سرماديا

سرماديا

خواطر 1 - 4






كلمات
--- خالد العرفي
أنت حينما تحلم، فأنت لا تغير ماضيك، بل، تغير مستقبلا ينتظرك... لذا، ليس هناك من رحلة أشق من عودة إلى ماض، فى حين كل ما تملكه، هو الحاضر.. ودوما المستقبل، هو الحلم الممتد، الذى تسعى إليه،... وهو يُشترى بالحاضر.. والحياة نفسها أمل.. ولا يجب أن يكون هناك شئ، يقف دونه الأمل.. وهو في حد ذاته نوع من السعادة، بل قد يكون أكبر سعادة يمكن للمرء أن يمتلكها .. ضرورة في كل حال..  فلا تخف كثيرا من موت،.. بل من حياة ناقصة، دون أن تحلم، أو تحب. . ولا يجب أن يخشى المرء موتا، بل من ألا يبدأ في الحياة.  والحياة السعيدة تحتاج للقليل، فهي بداخلك، وتكمن في طريقة تفكيرك. العيش بسعادة، قوة من قوى الروح الكامنة. وما تعيش به تموت به، ولا يهم كيف يموت المرء، بل كيف يحيا.. وقيمة المرء لا تزيد عن طموحاته. والحياة نفسها مشكلة للحكيم.. وهى نتاج أفكارنا. والروح، ذاتها تأخذ لون أفكار صاحبها، ولا يمكن للمرء أن يجد مأوى أهدأ، ولا سكنا أكثر سكونا، من روحه، لأن الهدف أن يهرب المرء من أن يجد نفسه، في مصاف مجانين مرضى، وأرذال حمقى. والجميع يسعى وراء السعادة، دون أن يلاحظ إحتمال وجودها، أمامه مباشرة... والحب، دائما ما يجد طريقه، كالموت.. لكننا لا نعرف كيف نحب مطلقا، فقد تجد نفسك غارقا، فيه،.. لا تدرى أين الحقيقة، إلا فى وجه وطيف من تحب، تائها.. لذلك فإن من تتحكم بـه العواطف، لا يرى إلا جانبا واحدا مما يراه،.. فإذا استطعت أن تثبت أنك لست بحاجة، الى الحب، فلا تحب أبدا.. وهذا شيئ مستحيل.. وليس بإرادتك.. والمرء يحب لأنه يحب، ولا يوجد سبب للحب،.. فلا تعرف متى بدأ، ولا تعرف متى يتوقف،.. مع الحب، تشعر أن كل شئ دائما جديد.. وعندما يظهر، لا يُرى إلا نوره فى حين تغيب ظلاله عنا، إلا على الروح.. ومع ذلك، فإثنان لا يعرفان بعضهما البعض.. يجتمعان على شيئ  كبير، اسمه الحب.. لا يستطيع أي منهما، فعل شيء.. تعارفت وتآلفت روحاهما فى عالم آخر، من قبل.. حقيقة تقع، قدرا،.. ونحن بحاجة إليها.. تشعرك بأشياء لا تتكرر.. وتعرف ما هو مختلف تماما، عن أشياء، كنت تعرفها جيدا فى الحياة، من قبل، لكنها باتت مغايرة لكل ما تعهده..  وقد تعطي أحدا دون حب، لكن لا يمكن أن تحب أحدا، دون أن تعطى.. من هنا، لا يوجد إلا طريقة واحدة للتعاسة، أن تكون بلا قلب.. فلا تحب، ولا تعطى من روحك،.. فلا يعرف إليك الحب، من سبيل، ولن.. والحقيقة أحيانا، هى ما لا نعيشه، إنما ما نكتشف أننا لم نعشه.. ولذا، فالسعادة الوحيدة في هذه الحياة، هي أن تحِب وتحَب.. وهذه حقيقة أخرى.. ورغم شدّة غرورالحياة، فدوما أيا كانت الحقيقة، فهى تأتي على مهل،.. وقد تأتى فجأة، تدهمك، وروحك.. لكنّها تأتي دائما، فلا تقلق.. ولا تشكك فيها..، لأنها تأتى، لتبقى مشرقة، وتذهب أنت، ونفسك.. ومنها الحقيقة الكبرى،.. الحب، رغم أنه واحد من عواطف كثيرة.. وهذا أمر آخر.. لا قبل لثلة من البشر، به،.. لا يعرفونه أو يدركونه أبدا... كما لا يعرفون ما ينتظرهم، من غيب، له وقت مقدر، ومحسوم.. حقيقة، واقعة بهم، لا محالة... فإن وقعت بهم، نكروا أنفسهم، ولم يعرفوها مطلقا.. 
---------------------------


فى القراءة والكتب
--- خالد العرفي
العزلة مملكة الأفكار ومُلك النفوس،.. وكم من خلوة حلوة، وكم فيها من عِّز وراحة.. والقلم هو النديم، والكتاب هو الصاحب فيها،.. خير جليس، وأفضل ما يحفظ به الوقت، ويعمر به الزمن والعمر.. يجلو الأفهام، ويسرّ القلب، ويؤنس النفس، ويشرح الصدر، وينمّي الفكر.. أوجد للعظماء مكاناً تحت الشمس.. وكتاب نافع مفيد يجلب السعادة كالروض الأخضر،.. بستان وارف وحديقة غنّاء، وغيث هنيئ، من نسائم الحياة.. هكذا صحبة، ومسامرة، ورفقة علم وأدب ومعرفة..، سفرا إلى عوالم أخرى ومشاهدة لمعالم جديدة، وسعة للأفق.. سموا بالنفس، وهجرة بالروح.. ولذة القراءة من وجوه عديدة، أبسطها أنها تعطى الحياة الحقيقية، وحقيقة الحياة التى لا نعرفها، إلا بعد أن نفقدها، فإن لم نكن عرفناها، أعطاها لنا الخيال.. ومن هنا، تحتل القراءة مكانة كبيرة.. أعتبرها من السعادات الكبرى.. ألتمس لقلبى منها، فنون الحكمة، وأنواع المعرفة.. ببساطة تجعلنى أحلم.. تدخل سرورا عظيما على النفس، بما تجعله من إثراء للعقل، وصقل للقريحة.. تطوي الزمان والمكان، بلوغا للأرب.. توسع مدارك النظر، وتفتح الآفاق أمام الروح.. وأتمتع كثيرا بالقراءة الخالصة.. أندمج كلية.. أود ألا تنتهى قراءتى، حتى لا تنتهى متعتى.. وتتعدد وتتداخل مستويات تلك المتعة البالغة،.. أحاول بعناية بالغة أن أكتشف في كل موضع جمال ما به.. وأحيانا، أعود متشوقا،.. أكرر إحساسى بالمتعة، فى كثير مما قرأت من كتب،.. وحبذا لو كانت نصوصا تاريخية،.. أعيش عصرها، متخلصا من الخيالات والأوهام، لا أصرف نفسى إلا لحقيقة تاريخية.. ولا يخلو التاريخ من فائدة، يمكن استخلاصها من أحوال جنونية، وأحداث بائسة،.. مرّ بها البشر، تقول بعدما تقرأ فى ذلك الزمان كان الأمر مختلفا، أو أن شيئا لم يتغير على الإطلاق. لذا كثيرا ما أقرأ التاريخ، وأتفكر في عجائبه، وأتدبر غرائبه، مستمتعا بقصصه، سابرا غور أخباره.. ويلفت نظري حكمه ودروسه.. من جانب آخر، لا يساوي هذا أبدا المتعة، التي يمكن أن ألقاها فى قراءات أخرى.. ولكل لذته ومتعته.. أقرأ بنوع من طمأنينة توقظ ما غفا فى الوجدان.. فهناك ما يولد دائما.. وثمة أمر جديد دوما.. لذا أتأمل فيما وراء غوامض وشوارد النصوص، وما أقرأ،.. أحاول أن أفصل بين الواقع والخيال، فى حالة أقرب إلى ما تبينه السماء فى جو متقلب،.. أدرك أن ثمة أمرا ما وراء الكلمات، كما لو كنت أنتظر شيئا مجهولا... أتلهف لقدومه، حيث تتجلى لى الحقيقة، ترفل فى بهاء قشيب، يؤمن لى متعة ذهنية لا تتكرر.. مثل لحظة هطول مطر، أو هدير موج لا يتوقف.. وأنى لهذا أن يتوقف فى النفس، كضوء الشمس وحرارتها.. يشعرنى بنبض الحياة، وصوتها عن بعد... فقد كان حلما سماويا، لم أشعر بنفسي حتى سمعت حينها "أتحلم وأنا بجانبك لم أعرف أم داخلك؟" ولم يوقظنى من الحلم شئ، إلا أن ليس لى فى هذه الدنيا من أمر إلا ما قدر لى.. على أن أحيا بتلك الحقيقة، ما بقى .. لم أستطع إلا أن أستسلم لحلم لحظة قدرية.. أحيا بها وعليها، وأنا أعرف أنها لن تكون أو تتكرر.. أستمد منها ما أعلم أنه عمر جديد، بمنأى عن بشريتى.. هدوء، أعهده فى نفسي مع طيف روحانى نورانى.. يرافقنى.. كتبت ما كتبت، وسطرت ما سطرت، ما لم أتوقع أبدا.. وكانت وديعة ثقيلة على كاهلى،.. وسوف أظل أكتب، فى عالم آخر،.. وما زال لدى جذوة روح أضعها فيما أكتب.. تسبكنى سطرا فى تاريخ،.. فى عالم الأرواح.. حيث أنتمى، وينتمى ما بى مسيرا ومصيرا فى عالم الكتب والأقلام، إصدارا بعد إصدار.. إنتماء قدر.. قرّ فى كيانى، وتغلغل بروحى، كلما حاولت إلى ذلك سعيا.. وليس هناك ما يحول، أو يمنع من أن تفقد بعض وجودك الى الأبد.. أن تفقد روحك، لا تعرف، أم تجدها، لتبقي جذوتها موقدة فى الأسفار، من بعدك.. أحيا فيما أكتب، حلما،.. ربما لن يتكرر مرة ثانية.. رفقة صنو روح وشطر حياة فى عالم آخر... من يستطيع أن يعيد أمسا،.. والمقدور واقع، ودقائق الحزن والألم بأيام، وبرهات السعادة نتذكرها كأعمار، كخيال أو أحلام لا تتحقق.... ونحن بين هذا، وذاك من ذكريات.. فما مضى ذهب وانقضى ،قضاءا محتوما، إختيار الله.. شيئا لم يكن من رزق مقسوم، إلا أثره على الروح والنفس،.. فتّح السمع والبصر وأحيي القلب.. وعلىّ ترك المستقبل غير مستسلم لأراجيف.. قوي القلب ثابت النفس.. فلا إحباط ولا يأس ولا قنوط.. هكذا، لا يدوم الحال على حال واحد.. وفي الله كفاية، ومنه الرفعة والعزّ...

