب عن الريف غير ما تكتب عن البحر أو المدينة. وإذا لم تنعكس اللغة وتلك القيم الجمالية مع عناصر العمل فلا أشعر أن هذا العمل يستحثنى لأكتبه. وعادة يكون دور الخيال فى الربط بين هذه العناصر أعمق. فأوقات اليوم لكل منها سمته وتأثيره فالفجر غير الشروق غير الضحى غير الظهر غير الأصيل غير المغرب. وهذا ينعكس على طبيعة النشاط الإنسانى والحالة النفسية. فما بالك فى موقف أن تصفه فى قصة أو رواية يدور فى ساعة من هذه الساعات. مع ربط الوقت بالمكان فيختلف الأمر تماما. فالغروب تراه من قطار بخلاف ما تراه على أفق صحراء أو ارضا زراعية أو بحر، فإن ربطت بين الزمن والمكان والحالة النفسية للشخصية أو البطل مع تأثير القصّ بصوت الراوى أو حتى الحوار فأنت فى طريقك لإيهام القارى بصهر هذه العناصر مجتمعة، فى بوتقة واحدة.. أنا قد يستغرقنى مثلا النظر فى واجهة مبنى متنقلا ببصرى تلك الزخرفات والجماليات وربما أتخيله وهو يبنى.. وربما أبحث عن تاريخ المنطقة التى أكتب عنها وبدون هذا لا أقدر أن أكتب عن المكان وهذا يذكرنى برواية الرحيل شرقا والتى اهتممت بعنصر المكان وتدور أحداثها فى الاسكندرية. فأحداث الرواية تتراوح بين الحى الراقى كفر عبده فى منطقة مصطفى كامل باشا ولوران وسيزينيا وبين مناطق شعبية قديمة، وأماكن أخرى عديدة. إضافة لطبيعة المبانى التى تسكنها الشخصيات فتؤثر عليها وعلى سلوكها وبالتالى فى العمل. هذا أسميه صوت المكان وظلاله التى تلعب قدرا كبيرا من الأهمية فى العمل مستفيدا كثيرا من المراجع والمصادر التى تتحدث عن ذلك.  من هنا لا أندهش لقارئ يتوقع أن يكون ما يقرأ حقيقة، فأنا أحاول بقدر المستطاع، إيجاد هذا فى العمل مع الحبكة التى تطاردها فى نفسك وخيالك فقط . عامة، هى ملاحظة عابرة، تولد منها هذا المقال المختصر ربما أجد فى يوم من الأيام أديبا كان كل هذه الشخصيات فى الحياة التى يكتب عنها، وهذا مستحيل، إنما القراءة ومعايشة وملاحظة الحياة بالوجدان ودور الخيال، هى ما يجب أن يتوافر عند كل مبدع.



فى القراءة

النص وجمال التعبير والقراءة، كشجرة نجلس في ظلها‏.. وهناك موانئ للنفس تستقر فيها سفينتنا،  وتطرب‏ فيها الروح. والكتب، أمر أشبه بحب بلا زواج، فتظل تحب إلى الأبد‏. بين هدوء وصخب. ومنها، بالطبع الكتب.. ولا يذهب ذهنك بعيدا، منها ما مجرد أن تقرأ فيه صفحة لا تكمل، ملقيا عليه يمين الطلاق البائن..  ومنها ما أشبه بالعانس لا طعم له.. ومنها ما هو كإمرأة خلاب جمالها،... تحف، تجد فيها المتعة مع الكلمات، والمعنى‏ تراه ولا تلمسه‏..‏ وأنت وشأنك إن وجدت نفسك.. صدي راقص مع الظلال، بلا مواجهة..  شئ في القلب،‏ تسمعه ولا تسمعه.. ينظر في وجهك، ويحدق فى عينيك، ولا تراه.. لا يخطئ‏ من روحك موضعا، كنوم هادئ‏ مرة، أو سير على الماء، أنت غارق بينهما.. ولا تفقد شيئا، إلا نفسك. القراءة هى القانون الذهبى، من يمتلكها، ‏يتملك ذهب اللغة، بشقيها، من مبنى ومعنى.. تقضى على الهموم، وتهرب بها إلى الحياة. هى كنوز الدنيا، تجعل للحياة  معنى، وقيمة، بأن تجد من تشاركه فيها.. وجاءك إبداع فتقرأه، بهذا المفهوم، الذى لا يعطيه لك، إلا القراءة.. وإمتلاكك لقلم من ذهب، لن يجعلك أديبا، أو كاتبا، دون أن تقرأ.. كمن يمتلك إمرأة، ولا بد أن يكون أبا، فربما لا