----------------------------------------
متفرقات..
-------

خالد العرفي




النهاية الملائمة للصداع، دائما، أن يضاء هذا المصباح، فى أعماقى.. ومنذ تلك اللحظة، لا أفكر فى أى حل آخر، مطلقا، غير مواصلة الكتابة، أستمر مستسلما لسطور القصة، رويدا رويدا، حتى آخر سطر، فلا أحتفظ بها فى داخلى، أو أحملها أكثر من ذلك، كشحنة بارود، تنتهى صلاحيتها.. مبحرا بعيدا، قبل أن تؤرقنى فكرة أخرى جنونية، تضيع معها الأولى، إلى غيابات نسيان، على إمتداد نفس الشعور الغريب،.. أمر حتمى تماما، مما لا أحتاج معه مزيدا من وقت، أضيعه، فى مقاومة نوع آخر، من صداع درامى، لفترة طويلة.. فى النهاية، أسميه مرضا أدبيا،.. جنون إبداع،.. وإبداع جنون،.. لاشفاء منه،.. لا أقاوم أبدا بريق ومضاته، بارقة فى عقلى، موغلة فى كيانى.. وفى أحيان عديدة، لا أزعم بأى حال من الأحوال، أن أى من هذه الأفكار، ينتسب لخيالى الراعد.. حينما يبدو الأمر كله، أغرب من دائرة الخيال نفسها، وأوسع من أقكارها، وحدودها.. إذ تكفل الواقع المثير فعلا، بكل شئ،.. ولحسن الحظ، وحتى هذه اللحظة، لم أفكر فى أمر أكثر، أو أبعد من ذلك،.. اللحظة، التى أكتب فيها ما حدث،.. وفى الساعات القليلة التى تبقت لى، من يوم غريب، كان على أن أكتب.. فمنذ فترة، لم أكن قد كتبت شيئا أو أكتب حرفا، أرضى عنه، مما يختلج فى نفسي، إلا لنفسي.. فى الواقع، كانت الأمور منذ وقت ليس ببعيد، تسير أمامى بشكل لا معقول، كأنها نسخة نهائية لسيناريو وحوار، لم أكن قد تبينت تفاصيله بعد.. ولم أتعود على ذلك، من قبل، حتى شرعت فى كتاية رواية جديدة باسم مسافر فى الوجود، أنشرها قريبا، بإذن الله.. إذن هذه المرة، كان لابد من بعض الخيال الجامح قليلا، قبل أن يسبقه واقع، مثير..، وبلا تردد، ودون أية رجفة، من أفكار غريبة، تراودنى عن قلمى.. كان على أن أذكر نفسي " أننى لا أخلو من مزيج عجيب يخترق بى حدود كل معقول، وحواجز النفس البشرية..  فى الواقع، كانت الأمور منذ فترة تسير بى،.. كمن ينتظر غائبا.. لم يفاجئنى الأمر، أو تصدمنى تساؤلاتى بعيدا عن جنون اللحظة، و ثقتى من سخريتى من حياة، أو تهكمى الدائم، على واقع يسلبنا هدوء النفس، والتأمل.. والمحصلة النهائية، بلا طائل أن أحرم نفسي من كتابة ما يطيب لى..  فقط كنت أطرح على نفسي الاسئلة التى تخفى محاوراتى مع نفسي.. ولتجنب معاناة.. أحاول أن أقنع نفسي أن الإنسان يجب ألاّ يحب..  ألا أخرج من وحدة وعزلة أعشقها لأعاني حرمانا أصعب.. وعلى قدم المساواة لا أحب اليأس تماما.. لكننى إعتدت تماما، على أمور، أطلق عليها الصداع النصفى.. كصفحات القصص القصيرة، التى أكتبها، غير عابئ بفكرتها، قبل أن تموت فى رأسي متجمدة، فى جو شتوى قارس البرودة.. كان همى الأوحد ألا تدفعنى رغبتى الأدبية، إلى الوقوع فى فخّ شغفى بكتابة مجموعة قصصية أخرى وكسر صيامى عن الكتابة مؤخرا، لإنشغالى بالإنتهاء من أعمال أخرى معلقة،.. لم يفاجئنى الأمر، أو تصدمنى تساؤلاتى بعيدا عن جنون اللحظة، .. لم أحتج على نفسي، إلا أن الأمر هذه المرة، كان يحتاج منى دقة تامة لمشرط جرّاح ، ومهارة كاملة، باحثا عن شريان دقيق، وقد غاب فى قطعة لحم، غارقة فى الدمّ،.. أجتس عضوا من جسد، لا يفلح مع مرضه الخطير، إلا البتر الجراحى.. الذاكرة.. قبل أن أكتشف، أنى كنت كمن يعالج سرطانا، بالإشعاع أو" الكيماوى" فى وقت يحتاج فيه الأمر، البتر، من الجسد..
----------------------

على ضوء الحقيقة*
-------------
مستثارا ببراح الفضاء، وهدير أمواج، تتكّسر على الصخور. وأمامى ذراعا البحر، يُحوّط بهما خميلة زرقاء فيروزية.. مجدافان، يمضى بهما، كما كان دوما، بحرا، لا ساحل له. كنت أبصر إلتحام السماء الممتدة، وإنبساط الفكر، سابحا على صفحة بعيدة، فى ضوء الشمس. كان كل شئ يسير بشراع الهدوء التام. نحو مرساة ومسافات تنأى بى، ولا أراها إلا بعقلى. أحدق فى أقاصى الأفق، فى سكون بداية ساحرة، لا نهاية لها. أبدية، أرى معها العالم على جناح طائر، وفى حبة رمل، وشمس ساكنة كبد السماء. إطلاقا، ما إقتبس البحر روعته، فى مخيلتى، إلا من فكرة واتتنى. بدت لى غريبة أول الأمر. على أية حال، وبدون خيال، لم يكن لدى، إلا واقع، لا أقصر عنه.. ،.. كما هذا البحر أمام ناظرى،.. وأفق، بشراع الروح،  أبحر فيه. هكذا الذكريات.. وبين خيال ليس له حدود، نصنعه نحن، وواقع رأيناه.. نحن بين واقع متشظ، من حولنا، مثل زجاج مكسور، على شاطئ مجهول، وقد إتسعت دائرة صوره، محطمة بين الرمال، فى شكل ذكريات حادة. تطاردنا، موجة وراء موجة. وسواء كنا نحن فى مركزها، أو أحاطت هى بنا، نمضى. ونتغلب على صعوبات الحياة، وأطلال لا تذيبها أمواج. نتفكر ونتأمل، بين ذكريات مضت، وأحلام هى ذكرياتنا، التى لم تأت بعد.. الأحلام، هى السفر إلى المستقبل، الذى نحاول أن ننسى به ماض.. شئ من ضوء أمل، يغير مصير كان لنا، يوما. مسيرة نصف طريق إلى الأمام. من منا، لا يحلم . قليل من يعثر على هذا الأمل.، بشراع سفر.. يبحر، ويحيا به، حلما وراء حلم. يحقق ما كان مستحيلا.. وهكذا الذكريات،.. ذكريات وذكريات. وبدون إستحضار روح البحر، ونواته العاصفة، فى مواجهة تفاصيل غريبة للحياة، لم يكن يمكننا أن نستوعب حقا، أو نحيا، فى هذا الواقع. وبما أننى مرتبط إلى حد ما، فى هذه الأفكار بروح البحر.. فستبدو فى بقعة ما، ذكرياتى، ومن وقائعها، كلّفات خيط غزل ناعم، من أفكار، أو كومات من طحالب بحر، ملتصقة بصخور الشاطئ.، علىّ أن أمضى بينها. ذكريات، خضعت لحكم محاولاتى الفاشلة، كيلا أتذكرها، إلا كما وقعت أحداثها، طوال سنين بعيدة. من المؤكد، أن ما حدث فى هذا الآن البعيد، وما رأيته فى حياتى، قد أصبح جزءا منى، هناك حتما ما يذكرنى به، فلا أنساه. ولكن يتحتم على أن أضعه أحيانا، خلف ظهرى، لتسير الحياة، وأسير معها. أن يصير كل ما مضى، عابر سبيل علينا. لانستكين له، ولانستسلم. قطعا، هناك دوما، ما تكون أنت منه. وأيضا ما يكون منك. لكن، هناك فرق كبير، أن يصبح شئ أو ذكرى ما، جزءا منك، وما أصعب أن تكون أنت نفسك، شطرا لشئ، أو جزءا من ذكرى، تبقى لغيرك.. تشعر كنبتة صغيرة، تتعرض لعاصفة رعدية في صحراء، كما لو كانت، حاضرة عليك فقط. واجهت مصيرا، دون كل هذا البراح.. يُودى بها، إلى أسفل هاوية التفكير،.. أواجه هذا وأنا فى أكثر من عمل فى ذات الآن.. مفكرا فى هذه الأفكار،.. وعلى الرغم من روعة المكان، والبحر أمامى، إلا أننى كنت أشعر، أنى لست أبدا على ما يرام. كان هناك شعور غريب، أنه يوجد شئ ما، أولد منه.. أتعرض لإرتباك كبير، لا حصر له، كلما انتقلت خطوة، قبل أن أتمكن من متابعتى، لخطوة أخرى، فى أفكارى.. كانت رائحة الطحالب المتراكمة، مشبعة برائحة اليود الحية. تذكرنى برائحة بواقى أوراق الشجر، والنباتات الجافة، بجوار سياج حديقة قديم، ضرب له مكانا، في ظلال الأشجار الكثيفة، فى الذاكرة. لم أشأ أن أفرط فى إحساسى هذا، أو أترك نفسى لإنطباعات أصابتنى، عن الماضى. حريق. دخان. وضوء أحمر يتلاشئ ببطء.. أشعر بهذا ولا أراه.. ومع كل موجة من البحر، أسمع صوتا غريبا، بصوت عال، فى رأسى، ينادينى، لأكتب.. قبل أن أجد بابا لم أفتحه، من قبل. بدأت أتذكر، وبدا الباب منفتحا، سفرا إلى ماض بعيد، مع دوران ساعة، تذكرنى أن هذا شئ جديد. فكرة حملنى معها صوت أمواج البحر، لضجيج ذكريات، إنصبّت مثل عيون طوفان، ورأيت كل شئ يمرّ أمامى.. أتسائل، لعلها تكون رواية لم أكتبها بعد. لكننى أعرف نفسي حقا، وربما لا أكتب، الآن شيئا. ويصبح كل شئ مجرد فكرة عبرت، على شراع سفر فى الخيال. وبين الأدب شعرا وقصة ورواية، وبحور العلم والكون وجمال الفن، أقضى حياتى، مسافرا فى الوجود. وأتعود من نفسي، مثل هذا، فقد يمرّ عام أو آخر، ولا يصدر لى شئ. وسرعان ما أجد نفسي، وقد إنتهيت ربما من عملين، فى نفس الوقت، كما هو أمرى، من قبل، حينما أجد الزمن يمرّ، ثم يصدر لى كتابان أو أكثر فى نفس العام. وربما يمرّ وقت آخر عقيم، وربما يكون الامر مرده، لإنشغالى بأكثر من كتاب، أعمل عليه، وأتنقل بين أفكارى، من كتاب إلى آخر.. ليس المهم صدور كتاب، بقدر ما تجد نفسك حقا، وأنت تكتب. لا أكتب، لأكتب، إنما متعة الكتابة فى حد ذاتها، وأن يحيا ما تكتبه من بعدك. هكذا، عالم الكتابة معى، عالم فريد حقا.. عالم قلم غريب الأطوار.. تتنقل بين أفكار، وتفعل فيه أشياء عير نمطية،.. مؤخرا مثلا ضممت مجموعتين من القصص القصيرة معا، فى مجموعة واحدة، بعنوان إنتماءات غير موسمية، ولم أكن أفكر فى ذلك، حتى فعلت.. ووجدت الأمر أشمل لرؤى ومعانى. فإنتمائى فقط، لما أعتقد فيه، وأحب أن أقوم به، عاثرا على معنى لما أكتب. هذه متعة فكرية كبيرة.. وأنا بين هذا، وذاك أحدّق فى أفق المعانى، واجدا المسألة أعمق، وأجمل. ومن هنا، لا أستغرب من نفسي شيئا، حينما أشرع فى الكتابة. قبل أن تعانقنى أفكار جديدة، وإن لم أكتبها فعلا. لكننى، تعودت هذا، وأكسره فى أحيان كثيرة، بالتأمل، مكتشفا ماخفى عنى، من أفكار ورؤى. فلا عادة ولا منوال، بالمرة فى الكتابة. ويظل دوما حلمى، الذى يجمع شعث النفس، وتفرق الذات.. كأنى أسافر فى أشعة شمس دافئة، إلى دور التاريخ، وسكرة أفكار غير مكتوبة، أبحث عنها. تتدافع فى رأسى تفاصيل أضواء مصابيح وقناديل. وما إن تتملكنى، بدفء غريب، أصبح، شهابا مسافرا، بين النجوم والكواكب والأقمار، فى أعماق سموات بلورية. وتنحبس أنفاس توترى، أمام رغبتى المتوقدة فى المعرفة. وهكذا، لا تتركنى، إلا وقد ذبت فى تلك الأضواء المتلألأة، بلون الياقوت والذهب والعنبر،.. مزيجا، بلا إنتهاء، فى أرض غير الأرض، وسماء غير السماء، وكون غير الكون. انفصل عن كل شئ، باحثا عن المعرفة. بقلبى وروحى، وغارقا بعقلى، فى عالم آخر، بين المجرات. إنها معارف سامية، نسعى لندرك كنهها، وهى أعمق من أن ندرك حقيقتها، لنصل لذاتها. وعلى ضوء الحقيقة نجد أنفسنا.. لا أستطيع أن أتذكر عدد المرات، التي سافرت فيها فى الكون، غائبا فى فراغ محيطه، دون حدود. عابرا لجسد فان، حيث يمكن ألا يعود. هناك حيث منبع النور للعقل، والدفء للروح، بلا أبعاد. حيث تشعر كيف يمضى الليل، بهزيعه الأخير. وترى كيف تشرق، وتتوارى النجوم. شموس وشموس. من مشارق إلى مغارب. تشعر بملمس الفجر، وحريرة أنسام الأسحار. أستدفئ بعصر الوجود. لا شئ يضاهى هذا الشعور، مطلقا. لا أستطيع أبدا أن أصفه. إبحار وسفر إلى ملكوت المعرفة والعلم،.. وقراءة الكون والجمال، وروعة ودفء الكتابة.. يالعجز القلم، حينما لا يتوحد مع الروح والعقل، فى هذه الرحلة السماوية. ويا لعدم قدرة الإنسان، فى كون عامرة سمواته وأراضيه، بحياة بثها الله الخالق البديع القادر على كل شئ.. جلّ شأنه، وتبارك اسمه. تسبح  له السموات السبع، والأرضون السبع، وما بينهما، ومن فيهن. فتبارك الله الخلاق العظيم.
----------------------------------------
كنت أحادث نفسي أنه لاشئ يؤلم أكثر من الوحدة.. والحب هو الحقيقة.. الحقيقة هى الحب.. هو ما يجعلنا نتغلب على كل ألم وحرمان.. وقتما تحب تعرف حتما أنك تحب.. لأنك قطعا، لا تريد أبدا أن يغادرك هذا الشعور، أو يرحل عنك،.. هذا الإحساس الذى يجعلنا مندهشين، أننا قد وجدنا أنفسنا أخيرا.. وفى ذات الوقت كأننا ما زلنا تائهين، فى صحراء واسعة، لا حدود لها.. شعور ليس لأحد فيه من إرادة.. ولا حق فيه، إلا لمن أحببنا، فقط.. نعم، الحب هو الحقيقة التى نقف طويلا أمام أنفسنا، لنعرف لما، ومتى، وكيف حدثت،.. أين كنا قبل أن نحب.. نشعر بجمال غريب، حينما يمتلأ القلب به.. يجعلنا الحب، كذلك فى عيون من نحب، ومن نغرم به.. يهب لنا الأمل، حينما يولد فى القلب هذا الضياء، وتبزغ شمسه التى لا تأفل ولا تنطفأ.. ولو لم يكن كذلك فعلا، لتساءلنا لماذا لم يغرم الفؤاد، بعيدا عن سلطان العقل،.. نعصي كل منطق.. شئ عميق قوى، لا تفسير له.. ولا يحمى منه أى شئ.. لا أسوار تقف دونه، ولا جدران، تمنع عنه.. يعبر كل مستحيل،.. يتخطى كل محال.. لا تحتاج معه أبدا إلى شئ آخر، حتى لو لم يعرف من أحببت،.. أنك أحببته أو كيف أحببته، ومقدار حبك له.. بعيدا عن كل توقع تفشل أعيننا أن تخفيه،.. نفشل أن نخفى أنفسنا.. الحب، هو صوت الصمت، الذى يتغلغل فى كل شئ، ليصل، مهما كان من عوائق وعقبات.. يخترق الحجب.. لذلك لا نقول شيئا، إلا انها أرواح.. تشع هذا النور وذاك الضياء حينما نحب.. تتلاقى روحان لتصبحا روحا واحدة، فى جسدين.. من هنا يأتى الإشتياق الكبير والإحساس العميق بالفقد، والإحتياج.. كل منهما ينادى الآخر بصمت.. نداء روح، تستغيث شاكية، حرمانها من شطرها الآخر.. ولا يتوقف النداء، يتردد صداه مع كل لمسة حب.. مع كل خلجات نفس،.. ومع كل نبضة حياة.. كل طرفة عين، تسافر معها الروح، قبل الجسد إلى توأمها، مهما تباعدت المسافات، أو تناءت.. هو الطريقة الوحيدة، التى نستشعر بها طعم الحياة، ومعناها.. ولا نعرف قبله حقا، إن كنا موجودين أم لا..  فلا معنى للحياة أو وجودنا، قبل أن نحب،.. قبل أن نجد أنفسنا فى سبيل قدر، يجمع ما تشتت من روحين، من الأزل.. كل منهما ينادى الآخر.. يتمناه بكل جارحة.. تتمنى معه أن تكون اللحظة أبدا، دائما.. لا شئ غيرهما.. ولا شبع.. تود لو كانت تلك اللحظة دهرا، وتتمنى أن تكون كل ثانية زمنا، لا ينتهى.. تذوب فيها، وتنصهر المشاعر دون قيود أو حدود.. لا تعود منها نفسك، فاقدا ذاتك، فى الآخر.. روحان مكتوب لهما التلاقى،.. فى لحظة ما، فى تاريخ ما،.. أمر رغما عنى وعنك، لا صدفة أبدا،.. شئ يحدث مرة واحدة فقط في الحياة،.. تجد كل شئ من حولك، يتحول تماما فى عالمك.. تبدو الحياة مختلفة تماما.. تشارك فيه روح أخرى،.. كل ما تحلم به.. وكل ما تقوله.. كل ما تريد أن تسمع، أكثر من ذلك.. حتى آمال المستقبل، والأحلام.. لا يمكن أن نؤذي مشاعره أو نجعلهم يشعرون إلا بهدوء النفس، لتبدو ألوان الحياة أكثر إشراقا، فى صفو سماء زرقاء في الأفق.. ليعرفوا أنهم أصبحوا، جزءا من حياتنا، لا نود الإنفصال عنه، ما حيينا.. ما كنا نستطيع الإنتظار لنقول لهم ذلك.. لحظة غيبية، مقدر لها، أن تكون، بدون أسباب، حتما.. نكون معها.. ولا مستحيل مع الحب، ولا فوارق من أى نوع،.. تفقد نفسك وكيانك،.. وتريد وتتمنى صادقا، لو فقدتها مرة أخرى.. لذلك تعرف المرأة منذ اللحظة الأولى، وفى الحال، حقا الرجل الذى أحبها.. فقط، تعرف حينها، لمن هى تكون، واثقة به.. ويعرف هو.. تستجيب الحواس، والمشاعر.. يتلقى شطرا الروح أخيرا.. يسافران، قبل اللحظة ليسبقا الزمن، ليكون معا، كيانا واحدا.. لا نتسائل حينئذ كيف نحب.. لأننا نكون غارقين، فى هذا الإشتياق الغامر للنفس، وكل الجوارح.. إلى أقصى شئ.. إلى ما بعد الخيال، فى كل شهقة وزفرة.. فى كل ثانية تمرّ.. نحسد حتى الأشياء التى يلمسها شطرنا بيده، أو يقع عليها بصره، من حوله.. هكذا أشعر بوجودها، لا أتوقف عن التفكير فيها مطلقا.. طيف لا يفارقنى فى كل مكان.. نتمنى لو كنا فى مكان واحد، يجمعنا.. لا أحد فيه غيرنا.. نسمع كل حرف.. نرهف حتى للصمت، الذى يقول كل شئ، وينطق بم نحاول أن نخفيه،.. يصبح لكل شئ معنى.. ونتمنى لو بقينا مع من نحب، فى كل لحظة،.. الأنامل بين الأنامل.. اليد فى اليد.. العين فى العين..  شيئا واحدا.. جسدا واحدا.. روحا واحدة.. أن ينعقد الذراعان إلى الأبد، إلى آخر العمر.. 
------