تنجب، وتظل أنت منتظرا للبنين والبنات، للأبد.. وهو الإحساس العميق.. و‏تحديد الهدف الفكرى، من الكتابة، هو نصف، أو شطر طريقك، إلى بلوغه، وما تواجهه. فلا تقف في منتصف الطريق‏، كمن ينتظر من لن يأتى، كأرملة طروب.. حتى تجد نصرا، فى نهايه حربك، مع فكرة تراودك، ويشتعل فكرك، بها‏. إقرأ، فتكتب، ولا تشعر أنك ولدت بلا ضرورة‏،  ويظل كذلك، من لا يقرأ، وتختفي الدنيا كلها من أمام ناظريه، من يجد نفسه وحيدا، بدون القراءة‏.. أنا أشعر بأنها كارثة تلاحقنى، إن لم أقرأ فى يوم، يمضي علىّ، فأشعر أننى فيه، لا زلت حيّا. فلا أشعر أبدا، أن الحياة لاحكمة لها، أو أن لاسعادة فيها.. فقط القراءة، هى ما تجعلها كذلك، وما يجعلنى، بحكمتها وسرورها.. أخشى ألا يفعل أحد ذلك، فلا يقرأ..‏ ولو عاد بي الزمن، لظللت أقرأ، كل ثانية، من عمرى.. فكل يوم‏‏ علىّ، ينقص من عمرى يوم، لكن يضاف إليه، ما أقرأ..‏  
ومن مشرق ما أكتب إلى مغربه، وفي سفر معاكس فى النص، هكذا أنبه نفسي، دائما. ولا أنتظر طويلا،‏ حتى أعيد النظر فيما كتبت، ببحث وتنقيب، عن ضائع أشعر به،.. عما تفرّق من جسم الفكرة.  كعمل شاق، للوصول إلى ريعان النص، الذى أكتبه، مما يعضّد عزيمة نفسى  ونشاطها،.. يبعث إلى حركتها، ودليل علي أننى أسير قدما.. وتأتي رحلتى الدائمة، هكذا، مع نفسي. ولسان حالى أن الزمان والمكان، لهما ظلالهما معى أثناء الكتابة، قبل أن يشعر بهما القارئ. ولا يكفى الجمال فى اللغة، إن لم أكتب الكلمة، كضربة ريشة، فى لوحة، يستوعب منها القارئ حدود المكان والزمان، حيث يدور الحدث.. تحيل الذهن إلى شكل هذا المكان ودفئه.. ولحظة زمنه. وحينما اكتب يكون شاغلى هذا. ونحن حينما نقرأ، لا نلتفت فقط إلي جمال اللغة، بقدر ما يكون، لما له مؤثرات على النفس. وأتذكر فى الفصل الأول من رواية غصن الحياة، أنى شعرت بنقص ما فى كتابتى، وأن هناك شئ ضائع منى، بعدما أعدت القراءة.  وبدأت أضع يدى على قصورى الذى شاب النص، بنظرة لم تخلُ من نقد لنفسي، إذا وجدت أن اللغة كانت مسيطرة على الفقرات عبر الفصل كله، قبل إعتنائى بالتعديل مرتين، وعليه قررت إعادة الفصل من جديد، للمرة الثالثة، وأضعه قريبا بعد التعديل. والغريب، أنى لم أعرف بالضبط سبب شعورى، بما ضاع من معنى، قبل أن أستمع إلى هذا الصوت، الذى أحادث به نفسي دوما، ويخطفنى إلى التعديل مرة بعد أخرى. فأنا أعتبر النص كمرأة جميلة، علىّ أن أنظر إلى عينيها حينما تحدثنى.. إنه عمق لا يدرك.. أفشل دائما فى فهم النص، دون هذه النظرة لعينيه، بعينى عقلى وشعورى.. فالنص مثل المرأة الجميلة، دائما تكون مرأة أخرى.. ومن هنا فالنص الجميل دائما، ما لم نكتبه بعد، ونبحث عنه،.. غالبا الأمر يكون كذلك. من هنا، شعورى الدائم، أن هناك ما ينقصنى، ساعيا وراءه. حتى تأتى لحظة ميلاد معينة، وأتوافق مع فكرة معينة، فى نفسي، هى الفيصل فى الكتابة. ولا أصدق نفسي‏ حتى أكتب، كمن قابل صديقا قديما‏، ثم رآه فجأة، فاندهش، يحكي لى ما حدث، ومالم يحدث‏. وينمو النص معى، من هذه النقطة، وشئ غريب، إن لم أشعر بذلك، ولذلك أرى نفسى متنقلا، فى كتابة أكثر من عمل. من النادر، ألا يكون ذلك، مثل عدة  نساء جميلات، على النظر إلى أعينهن، فى نفس الوقت، لأكتب نصّا فاتنا، يغوينى كمرأة جذابة، لم تُرَ، من قبل.. 