تظل الذكريات نارا تحت الرماد. تنتظر كلمة تسمعها أو صورة تراها أو لحنا شجيا حزينا أو مجرد شرود بفكرة بعيدا...لنتذكر كل شئ فتشتعل نار العاطفة وتتأجّج من جديد لكن بحزن لا يمكن وصفه نحن وحدنا من نشعر ونتألم به. ولاشيء يؤلم كقلب ينبض حزنا.. تشعر أن ما بقى منك كجدار آيل للسقوط سوف يسقط من علّ بأى لحظة، فينهدم ويهدم تحته بقية منك تنبض بحياة بذكرى من تحب وتحيا بذكراه..  وتظل روحك فى إنتظار لحظة مجهول. ورقة شجر تنتظر أن تسقط فى مهب ريح خريفية عاصفة. إلى أن يعصف بك بعيدا إلى مكان مجهول حيث تختفى الذكريات.  وتوجع بصمت يصرخ داخلك. يعلو بوجدانك حتى تصبح بلا صوت.. تودّ لو تظل تنادي فى أفقك الحزين باسمه بين جنبات نفسك. يتردد حروفه فى كل كيانك ولا تنطق كلمة واحدة تنسيك ذكراه أبدا.. وتتمنى لو سمعت منه همسة تحملها الريح خلسة من الزمن.. تحمل منه ومن روحه ومن أنفاسه ما يحييك.. تستجدى نسيانا ولا تقدر ولا تستطيع مهربا، فلا تنسى أبدا ما يحيا داخلك وتعيش به. فتشعر أنك لازلت معدودا بين الأحياء بذكريات هى حياتك وفيها روحك.. تضيق نفسك وتكاد تختق يكاد يذهب عقلك ويذهل لّبك ولحظتها تتذكر. وحينما تشارف روحك على القنوط والياس تأتيك ذكرى بعد ذكرى تلّم بك. تجد نفسك فى دائرة تحيط بك وتأسرك. دائرة تحمل رائحته من حروفه وكلماته وتتعلق نفسك وروحك بمستحيل لا هرب منه. يتملكك كل شئ من ذكراه. يتردد داخلك. ينتزعك من كل شئ ويحكم قيدك فلا يطلقك أبدا.. فتظل سجينا فى كون ليس بكون وعالم ليس بعالم لأنه ليس به.. حينها فقط تكتشف هذا القيد وهذا الأسر الذى غدت به روحك.. سجن تدور فيه وليس لك من سبيل لتكسر قضبانه من ذكريات وآلام تشق ما تبقى منك حيا كل لحظة.. ولا حدود للألم والحزن يهويان بك إلى مكان سحيق من الوجد.. وفى نفس الوقت يأخذك حنين وافتقاد  يسلبك ما تبقى من كيانك. وإلى هذه الدرجة وأكثر .إفتقاد وحنين روح لمن تحب. فلا تشعر بشئ ولا تريد شيئا .. فأنت فى كون وكل البشر وما حولك  فى كون آخر. وتحب وحدتك وعزلتك وانفرادك عن الناس كل الناس رغم أنك تتألم وتتعذب بذكرياتك. تصطلى بنار وجدك وحنينك وشعورك بوحشة من تحب ، فلا معنى ولا حياة إلا به. دون تفسير ودون منطق معقول إلا منطق هذا الأسر الذى وقعت به وقيّدك.. وهنا يكمن مصدر العذاب و الشعور بتلك النار التى تنصهر فيها ذاتك. فالروح تفارقك إلى من تحب ولا تعود. تنتزعك بقوة  إليه.. ولا تستطيع صمودا أو مقاومة. حينها تجد نفسك تناجي كل شي أمامك حيا كان أو جمادا.. وربما تتمنى لو كنت بأفق آخر ليس به ذكرى ولا ذكريات.. وتتمنى لو لم يكن هذا مستحيلا.. حتى لا تتألم بهفو روحك إليه رغما عنك.. رغم أن هذا يشعرك بمعنى وقيمة الحياة وقيمة من أحببت.. ولا يمكنك المجاهرة بسر حزنك.. وربما تكون أنت لدى من أحببته مجرد ذكرى لا يشعر أبدا بألمك هذا... كم عانيت وكم تعاني.. هو نفسه عانى ويعانى ربما أشد مما وقعت فيه أنت.. وتظل الذكريات ..ونظل نتعذب معها وتعذبنا فلا تطلقنا أبدا من قيدها.. وتظل دائما نار تحت الرماد .. لا تخمد ولا تهدأ...
------------
أليس ببشر يحبّ؟ ذات مرة حملته ريح قوية.عصفت به. ألقت به وحيدا بقدره. بعيدا يحتضر يردد اسمها بين شفتيه. ينتظر موته. كادت أنفاسه تذهب به هناك حيث جُدر مستحيل حديدية. تعصف به ريح الوجد مرة بعد مرة. تلقى به إلى سطور لا تنسيه حبّا إستغرق كل ذرة منه. توقدت بفؤاده جمرة الإفتقاد والوحشة. إزدادت إشتعالا. يحوم فوق رأسه طائر الموت. ينتظر غفلته عن نطقه باسمها حتى يأخذه. يكفيه بصيرته بها. يردد حروف اسمها ليعلم أن به بقية تنبض بحياة. بقية من حياة لا ينساها فيها بليل ولا نهار. أليس ببشر يحبّ؟
حبّه ليس يعرفه البشر.. فمن أحبّ ليس مثل بشر. ليس فى حبه يشبهه بشر. سلبته روحه. عقله. كيانه. لا يشعر بحياة. مكسورا مهزوما من مستحيل لم يرَ فيه حياة بعينيها. صرخ مع عصف الريح تبّا للمستحيل.. لم يتوقف عن مناجاة. يوّد لو رحم نفسه من حبّ غمره و أغرقه.  " أهو قدر طهورا . أم هو عذاب فوق العذاب؟"  
لم يعرف مرارة الدموع من قبل. لم يدر أن لها نارا أحالته شبحا . شقت بجدران قلبه أودية حزن تأسر نفسه وتذروه كسراب. لا يريد حديثا مع أحد. لا يريد أن يرى أحدا. لا يريد سوى طيف أسلمه لجنون. امتلك روحه ولم يأذن له. سرق فؤاده. كان بغيب لم ينتظره. سهم قدر إخترق وجوده. يتعذب به بقدر ما تعذب أحد فى حياة. حب مستحيل..أتسلل فى ليلة شتاء فى دفء مسّه فلم يره ؟
أكانت نسمة هواء مست قلبه؟لم يدر كيف .. أو متى تفجّر نهر الحبّ داخله ؟ أهى حياة قبل الحياة؟ أهى نور غشّى روحه فتلاشت معه؟ هو ليس بهو. لم يكن قد ذاق طعم دموع طهرته من أنه لم يحبّ يوما. لم تكن قبلها حياة. " ماذا ألمّ به ؟ ما أصابه ؟ .. ليست هى عيناه التى يعرفها أحد. ليست هى ملامحه التى يحفظها.. ليس هو هو. ماذا حدث له ؟ "
هرب من كل إجابة. لم يعلموا إصابته فى كيانه. صمت.. صرخ باسمها قلبه. يعلم أنه لا شفاء . قدر له موت بحبّها يكتمه. يفتقدها كل الفقد. أشغفته حبّا هجر معه كل شئ .أنّى لمكلوم يبّث حبّا ؟! أنّى لمحروم حياةً يشعر بغيره؟!. لا يدرى شيئا حوله. زائغة نفسه. تائهة. شريدة عيناه. هائم فى ملكوت روحها . يدور فى فلكه. شدهته نزعات إليها. فشلت محاولاته فى النهوض. صهرته، لا هو ميت فيستريح. ولا هو حى ليهرب من مستحيل. يتمنى موتا يستجديه هربا من مستحيل كلم به. يتمنى ويتمنى.. لو ريح تعصف به تذروه هباءا على قلبها. أى حياة بدونها. أى حياة...!كم هرب مرة ومرة قبل أن يغرق. كلّم كل شئ عنها.  ناجى مستحيلا يخترق الحجب. لما لم يكن شيئا مجرد شئ .. فلا يحبّ؟!
لما لم يكن هواءا. رمالا. شجرة. نبتا. حجرا. ليته كان حتى زهرة صغيرة...  تيها لا رجوع منه . إنسانا لم يكن له ليحبّ.. يصرخ فى فضاء لا يسمعه أحد. حجبه صمته عن كل أحد . لا شروق له إلا شروقها. لا غروب إلاّ  له . أى عذاب هو فيه.. أى عذاب. يلتفت كأنه سيراها. يستشعر روحها حوله. تذهب عيناه مع الأفق فلا تعود.  يغتسل بنورها. يذوب بنطق اسمها. تلهث أنفاسه وراء أسراب الطير " أن خذينى معكِ لأراها ثم أموت".. ناجى حبّات المطر لتأخذه إليها. يحتضر بطيفها.  يتمنى موتا يحرره و ما هو بمحرر .. لم تكفه دموعه ليتحرر. لم يزده إفتقادها إلا وجدا يهيم به. تشردّ بحلمه . يموت بيومه ألف مرة. وما هو بهارب من وجد.قتلته مناجاته.. أهى دعوة له ليتعذب ؟.. أهى قدر فيرضى ؟! 
كتب عن الحبّ ولم يعرفه. فلما عرف الحب كتبه الحبّ.. جعله المستحيل عند من أحب مجرد ذكرى ..
---------------------------------- 
الصمت.. 
الصمت إحساس لا يتكلم به إلا من أحب مع من يحب. يخشى عليه. ويغلبنا الصمت ليس مع كل أحد. الصمت بوح لنفس صادقة. الصمت شكوى.ألم. عتاب.
الصمت أقوى حديث وأخلص كلام وأجمل لغة. يفهمها القلب فقط ويتعمق في معرفة حروفهـا ويعبّرها. يغني عن كل لغة وعن كل كلام. نسترجع مع الصمت ماضٍ وذكريات.  حتى أننا نردد كلمات من نحب. قد نضيق ذرعا  وغيظا و ألما وقد يقتلنا صمتنا ويظل جرحنا يدمي وتضيق علينا الأرض رغم فرصة العتاب.. ومع ذلك نردد كلماتهم فى صدورنا ويتردد صداها  ما حيينا.
قد يتهمك من يحبك وتصبر على تجنيه. ربما يصفك أو ينعتك بما يؤلمك. وربما لاشيء يؤلمك قدر صمتك. فلا نؤلم من نحب. علمنا الصمت ألا نكره أبدا. ونظل نصمت ونغرق فى صمتنا. وندخل دائرة الصمت وتتسع بنا وتطبق علينا لنغرق في دائرتها أكثر مع بكاء روح غدت بلا روح. فكم غلبتنا دوامة صمتنا طويلا. الصمت لغتنا نعبر بها. نقول بصمتنا ما يذهب بعيدا ويخترق حجبا وآفاقا.
وأحيانا نحتاج لمن يسمع لنا، ومنا، صرخة الصمت التى تدوى بين حنايا الروح. نود أن يذهب صداها بعيدا فى الكون، بأمان لتنطق عن الروح، بكل شئ لأرواح أخرى مثلنا، دون كل البشر. 
وصدى الصمت يقتل  الروح ذاهلة، قبل أن تنتحر تحت صرير القلم، باللامعقول، وبسجن كلمات لا تتحرر منه الروح إلا بالموت. ويقتلنا أكثر خجل لا يعلمه عنا، من يقرأ لنا حرفا، أمام مما يعترى النفس من نوازع، لايعرفها إلا نحن. نهر كبير من تيار الوعى واللاوعى أثناء الكتابة، لا تستطيع أن تتحكم فيه فتعود لتدسّه فى رأسك، وعقلك مختزنا إياه لنفسك فقط. بقدر غريب فى زمن غريب، تصبح فيه الأفكار ظلالا لحروف لغة، لو نطقت بها أو كتبت مجرد طرف منها، لنطق الحجر، من فرط الدهشة أمام قدرة العقل لا يظهرها إلا الكتابة فعلا. لكنه الصمت، فلا يصبح هناك إلا محاولات فاشلة لهروب الروح من عصف قلم جامح، وفى النهاية لا يراها منا أحد. فلا يكفى بحر واحد نتوارى خلف أمواجه، ولاسماء غائمة تخفى منا كل شئ، عن أعين متربصة، بما حتى فى الضمير، أمام قارئ لا يعى  ما يقرأ، ولايدرك ماهية الكتابة. 
وداخلنا أبحر وأبحر، لايعلمها أحد، فكم ما أكتبه لنفسي، ولى ما أستظل به من الحزن والألم. سكينة ونور فى ملمات الأمور. وكثيرا إن لم يكن دوما، نتمزق مع القلم، فى كتابة الروح نفسها وما يدور فيها أثناء الكتابة. معادلة صعبة، بين هدوء وتمزق، ثم بركان أوعاصفة، من الكتابة.
وهكذا نظل حائرين مع شلال الأفكار، لا نمتلك أمامها شيئا إلا أن ننصاع لها بالروح، ونستسلم لها بالوجدان يحملنا معها الصمت تارة، والحديث مع النفس والقلم تارة أخرى، فى إنتظار طويل، بين جدران صمت، نسمع وحدنا أصداء الروح صارخة، فيها. 
ونهاية الأمر لا البحر يبتلع الرغبات، ولا السماء تنطبق على الأحزان والآلام فنتخلص منها. ويبقى الألم، وسيلة للسفر وراء مجهول الكتابة وما لايعلمه، ولا يقرأه أحد. ونظل نحتفظ به فى سطور الروح نحن فقط من نقرأه، لا حق لأحد فيه . ولا يظهر من صداه،  إلا الصمت.
--------------------------------------------------------------------------
الألم..
لكل شئ ألم. للصمت ألم. للإنتظار ألم. للذكريات ألم. الحياة بدون نور ألم. ترقب ما لا يأتي ألم.. للوحشة ألم. العودة إلى الماضي ألم. المستحيل ألم. الحياة بدون روح ألم. أن تكون ولا تكون ألم. الألم أن تتلاشى فى أسى. أن تغرق فى حزنك. أن تغيب عيناك وراء أفق بعيد كل لحظة. أن تصبح الثانية دهرا. ألا تعرف نفسك أو تتظاهر أنك ما زلت حيا. ألا تعرف تعبيرا عن ألمك. ألا أحد يعلم قدر ما بك من ألم. ألا تعرف ما أصابك. أن يسألك أحد ماذا بك؟ ولا تستطيع أو تعرف كيف تجيب ألم. لكل شئ ألم. إفتقادك لروحك. أن تعيش بذكرى أحد. إشتياقك لروح. هفو الروح لروح. رحيل الروح لما ليس لها أبدا. عجزك. قهرك أمام آلامك. محاولات لا تجدي أمام ما تبقى منك. يأسك أن تعود كما كنت. أن يحتل غيرك جنبات نفسك .. ألم. ألم أن يعاندك القلم ويعصاك. أن يعلن ما بك رغما عنك. أن يسلمك هكذا وأنت تنظر. أن تخونك إرادتك. أن تظل تتحدث بما فى نفسك .. عمق الألم تذكر الرحيل والوداع. جبر النفس على النسيان. صراع النفس بين محاولة التناسي والنسيان . أن يظل بك ما لن يغادرك أبدا.  قمة الألم محاولة فاشلة للنسيان مع بقاء ما لا يمكن تناسيه. الألم يسكننا ونسكن نحن الألم. الألم هو نحن.. ونحن هو الألم. ومع هذا كله ، نحقق المستحيل بالألم  .
-----------------------------------------------------------------
الجمال ..
لا يعرف كثيرون كيف هو جمال الماضى وروعته، عندما تنقله أنامل الفنان. عصور مضت وتفاصيل فنت من الواقع. سجلت لحظاتها ألوان وظلال.. وإستخدام للضوء لا يمكن أن تراه، إلا فى مثل اللوحات الزيتية.. لانعرف إن كان هو الضوء الذى يظهر الألوان، أم الألوان هى التى تظهر الضوء. وتسمع فيها موسيقى من نوع خاص، لتحيي النفس، وتسافر فى الزمن.. كثيرا ما قضيت وقتا على فترات متباعدة، فى تأمل مثل تلك اللوحات المدهشة. مدن ومناظر طبيعية ومشاهد إنسانية وبورتريهات بشرية ووقائع وأحداث. أحتفظ بها.. وكم أهدأ كثيرا عندما أعيش فى تفاصيلها وألوانها. ترينى أماكن لم أرها، وتحيينى فى أزمنة لم أعشها. كم هى دهشة أن أرى الشرق قديما. كل شئ أعيش تفاصيله. أنظر للوحة كأنى فيها.. الألوان. الأشياء. الخلفية. السجاد. الستائر. الملابس. الأثاث. ملامح الوجوه. الحركة.. كل شئ يتناغم فيما بينه بألوانه ومكانه وأتناغم فيه، متنقلا بين تفاصيله المدهشة، وأنا جزء منه.. هدأة وسكينة وإحساس، لا يشبهه إحساس.. وحتى اللوحات التى سجلت مشاهد لأوربا فى العصور الوسطى.. بصرف النظر عن الدين والعقيدة.. رأيت ما سجلته أنامل الفنان لمعابد وكنائس وشواهد قبور إستوقفتنى كثيرا. من لم يرَ فلورنسا وبيزة وجنوة وغيرها من مدن إيطاليا فى هذه الفترة لم يرَ جمالا لعمارة ولا شعر بجمال الفن وروعته .. هذا موضوع كبير لا يكتب فيه أسطر.. يحتاج لسِفر بمفرده..
أما عن البورتريهات وحكايات الفنانين الكبار معها، فمشكلة فكل كان له ملهمة.. ويكفى أن يقع بصرى على لوحة، تسرقنى من نفسي، وأتمعن وأضع نفسي فى نفس اللحظة، التى رسمتها فيها يد الفنان، بروحه ودمه.. لا يمكن أن تشغلنى تفاصيل الوجه فقط، ولكنها تصبح تعبيرا فى مجمله، ترى من خلاله روح الفنان وروح العصر .. جمال وروعة ..
وربما ألهم الفنان مكان، أو لحظة تاريخية .. ومن ذلك اللوحات، التى سجلت الحروب الصليبية. وقد جمعت منها كثيرا من باطن المراجع والمصادر القديمة، حتى كدت أسمع رحى الحرب، وهى دائرة، وأسمع هسيسها.. لوحات قبل أن تعطيك الروعة، فى تفاصيلها، فهى تأسرك برهبة، تتسلل إلى كل كيانك.. كم اتمنى أن أرى كل ما أبدعته يد الإنسان، الذى سجل روح الإنسان الحقة..
وأحيانا لا أصدق نفسي وأنا أحيا فى مثل تلك اللوحات، التى تأسر الروح. تصبح أعظم من الرواية والشعر، وكل فن أدبى .. فهى تطلق عقال العقل، وتفك أسر الروح.. لا أنسى أبدا اللوحات، التى سجلت القدس قديما، أو كما يسمونها أورشليم، وكما نسميها نحن بيت المقدس.. حتى سيناء بطورها وجبالها وشعابها وأوديتها.. رأيت تفاصيل قديمة مذهلة لها. لم يرها كثير من المصريين، ولا توجد إلا بين دفتى الكتب القديمة، بروعتها وجمالها وروح عصرها.
وعلى رغم أن للوحات الزيتية سحرها، وللصور الفوتوغرافية القديمة جمالها، إلا أن هناك فرق كبير ببين جمال كل منهما وسحره..  بين الظلال والنور، والأبيض والأسود، بكل التباين والتفاوت والإختلاف، فى الدرجات .. فهذه شئ، وتلك شئ آخر، ولكل جماله وعبقه ..
أما عن مصر بقاهرتها ومدنها خاصة أقليم الصعيد، فقد وقفت على شئ من ذلك كثير، فى الكتب القديمة، خاصة كتب الرحالة.. يذهل له من يراه، ويتمنى لو عاش فى هذه الفترة من الزمن، ورأى تلك التفاصيل.
أما عن الثغر .. الإسكندرية بتاريخها، فلا حديث يجدى عنها إلا مع رؤية تلك اللوحات فعلا، التى سجلت ما فيها.. ثم مع بدايات التصوير الفوتوغرافى، ومع وجود الجاليات الأجنبية فيها، سكنا وعملا ورحلة. التى سجلت سحر وجمال الإسكندرية، آنذاك. فقد رأيت الإسكندرية منذ ما مضى .. ورأيتها منذ قرون غبرت .. ولا يمكن وصف إحساس الإنسان وشعوره، وهو يرى مدينته منذ مائتى عام مثلا.. كل ركن فيها .. كيف كان .. 
من لم يحب الفن، ويرى مافيه من جمال وروعة، فليس يحيا بشئ.. الجمال كما هو موجود فى الطبيعة، بقدرة وإبداع البارئ البديع.. فقد منح الإنسان من جنسه، ما يعطيه جمالا تسخيرا له من الله، وفتحا للعقل البشرى، الذى أبدع بقدرة الخالق، لما تراه الروح لا العقل فقط.. شئ لا يمكن إلا أن يشبع جميع الحواس والجوارح، فتستكين معه الروح، وتهدأ .
----------------------------------------------------------------
 فى عدة مقالات، وضعت فيما مضى بعضا من شجون الكتابة والكتب، وبعضا ممّا حٌفر فى ذاكرة الطفولة، إلا أنه بين الحين والآخر، تنازعنى الرغبة فى تسجيل ذكريات ووقائع، مرت فى حياتى، فى عالم الأدب والكتابة.. وفى غيرها من شئون الحياة.
وما أزخم الواقع بما نقابل فيه، من تجارب وأحداث وأناس وشجون، وأشياء تفوق خيال كل أديب وكاتب، حتى الإنسان العادى، سلبا أو إيجابا على حد سواء. ففى كثير من الأحيان، نقابل من يترك أثرا طيبا وقويا فى النفس، أو نقرأ كتابا، ممّا يظل صداه فى الذاكرة، وعلى الروح، ولا يمحوه زمن. 
ولا شك أن كل إنسان،  كان هناك من كان له التأثير القوى على عقليته ووجدانه، من بشر، أو أحداث مرت به، أو من كتب قد قرأها.  لكن فى أحيان أخر، وعلى الصعيد الإنسانى، قد يقف الإنسان أمام ما مضى من ذكرى  حدث، أو شخص ما مذهولا، ويتسائل كيف حدث ذلك؟ ومتى حدث ؟ وسرعان ما يجيب منطق العقل، أنه كان غائبا حينئذ، كمن قرأ كتابا سطحيا، ويكتشف أن مرد الأمر كله، كان لمجرد إنطباع خاطئ، جانبنا فيه صواب  الحكم على الأمور، من ظاهرها. 
ومن هذه الأشياء يتعلم الإنسان أن الصواب، ألا يحكّم انطباعاته الأولية، وأحاسيسه ودوافعه النفسية، فى الحكم على البشر، وعلى إختيار الكتب، لأنها كثيرا ما تكون كاذبة.. خادعة للنفس. وسرعان ما يكشف الزمن النقاب، فتتكشف لنا مع الوقت حقائق أشبه بخيال قلم جامح، مما قد يصل فى أحيان كثيرة إلى إتهام أنفسنا بالغفلة، وعدم الحكم الجيد، على من نتعامل معهم إلى حد الثقة، أوعدم التقدير للموقف على الوجه الصواب، كإختيار كتاب قرأناه لمجرد العنوان، دون نظرة ثاقبة للعقل فى موضوعه. ومن هذا الباب نستطيع أن نصنف من نقابل فى حياتنا، ونتمكن من تحديد ماذا نقرأ. وهى مقدرة تتنامى مع مرور الزمن، وإزدياد الخبرة فى الحياة. 
والأغرب،  أنه حين نصل إلى ما أشرت إليه آنفا، ربما نقف متأخرا على حقيقة مرّة، تتعلق بمن تعاملنا معهم ذات يوم، إذ نكتشف جهلنا بهم، وأن ليس لنا من معرفة حقيقتهم شيئا فعلا، سوى  مجرد إسم لشخصية، لا نعرفها البتة، كعنوان كتاب أجوف معناه، مهترأ مضمونه، لا تصبح قرائته إلا هدرا للوقت، فندعه بعد قراءة عدة سطور، معدودة . شئ هلامى، لا نعرف له ملامح، تحمله الريح هباءا، ولا يتبقى منه شئ، إلا درسا للنفس، بعدما تقودنا صدفة ما وقدر عابر إلى معرفة ما لم نكن نعرف، من قبل. أوتقودنا القراءة والتدبر، لسبر ما غمض عنا. وبالفعل نقابل  هذا الصنف، أناسا فى الحياة، ونقرأ من هذه الشاكلة كتبا، لم يكن لها منا إلا إستنزاف روح، وإستبدادا بانطباعنا الأولى، الذى تكوّن لدينا بالفطرة أول مرة، فلا يسمن منها شئ، ولا يشبع من جوع. وهى الفطرة نفسها، والغريزة ذاتها، التى تجعلنا ننأى بأنفسنا عنه مثل ذلك تماما، فيما بعد. وهذا نوع من الناس وصنف من الكتب، موجود فعلا حولنا، نكتشف معه أننا نعيد إكتشاف الواقع من جديد. وما أشبه الناس بالكتب، وأشبه الكتب بالناس، صنوان بكل الدرجات المتباينة. وقد كتبت مؤخرا قصة مستقاة فعلا من وجه الغرابة هذا فى الحياة،  بعنوان (الرحيل شرقا)، وهى أشبه برواية حداثية.
وعلى العكس من ذلك، فهناك الجانب المضئ، وهو والحمد لله الغالب سناه، مما يشكل الجانب الإيجابى فى الحياة، فيمن نقابل أو نعرف فى الحياة، أو نقرأ، تاركا علينا بصمة، لا تنسى أبدا. ومن ذلك، يتشكل وجدان الإنسان وكينونته، وأسلوبه فى التعامل فيما يصادفه بعد ذلك، مع من يحيط به، وما قد يواجهه فى حياته مستقبلا، وما قد يقرأه من كتب.
وعلى محور آخر، وبعيدا عن عالم القصة والرواية، وما قد يستقى منه الأديب روحا نابضة لعالمه الأدبى، فهذه ثلاث مقالات طويلة من باب السيرة الذاتية، عن أناس عرفتهم فعلا، وتعلمت كثيرا منهم، أوعن مفكرين وأدباء وكتّاب قرأت لهم، مما كان له أثرا كبيرا فى حياتى، وتأثيرا قويا فى تشكيل عقليتى وتفكيرى. ولا شئ أبدا مثل الكتب والقراءة، لتحديد منهج وأسلوب فى الحياة، تصبغه بروحك أنت، مع الوقت، حتى تتفرد بما يكون لك نسيج وحدك، وفريد شخصيتك وأسلوبك. ولا ريب، أن هذا لا يأتى من فراغ، أو دون وعى. إنما روح الإنسان الحقيقية تنصهر فيها من مثل تلك الأرواح التى تتوهج بالمعرفة والنور. وتفتح أفاقا لعوالم، ما كنا ندرى أو لنعرف عنها شيئا، دون تلك الأرواح.. أقول، لا الأجساد. وهناك بالفعل من هذه الكتب، ما لا أنساه أبدا، على مختلف مشارب ودروب أصحابها، كما شبهتها  فى مقال سابق بالمدن.. وهى الكتب التى لازال تأثيرها إلى الآن، على النفس والروح، بل وكثيرا ما أعود لها من حين إلى آخر، كمن يعود إلى الوطن، فالكتب حقا مثل الأوطان، كل منها لها سماته وأريجه وبصمته الدافئة، بل وذكراه على روح الإنسان. تماما مثل الأرض، كل منها له نباته بعبيره الخاص، وجذوره التى تضرب فيها. لكن ليس كل أو أى كتاب نطلق عليه ذلك، أو نصفه بمثل ذاك الوصف. وهى متعة لا يعرفها إلا من ذاقها فعلا، وخاض غمارها، إلى حد الإستغراق فى دفئها. وبعيدا عن طقوس القراءة، وعاداتها، فالقراءة نفسها، كنز للإنسان لا ينفذ، ومعين لا ينضب. بل قل إن شئت، أنها الطقس الأول لكل أديب حقيقى. ولا أتخيل أبدا أن يستطيع أحد ما أن يحيا، دون أن يقرأ، منتهلا من جدوالها الرقراقة، خاصة ما خفى من دروبها، بعيدا عن سقى الرعاة. ولا يقف على النادر من الكتب وأكثرها قيمة، إلا كل باحث منقّبّ وصبور جلد. وسواء هذا أو ذاك، فهى شجون وأشياء من أدب السيرة الذاتية، لعلى أجمعها ذات يوم فى كتاب، يجمع شتات تجارب الحياة من جانب، وشجون الكتابة والكتب وذكرياتى معها، من جانب آخر.
(وبمشيئة الله تعالى نتبع ذلك بالمقالات الثلاثة.. والأول: منها بعنوان "العقل وتكوين الشخصية - هؤلاء عرفتهم وتعلمت منهم")
---------------------------------------------------------------------------
(كيف لا تصبح فيلسوفا؟) 

-------------   خالد العرفي
خانتنى الذاكرة، هذه المرة، فلم أتذكر أين قرأت، منذ زمن، أن الفيلسوف الحقيقى يظهر ما بين الأربعين والخامسة والأربعين، من عمره. 
حقيقة الأمر، لم أشأ البحث عن مصدر هذه المعلومة، التى سكنت رأسى مؤخرا.. ثم ألقيتها بعيدا. أقنعت نفسي أن من قالها فيلسوف فاشل، وإلا كنت قد تذكرت اسمه، بسهولة. بالطبع ليس ديكارت ولا جان بول سارتر، ولا أشباههم.. الدليل الأرجح على الصواب، كان فى يدى. فقد أكملت الخامسة والأربعين، هذا العام.. ببساطة شديدة، إنتصف عقدى الخامس، ولم تظهر على أية بادرة لفلسفة ولا أيضا أشباهها. شئ محزن ألا تصبح فليسوفا، فى هذا العصر.. ولم تكن من قبل حتى تعرف، ولا من بعد، لتتيقن.. طبعا هذا شئ مقلق للغاية.. لكن يحب ألا تقلق، فى هذه المرحلة العمرية من حياتك.. كيف لا تصبح فيلسوفا؟
الأكثر ترجيحا، أننى وأنت لن نكون، فى يوم من الأيام فلاسفة. ويزداد الأمر قلقا، مع تقدم العمر، إن كان.. فليست مشكلة كبيرة أن عدد الفلاسفة سوف ينقص، واحدا.. أو أن أحد العرب أو العجم لن يقرأ  إتجاها فلسفيا جديدا، فى القرن الواحد والعشرين.. عن نفسي لا يتعدى نصيبى من الأمر سوى حب الحكمة.. وتلك لم أطلها هى الأخرى، مطلقا..  
وما الحل إذن فى تلك المعضلة، سؤال تافه، وغير مجدى بلا شك.. بالطبع لا تشغل بالك به، أو أن تجعل مثله يدور فى خلدك. وأنصحك ألا تفعل، فبما ستفيدك الفلسفة؟.. وأرجّح مرة أخرى ألا تنشغل بمثل تلك الأمور، واتركها، واحتفظ بعقلك.. لا أقول لك افعل مثلى، فأنا لا أعتنق مثلا الكتابة فى الأمور السياسية.. وهذه طبعا ليست بفلسفة أو بحكمة.. لأنك لو فعلت سنكون إثنين، فى هذا الوطن.. وأنا أحب ألا ينافسنى أحد، فى عدم إنشغالى، على الأقل بعدم المبالاة والكتابة من حيث قلة الفلسفة، والسياسة..  
من هنا ربما نعرف سبب لماذا تأخرت أمارات الفلسفة فى الظهور.. وماذا كنا سنفعل بها؟ فليأتى عامك السادس والأربعون إذن، ولا تكون فيلسوفا.. فماذا أعطى أفلاطون ولا أرسطو ولا سقراط، وغيرهم..... للعالم؟! 
وهل لأن تكون كاتبا يجب أن تقرأ فى الفسلفة أو تكون فيلسوفا؟ 
هذه أشياء تافهة وعقيمة، لا تنشعل بها.. إعتنق أو لا تعتنق شيئا! ورحبّ بعقود عمرك ومنتصفاتها، وابتسم شريطة ألا تنتظر رأى مثل من نسيت اسمه.. فقد تكتشف أنك الوحيد الفيلسوف، وأنت لا تعلم! فقط إحتفظ بفلسفتك بنفسك، لنفسك. ومن عدم الفلسفة أن فى ضحوة هذا اليوم الصافى ضوئه، لم أستسلم لإغراء جديد، فلم أضع شيئا.. كانت كل القواعد والمبادئ مكسورة من حولى، كان كل شئ ممكن. كل شئ يقول وينطق بذلك.. إذن، لن أفعل شيئا جديدا..، أجل، لن أضع، هذا اليوم، قاعدة جديدة أكسرها، كما أفعل، دوما. أعرف جيدا ما أستطيعه، وما لا أستطيعه.. إذن، لايجب الإقدام على عمل ثان فى نفس الوقت،  أليس كذلك..؟ هكذا دائما أحذر نفسي. ودائما، فى كل مرة، أخالف ما أضعه من قواعد، ساخرا من نفسى. أحادثها، ضع القاعدة كى تكسرها، لا شئ  ثابت أو صلب، فالقواعد دائما يتم مخالفتها.. بالطبع، هذا أفضل من لا شئ. الأمر هكذا أكثر إثارة. هذه هى القاعدة الدائمة، التى لا أخالفها..، خالف كل شئ، ولا إستثناء. تلك هى العلاقة الوحيدة الغريبة، التي أقمتها فى سنوات حياتى، مع الأشياء من حولى.. فأكتب، أو لا أكتب.. ودائما القراءة هى الفائزة. هذا هو الإستثناء الوحيد.