الخيال العلمى
------- خالد العرفي
 الخيال العلمى، هو النظر إلى الحاضر المجهول، والمستقبل القريب والبعيد، من أجل توسيع الإدراك الحالي . وهو الانتقال في آفاق الزمن، ومنطلق كاتبه أن يستند فى كتابته وفي سرده، إلى الحقائق العلمية، التي توصّل إليها العلماء. الأمر الذى يمكنه من إستشراف المستقبل، مستندا الى هذه الحقائق العلمية. الأمر كذلك، الذى يمكّن الإنسان من الفهم الدقيق لعالم المادة ولتفاعلاتها، وللحياة وتشعباتها، للإنسان وتناقضاته. ويُعد أدب الخيال العلمى، من أهم الأجناس والأنواع الأدبية. وتنبع تلك الأهمية من كونه دافعا وحافزا للإبداع فى التفكير، وبكونه بلا حدود، تعوقه أو تحد منه. ولأن تنمية هذا الخيال ضرورة لتنمية التفكير العلمى، تظهر الإبداع والكشف المبكر عن المتميزين والمبدعين. بل ومدخل ضرورى أكيد وهام. وبدون الخيال العلمى لا يمكن للإنسان أن يتقدم ويتطور بحياته إلى الأمام، لأنه الضوء الذى ينير طريق البحث والإكتشاف نحو الآفاق الكبرى. وأدب الخيال العلمى يجعل البشرية أكثر إستعدادا لإستيعاب تطورات العلم الحديث وتحققها على أرض الواقع. وتلك الأهمية، هى ما جعلت أينشتين، يقرر أن الخيال أهم من العلم نفسه، بإعتباره الموجه والحافز، نحو الإكتشاف والإبتكار العلمى والأفكار، التى تنبع من الخيال خارج حدود الممكن والمعقول.  وليس للخيال العلمي حدود، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم، ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا   جديدا. والعلم، هو لغة العصر، والدور الحضاري لأية أمة من الأمم لا يكون إلا بالعلم وإبداعاته في مختلف جوانب الحياة.  وقد اخترق العلم حجباً كثيرة وحول الأعاجيب إلى مجرد أمور اعتيادية وحقق تقريبًا كل ما تنبأ به الخيال العلمي وذلك لأن العلم يبدأ من النقطة التي يقف عندها العلم، ممهدًا الطريق للمستقبل . وتعتبر أية إضافة في العلم أو الخيال العلمي لبنة جديدة في صرح المعرفة لان الخيال العلمي هو من مفردات العلم باعتباره المحفز الأول لمخيلة المبدع .وقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الخيال العلمي كبوابة للإبداع والإبتكار حيث وضعت بعض المقررات في مناهج التعليم لديها قائمة على استثارة الخيال العلمي لدى الأطفال بل ووضعت بعض المقررات في الجامعات مثل مقرر "أدب الخيال العلمي" ضمن المناهج التدريسية. وأصبحت دراسة الخيال العلمي جزء لا يتجزأ من خطط وإستراتيجيات المستقبل .ومن هنا بدأ إستخدام الخيال العلمي على نطاق واسع في الدول المتقدمة، من زوايا عديدة وبطريقة خيالية مستندة إلى العلم والتكنولوجيا. وتزداد مصداقته باستخدام مجازات وإستعارات مستقاة من واقع العلم والتكنولوجيا، بنقل الحقيقة العلمية بأمانة وصدق وبنظرة مستقبلية.