رهبة الذاكرة ** مقال
----
نجد تلك الرهبة، أمام ما للذاكرة، من سلطان.. لا نعرف بالضبط متى نتخلص، من صورها.. أو لِمَ تظل قابعة، فى ركن ما طويلا.. فى زاوية خارج نطاق الأنظار، لا تعترف بزمن، كذاكرة مفقودة عند مفترق الطرق.. يوثقها هذا التيه الذى نقع فيه، ونحن نعلم هذا تماما، كمن يرتمى فى أحضان عباءة ليل، لا نتصور حتى فكرة، أن تستمر هذه الصور، على هذا الحال.. تعيش فى مجرى الذاكرة، مغروسة فى الذهن، ما إن يفتح باب لها، فلا نعرف كيف يُغلق، ليقف تداعيها.. لا تقبل نسيان، أو محو.. نعود إليها بإستمرار.. من الصعوبة ألا نتأثر بعمق، وألا يغمرنا رضا بتجاهل شخصية، باتت كظل، ولم تكن تفصلنا أية حدود عنها.. عفى عليها الزمن، لا نعرف أتصبح داكنة مع مر الأيام، وتسير إلى إنحدار بطئ وتلاشى حتمى، أم تظل مشهودة لنا، وقائمة فى زمن معلق، أم تصبح نابضة بالحياة،.. تبنى ماضيا منسيا، وأماكن باتت مجهولة، إلى حد نسيان، مجرد وجودها فى الذاكرة، وساهمت فى إفقادها.. أمام حاضر مُنهك، بذكرياته.. شئ هزلى، يفقد كل معنى، ويتقاسمه. وهكذا، وبكل ببساطة، نظل فى الواقع المهتز، فى صورته الأصلية،.. وبتدرج قاس، حيث يتغير صوت الضجيج، وإلتباس، وحنين إلى الماضى.. حيث يشبه تذكّره، قراءة مضمون نص، غير مندهشين من نبرته، أو نسينا معناه،.. أصبح غير ذى معنى، إلا من صور مكدسة، صامتة على جدران باردة للذاكرة.. حيث يتوقف الوقت، فى محاولتنا للتخلص منها بالنسيان، تارة. ومحاولة غلق أبوابها، فى العقل، تارة أخرى. فى عزلة أكيدة، وبعيدا عن كل خيال، قد يُودى بنا، إلى أن نُقصي الحياة، لمجرد إغراء صدى مشوش وغامض، كما لو إنعكس فى مرآة منفى، لا نراها. نتوق، لأن تبقى ذاكرتنا فى فراغ، من الأفضل أن تبقى للأبد فيه،.. ألاّ توجد وسيلة لإرجاع ما انهار منها، مع مرور الزمن.. قبل أن تظهر من جديد، طالّة برأسها مرة، بعد مرة، ونصبح لها رهناء، سجناء.. بأن تنتابنا قوة إصرار دفين ، للإستمرار، فى إقتفاء أثر ما، تفتحت أمامه أعيننا، لأول مرة، فى حياتنا، كأنه، هدهد لنا طفولة حياة.. هنا نقع فريسة لتلك الصور، التى تكونت فى الذاكرة، وتأبدّت بها.. لا يمكننا تفاديها، نخفق مرة بعد مرة، إزاء محاولات محوها، والقضاء عليها بالنسيان.. وإن لن نلتقى بها، مرة ثانية أبدا.. وكأن قدر للإنسان، هذا السجن، من الذكريات والآثار، ماثلة هناك، فى هذا المكان المسمى، بالذاكرة.. ويتطلب الأمر، مرور سنوات طوال، نترقب لحظة النسيان.. فى إختبار لأنفسنا، هل ما زلنا قادرين، على تتبع كل ما تبخر، من أثر حقيقى، لتشكيل مشهد ما مضى، من حياتنا، ممّا صار كخيوط واهية، مفرقة بين عديد، من صور ذاكرة.. ومع هذا الفقدان.. قد تنعدم تلك اللحظة الحاملة لذكرى.. حينما تضيع اللغة، وتتبخر الكلمات، ويخفت مذاق المعانى.. حين يتكرر إسم ما، كان يعنى شيئا لنا، فيما مضى، فلا تكون، حينئذ، بمثابة إعادة احياء ذكرى ما، يتردد صداها، فى الروح.. بقدر ما يدل على حجم النسيان، المفروض أن يكون للذكريات الأولى.. والكلمات الأولى.. للخطوات، التى مضينا، ونمضى بها، قدما.. مما ظننا أننا سبق، وقيل فيها كل شئ. وما للذاكرة من سلطان علينا، ولا رهبة نجدها، إلا ما إستفدناه فعلا، أمام هذه الرهبة الكبيرة، وهذا السلطان القاهر، بصور إنطبعت، على جدرانها، فرضها أو يفرضها، علينا الزمن.. وقد أصبح كل شئ، مجرد هباءات من ذكريات... وفى النهاية، هكذا نتعامل، مع الذاكرة، ونتحكم فيها. نتحرر نحن.. وتنزوى، فى جهة ما، أو تتلاشي، مختفية، خارج دائرة الأنظار، غير معترفة بإيقاع، أو مرور زمن، ذكريات، وذكريات... ومع ذلك، لابد أن يبقى منها شئ.. إن لم يكن فى الواقع، ففى حلم بعيد، لا يشاركنا فيه أحد، أبدا، ولا نسمح، لما عانيناه، وحدنا.. ذقناه وحدنا.. وسبكنا وحدنا، فى سبيل، لا يعرفه إلا نحن.. ومن جديد، يصبح، ونصبح، ذكرى فحسب، وتمضى الحياة، ونمضى معها، ومعنا، ذاكرتنا...
--------------------------------------
-----------------------------------------

الحياة والذكريات 
------ 

1 -  الذاكرة بين سطوع وأفول
2 - ماذا نذكر حتى ننسى؟!
3 - الألم وقوة الحياة  
------ خالد العرفي
كأنها المرة الأولى لك، لا تفعل شيئا قط، غير أن تعيش تبدلات، وتغيرات، لا تكاد تلحظ، أو يلاحظ أهمية أمرها، إلا أن تواصل الحياة بها، بينك وبين نفسك. لا أحد يستطيع مشاركتك فيها. وهكذا، نحن، وهكذا أمر الإنسان، بصفة عامة، مع الذاكرة، كحركة دوران الشمس عدة مرات فى اليوم، على نوافذ مشرعة منها ومفتوحة، فيضاء له كل شئ، من حوله.. بين سطوع وخفوت.
إلى هذا الحد، لا جديد في الحقيقة، غير أن تكتشف، أنه ما هناك ضرورة إنتظار أن يمر عمر طويل، أو أمد، دون تفكر فى طبيعة الأشياء، من جديد. فما عليك إلا أن تنطلق، دون عائق.. حلّق وحلّق، إلى أعلى، لترى الأشياء فى جوهرها. وفى حقيقتها مجردة ناصعة. 
حينما تفعل، قد يصبح من المحتم عليك، التوقف مرات قليلة، أو مرة وحيدة حقيقية، كي تلتقط أنفاسك، قبل أن تبلغ المنعطف الأخير، من حياتك، مع الذاكرة، وتشك فى نفسك، أو فى  أنك كنت موجودا، أثناء انقضاء ذكرياتك الماضية. دون أن تفهم مسوغات، أو مبررات محصول عمر، قد مضى. ولتقدم غير نفس الجواب الدائم، متسائلا ماذا هناك، أو ماذا يمكن أن تفعل...؟ 
ولا يكون هناك مهربا، من عهد على النفس، لإستكمال ما بقى من العمر، ومن الحياة بأكملها، بعيدا فى سلام، مع الروح. فلا تصرعك، أو يذيبك قهر أسئلة تقطن بداخلك، وتتوغل بأعماقك، فى يمّ، بلا ساحل. تساؤلات تجرفك بقوة غريبة، لا مرّد لها.. ليس لها إجابات، مطلقا. هكذا تظن. وتحسب الأمر، حتى لا تخدع نفسك، أو تخادعها بزيف، فتتلاشى. 
إذن، لم يكن سوى متابعة أيام، كضرورة يوجدها القدر، فى مأمن من ذكرى تباغتك، فجأة. تهاجمك باصرار.  تُلمح طالة من عينيك، كضوء الصبح.  فتهزمك، مخيلة لا تزال، تحمل تلك الصور، لملامح، مثل هذه  الذكريات، ساكنة خلدك. تتجدد دماؤها، فى عروقك. تحيط بالروح. تحوطها بكل شجن.. ورغم ذلك، منها ما يُضئ القلب، ويُلامس وجده، رغم فى بعض الأحيان، نبل ألم دفين فى جوانح النفس، وشجى حزن، في خفايا الذات. 
وبلا شك، لا يستطيع أحد أن يأخذ حيطة أو حذر، أمام ذكريات، لا يستطيع حظرها، أو أسرها خلف جدار. لمجرد طمأنة، أنه فى طريق سليم، وبداية حياة جديدة، وكل شئ وراءه...، وأن الأفق الفسيح أمامه. فيظن أنه ملكها، وملك السيطرة عليها، لكنها تصبح أحيانا، كالزئبق، تنفلت، من بين ثنايا الذاكرة. تخترق الفؤاد، فتصيبه، كأنها سهم من السهام القاتلة. مهما حاول أن يمارس الحياة بشكل طبيعى، أو صورة معتادة. كأن يبدأ بسرد جراح أيام صعبة، فتقفز فجأة إلى ذاكرته، تلك الذكريات مسترسلة، كدم ثائر متدفق، حاضرة بكل تفاصيلها، بخضم من الألم. حينئذ، تتبدل المشاعر، وتتقلب بين شوك ونار، وألم وعذاب.
حينها يتأكد، أنه لا من شئ منها إلى زوال، أمام حقيقة واحدة، ووحيدة، أنه ليس كل شئ ينتهى، أبدا، إلا بالموت. ولكن، تحكيم المنطق والعقلانية دائما يحاول الإنسان، معه وبه، أن يسدل ستارا على ذكريات أوجاع مزعجة، تطارده، أوآلام ثقيل عبئها، ويعجز عن تحملها. ليمنح نفسه شعورا بالأمان، يتردد في صدره. ليواجه الحياة وما يتغير من حوله، دون صدى  ماض، قد فارقه، بالفعل. 
ولكن بعد مرور الزمن، قد لا تكون بادية هي نفسها، على كما كانت عليه، ذى قبل. ومع الوقت، تضحى، فى العقل، أكثر  وضوحا، لا تنكسر بشئ. لاغيامة، فيها، ولا اختلاط  بينها، أو فيها. أو تبدو كمصباح شاحب، أو خافت، شيئا ما. ولا سبيل لإستردادها أبدا. تخلفك بعدها، في أسوأ حالات وهن، وضعف، أمام محاولة تذكر، ما كان يوما. 
والحقيقة هي أن أول تبدلات الذاكرة، تكون شديدة البطء، لا تكاد تلحظ، ويواصل أحدنا حياته، بينه وبين نفسه، مثلما كان على الدوام، إلا أن التبدلات، قد تكون سريعة، مع الفكر والتدبر. كأن تمحو شيئا، منها. أو تحتفظ بما قد تجد فيها لك، واحدة من أنواع الحياة، تصدح بنقاء الفطرة، أفضل مما توقعته أو أردته أنت، ذات مرة، لنفسك.. وهى نفسها، هذا الوجه الغريب، من الذكريات، الذى يتلألأ نورا، فى النفس، كلما تذكرته.  
وعليك أن تذرع تلك المسافات، فى عقلك، أو ذلك الجزء المسمى بالذاكرة، ذهابا بلا عودة، للبحث والمطابقة بين وجوه وأسماء تظهر وتتلاشى، خفية دون تعيين ملامح لها، بين حين وآخر. فتنجز مهمتك مع الذاكرة على أكمل وجه، ومع ذلك، لا كمال. وإن أخطات طريق الذهاب، أو تأخرت لسبب ما مجهول، فلا تواصل شيئا. تلك ليست بموهبة كبيرة، ألا تتمسك بالسير قدما، في اتجاه معاكس تماما، لما كنت فيه، ولم يكن متوقعا لك، يوما.
وهكذا، تنتقل من نافذة إلى أخرى، وينتهى الأمر كيفما أمكن بك، بلا مزايا بريق، يغريك أمام ذاكرة تعود بك إلى ماض. وتشعر بدونها، أنك حى، وتبقيك بمثل حيويتك، قبالة مقبرة كبيرة، لذكريات مرّة. لأنه لم يكن لك لتملك سوى أن تدعها فيها بائسة، فتشعر، آنذاك، أنه لا وجود لها. أو أنها كانت  مجرد خيال مر عليك مرورا عابرا،  لما كانت عليه، ذات يوم، حتى لا تفقد الطمأنينة، مع الذات. الأمر دائما، أسوأ مما تتخيل وسط هذه الدائرة.  أو لما كنت ترغب، فى السنوات التالية من عمرك. 
إنما هو قدر غريب، يتوقف على الظرف والأسلوب، الذى تحيا به. لتبدأ حياتك الحقيقية، دون مقدمات، أو إنذار مسبق. بالطبع هذا نصر جديد وكبير لك، فى الحياة، أن تتغلب على مثل تلك الفجوات، من الذاكرة. وما من شئ به نعبر، أو يمضي علينا، إلا وأصبح أعمق بُعدا، وأقوى معنى،.. فقط أن بقَينا بعده، نتفكر ونتدبر. وإن إتقينا من الأفكار تُقاة، فلا نتيحة لذلك أبدا، مع مرور زمن. وحتى لو تولَّينا بعيدا، وخَلَوْنا بأنفسنا، إلى ظلّ ذاكرة، نستطيع خلف أسوارها، إعادة نبض ذكرى، أكملنا بعدها الطريق، إلى مجهول، أو أجل مقدور، صامتين. وإنْ مسَّ القلم ضُرٌّ، لئلاّ يعلن شيئا، من أصداء ذكريات تُدمى النفس، بصورة أكبر، من أن تطمرها مآرب، أو ظنون. فلا تتسائل ماذا تذكر حتى تنسى؟! وماذا يوجد حتى تراه؟! وما من شئ.. وإنها لبصائر.. وهى فحسب، مكاشفة، وحديث روح، لروح، عبر الذكريات. فى النهاية، نظل نذوق بصمود، وَبَالَ ما كان، وما لم يكن. نُحيله إلى ذهب، بين ألم وذكرى، وسرّ وجهر. تخشى الروح بينهما، أن يصيبها شئ من  دائرة نسيان، تُسلم بعدها. أو يجف مداد القلم، فيجثم، لا تأخذه رجفة حياة، فلا يستطيع أن يحرر ذاكرة، من قيد، لا يمكن أن يتكرر معه، أو يكرره قدر.