ولقد إتسع إنتشار الخيال العلمي scientific Fiction في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة لإعداد علماء للمستقبل، فقد تكون قصص الخيال العلمي بديلا حقيقيا لإدخال العلم بقوالب جامدة، مما قد يؤدي إلى عدم الإنصراف عن العلم أو عدم الإهتمام به. ولذلك تحتل قصص الخيال العلمي مكانة مرموقة في المجتمع المتقدم الحديث.. كما يحظى هذا النوع الأدبي، بإهتمام العلماء كما يحظى بإهتمام الأدباء وعلماء النفس، وغيرهم . ويمثل أدب الخيال العلمي صورة مقروءة للأفكار، وخريطة بديلة للمعرفة، وجسر منهجي إلى علوم المستقبل، فى الوقت الذى تتسع فيه أنماط العلم المعروفة، وتتداخل فيه أفرع المعرفة العديدة.. مما يمكن من دعم التفكير الخلاق الإبداعى الشامل. ويمكن أن يؤدي تحرير الخيال إلى وضع الفرضيّات العلمية، وتعديل مسالك التأمل والملاحظة، والتخلص من التبعة للأفكار السائدة. كما يحرض الإرادة البشرية على إرتياد المجهول والتدريب على تذوق لذّة الكشف العلمي. ويسهم في ترسيخ الثقافة العلمية. ومن ثم يشجعهم على مزيد من الإهتمام بالقراءة، وكوسيلة تعليمية حديثة تضمن توجيه الرغبة، في التعامل مع الحياة، والتعبير عن الآراء والتصورات بأسلوب علمي.  وبصفة خاصة تساعد الدراسة العلمية، علي بناء الشخصية، ومما يمكن أن يكون عاملاً فعالا، في التغيير والتجديد . وذلك بالإهتمام بالمعرفة المعاصرة وإمتدادها إلى المستقبل، وأثرها على السلوك الإنساني .ويتعامل الخيال العلمى، مع المادة والزمان والمكان والكون والفضاء، وكثير من الأمور، بصورة خلاقة بالترجمة بين الطرق المختلفة، لرؤية العالم فى ظل آلاف الحقائق العلمية المتجمعة، لبناء صورة تتنبأ بمستقبل الجنس البشري، ومجتمع الغد ومدنيته. وذلك بمعالجة الحقائق العلمية، ودعم الثقافة العلمية المنوط بها إستعاب التغييرات التي يمكن التنبؤ بها فى تلك البيئة. وبمحاولة تصور المستقبل الممكن والتطور العلمى وراء الأفق وخلق تصورات جديدة لما هو معروف فعلاً . وفي ضوء الخيال العلمي الذى يخترق حدود الزمان والمكان، يستطيع الإنسان بالخيال، أن يطوف أرجاء الكون بالتزود بكثير من الحقائق، والمكتسبات العلمية الحديثة، مما يمنحه القدرة على عبور آفاق الزمن بطموحاته ونبؤاته وأفكاره لطرق أبواب المستقبل. ومن هنا يرسم المستقبل بما يمكن أن يكون وكيف يمكن أن يحياه لإرتباطه بشكل مباشر بنوعية الحياة المستقبلية نتيجة للتقدم العلمى والتكنولوجى المتسارع. خاصة وأن مستقبل العلم والتكنولوجيا قد يصل إلى أقصى تقدم تتصوره البشرية . بالإضافة إلى أن الحدود الفاصلة بين هذا الخيال والعلم، توشك أن تتلاشى، بعد أن تحققت كثير من التنبؤات، وتحولت إلى واقع مشاهد وملموس من التقنيات العلمية التى تحيط بنا. ولأن العلم يستثمر أفكار الخيال العلمى مما يمكن أن يتحول إلى إبتكارات وإكتشافات جديدة. وسوف يظل الخيال العلمى دافعا يحث العلماء على تقديم المزيد من الإنجازات فى مستقبل القرن الواحد العشرين، فى هذا المجهول الكونى، الذى يحيط بالإنسان. وحيث يمكن إكتشاف الكثير من المفاجأت العلمية المثيرة بعد رسوخ المفاهيم والحقائق العلمية، التى تتصل بعدة علوم، يُبنى عليها المعارف التى تتنبأ بما يمكن عليه الحال، فى نهاية هذا القرن الواحد. كما أنها تثير روح الفضول العلمى .ومن هنا تظهر قيمة وأهمية الخيال العلمي، في إعداد وتنشئة العلماء والمبدعين وبأهميته القصوى، في إحداث التغيير والتطوير مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة والثقافة العلمية. الأمر الذى يمكن من المساهمة في العمل علي إعداد جيل من العلماء لمستقبل لن يكون فيه موضع قدم إلا لأصحاب البحث والإبتكار والإبداع في ظل التحديات التكنولوجية والتقنية الهائلة.
-------------------------