الألم وقوة الحياة 
--------------
ولكل شئ ألم. للصمت ألم. للإنتظار ألم. للذكريات ألم. الحياة بدون نور. ترقب ما لا يأتي.. الوحشة.  العودة إلى ماض. المستحيل. عمق الألم تذكر رحيل ووداع. الحياة بدون روح. أن تكون ولا تكون. أن تتلاشى فى أسى. أن تغرق فى حزنك. أن تغيب عيناك وراء أفق بعيد كل لحظة. أن تصبح الثانية دهرا. إفتقادك لروحك. أن تعيش بذكرى أحد. إشتياقك لروح. هفو الروح لروح. رحيل الروح، لما ليس لها أبدا. ألا تعرف ما أصابك. أن يسألك أحد ماذا بك؟ ولا تستطيع أو تعرف كيف تجيب.. ألا أحد يعلم قدر ما بك. ألا تعرف نفسك أو تتظاهر أنك ما زلت حيا. ألا تعرف تعبيرا عن ألمك. عجزك. قهرك أمام آلامك.  يأسك أن تعود كما كنت. أن يحتل غيرك جنبات نفسك.. محاولات لا تجدي أمام ما تبقى منك.. صراع النفس مع نسيان فاشل، وجبرها على ذلك. قمة الألم بقاء ما لا يمكن نسيانه.. يظل بك، لم، ولن يغادرك أبدا. ألم أن يعاندك القلم ويعصاك. أن يعلن ما بك رغما عنك. أن يسلمك هكذا، وأنت تنظر. أن تخونك إرادتك. أن تظل تتحدث بما فى نفسك. الألم يسكننا ونسكنه.  ومع هذا كله، نحقق المستحيل بالألم،  رغمصلابة الحياة، التى تصرعنا، بقوتها دائما. وهى كذلك. فلا تنظر بغرابة، وإندهاش مذهولا، متعلقا  بأذيال واهية. أنت من تختار، إما تنهض بقوة الحياة فيك، أو تلتصق بالأرض، ضعفا ووهنا، فلا تقوم. القوة الحقيقة، داخل أعماقك، هى قوة الروح، تشق طريقك، بها. وما أحرى الإنسان بها، ليتمسك بالأمل، فيستحثّ طاقته الكامنة، وليمتلك زمام الأمور، ونصابها، بهذه القوة الخفية. وهكذا، كل يوم، يتفقد ذاته، ويكتشفت سفور الحياة، فيُماط له اللثام، كأن عيناه تتفتح، لترى النور من جديد، وينفتح، على مصراعيه، باب الحقيقة، شمسا مشرقة، للروح.. حينئذ، يستطيع الإنسان، التغلب على الألم.

الحضارة الإسلامية
---- خالد العرفي
 وصلت البشرية إلى عتبة الحضارة، منذ أن كان المشرق سنا نور للحضارة ومصدر إشعاعها، لتنير الطريق للإنسان فى رحلته على الأرض، فكانت حضارة مصر وبابل وأشور، وغيرها من حضارات الرافدين، وسوريا .. وصولا إلى الحضارة الإسلامية، مستوعبة فى طياتها، كل ما يجعل الإنسان إنسانا، بتعاليمها وقيمها الروحية، التى جاء بها الإسلام.  وهى الجوهرة، ونسيج تلك الحضارة، التى يدين لها الإنسان فى العصر الحديث، بما قدمته من نور، أضاء للعالم طريق المدنية والتمدن والعلم. وأسست له بنيانا سامقا وارف الظلال.. يقضى على الجهل والتخلف، بإعمال العقل والروح. 
وها نحن، نعيش فى عصر لو رجعنا لكل شئ فيه، لوجدنا أصوله الأساسية، منبثقة من بوتقة الحضارة الإسلامية، التى انتهل منها الغرب فتمدن، بكثير من الطرق. سواء بالإحتكاك الحضارى فى العصور الوسطى، بسبب "الحروب الصليبية". أو عن طريق "الإحتكاك الأوربي" بالحضارة الإسلامية، فى صقلية وجنوب إيطاليا وإسبانيا.. علاوة عن "حركة التجارة " فى حوض البحر المتوسط، وصولا إلى ساحله الشرقى. ومن خلال "الرحالة" الأجانب، إلى مراكز الحضارة الإسلامية، فى  المشرق والأندلس. ثم ما كان من "حركة الترجمة " للتراث الإسلامى والعربى، سواء فى هذه الفترة المشار إليها، أو حديثا، عن طريق المستشرقين والباحثين. 
أو قل إن شئت، عبر ما تم نهبه وسرقته من تراث هذه الأمّة، وقلبها، وتذخر به مكتبات الغرب الآن. مما تحمله المخطوطات الإسلامية والعربية لأسماء أعلام المسلمين فى الطب والأدوية والهندسة والفلك والجبر. وغيرها من العلوم والآداب، التى نهض عليها الغرب، واستقى منها كيانه، بعد أن كان غارقا، فى ظلمات الجهل والتخلف.. وهذا المقال هو بذرة فكرة لإعداد كتاب باذن الله تعالى، عن الحضارة الإسلامية، وما قدمته للبشرية، وكيف  أنارت الطريق للإنسان، رحلته على الأرض، بسنا نورها، وعامودها الروحى المستمد من الإسلام الحنيف،   فى مناحى الحياة، كافة. 
---------------------------------------------------------

خواطر قصصية عابرة**
----- خالد العرفي
الأخطبوط-  الكبش-  صورة- مدد مدد- إمرأة على الجسر- الرجل " الديزل " ..- ولد صغير وطريق لا ينساه..

1 - الأخطبوط
-------
أحيانا كانت تهدى منها الجيران، الذين باتوا ينتظرونى، بعد كل رحلة صيد، على بُعد ثلاث دقائق، من بيتنا بقرب الشاطئ. كم أنضجت أمى، طواجن من صيدى، وصيد أبى .. وكم من تلك العقود الصدفية، التى جمعت أصدافها.. يذكرنى بها، ما هو معلق،.. وأمى دائما تذكرنى، بذلك اليوم، الذى لا أنساه، في طفولتي،.. دعانى أبى، ليعلمنى السباحة، والغوص. لم يبعد الشاطئ عن بيتنا، إلا مسيرة قصيرة. ونحن نهم بالسير، عبر دربنا، المؤدي إلى الشاطئ، فاجأنى، وأخذنى لأبعد نقطة، عن الساحل، بعد أن نأينا:
-      " هنا ستتعلم السباحة يا يوسف"
-      " لكن هنا صخور صلبة، والعمق كبير"
-      " لذلك ستتعلم، ما لا يتعلمه غيرك. أليس ذلك أفضل. هنا ستتعلم الخطر. سأعلمك كل شئ. لن أبخل عليك.. لن أضن بم علمنى، جدّك رحمه الله"
رأيت الأمواج تتهادى مرة، وتسرع مرة، باتجاهنا. لم يكن غريبا، أن تتخطى الحاجز الصخرى، فى الشتاء. كانسة معها ماضى الصيف، والمصطافين. كانت تجرف معها، حتى الرمال. تُعمل بقوتها، فى تعرية حواف الشاطئ، فتتآكل مع الزمن، من عام إلى آخر.. كنت أرى الأمواج تروسا جبارة، لا تتوقف أبدا.. تأخذ كل شئ معها. لكننى عشقت الأمواج، وصادقتها، وباتت تعرفنى،.. علمنى أبى كيف أتعامل معها، كما علمه جدّى.. أكسرها وأتخطاها. مع الوقت صرت صخرة حية.. تعرفنى الأمواج.. ويعرفنى البحر. حتى الأصداف التى كنت أجمعها، عرفت أنواعها.. أحيانا، كنا نصطاد، وسرعان ماعلمنى أبى، كيف أُحكم الشصّ. مرارا أمسكنا معا، بالأخطبوط. أحتفظ إلى الآن، بالذراع الحديدى ذى النصل الحاد، الذى أهدانى إياه أبى. تركه لى، فقد صنع لنفسه آخرا.. كنا نتبادل صيد الأخطبوط، بالنصلين، بين الصخور، بعد أن نغوص معا. مع الوقت، صرت أكثر حنكة.. يفرح كثيرا حينما كنت أسبقه، غوصا، ولا يدرى بى، إلا ونصل رمحى الطويل الحاد، مغروس فى قلب أخطبوط، وقد إهترأت أذرعه،.. وأقوم بتقطيع الباقى منها، على الشاطئ، بسكين حاد..

يضحك أبى وأضحك، مختلطة أصوات ضحكاتنا، برائحة اليود النقى يملأ صدرينا. وتمتزج، كلماتنا بأصوات الأمواج، على بُعد ثلاث دقائق..
--------------------------------------------------------------------------
1 - الكبش
--------

وسطّته جرن المزرعة، آخر أرض إشتريتها حديثا، من صديق لى، بالساحل الشمالى. حرصت على ألا تكون جوانبه ليست مرتفعة، بعيدا عن حظيرة الماشية. بدا مسطحا ليس عميقاً، لكل دجاجة تود أن تشرب. إلا أن الدجاج عانى، من حظيرة الأغنام المجاورة، لحوضها.. ظانا أنه دجاحة مثلها، كان هناك كبش أسود، يختلف عن بقية القطيع. يتسلل للشرب مع الدجاج.. يخيفها بقرنين مكسورين. ويزعجها بثغائه... بصوت متقطع مرة، وأخرى يفزعها، بثغاء مستمر، كأن به مسّ شيطان.. حتى ظننت أنه سوف (ينقنق ويقوقق) بدلا من أن يثغو.. إستدعيت بيطرى، لعلاجه ولم يفلح. قال لى ضاحكا (أتخشى أن ينزو، على إحداهن، ف"تفطس"..) قلت له : لا، فأنا أرى الدجاجات الماكرات، تحتال عليه، لتنقذ نفسها.. تقسّم نفسها قسمين، لتنجو بريشها. يراوده القسم الأول، فيذهب وراءه. فيشرب القسم الثانى. وهكذا يتبادل القسمان، شرب الماء من الحوض البعيد، والضحك على الكبش، ساخرة منه.. وهو ينطح جدار الحوض. مسكين الكبش، لم يعرف أن هناك حوض آخر كبير، وراء المزرعة. تعرفه الدجاجات فقط..يسهل لها، الشرب والحياة، مصطحبة أفراخها وصيصاناتها، بمنأى عن إزعاج ثغاء الكبش، ورفسات أظلافه، حينما يندس وسطها. كنت أستمتع برؤية هذه الحرب المضحكة، بين الكبش والدجاج. إلا أن أعرابى من المجاورين أشار علىّ، ليضحكنى أكثر :
- "إخصيه" يابك.. أو أبيعك نعجة، تؤنس وحشته، المسكين.. اخلص ياباشا من مشكلة هوس الكبش بالدجاج.. حتما، ستلهيه النعجة حتى الأضحى..."
رددت عليه باسما :
- "لا لا.. أنا أحب أن أرى هذا الكبش، دائما بين الدجاج.. يُسلينى،.. لعلى يوما أصبح، وأجد له (عُرف ديك) بدلا من قرنيه، اللذيْن فقدهما، نطحا فى الجدار.. أو نحصل منه، على ريش ملون، نضعه فى وسادة، لضيوف المزرعة.. بدلا من جزّ صوف ظهره، ورقبته.."
وتبادلنا الضحك مع عامل المزرعة، الذى كان يربط الكبش أمامنا فى حلقته أمام العليق.. وحبل طويل فى رقبته، يُعقل به، أينما ذهب، متوكلين على الله...
-------------------------------------------------------

صورة*
--------
أعطانى صورته، قائلا: " صفنى".. قلت: "أعوذ بالله. أخشى إن وصفتك، أدخلتك التاريخ.. تصبح وصمة عار، فى عالم الأدب. سلام قولا من ربّ رّحيم" قال: "حاول" فقلت:" ليس لك ملامح. مسخ. مجرد وجه مكتنز، لا أرى فيه إلا نقطة سوداء، تسكن شئ  أرخبيلى هلامى  رخو..".. يستجدينى مرة، بعد أخرى:"حاول مجرد سطر، فى ورقة، من أجلى.. وجهى فحسب" إنتبهت، وإذا على طرف الملعقة، قوقع صغير مفتوح.. ألفيته، ساقطا فى "الفنجان".. ناديت النادل، فغيره.. وأنا أكمل قراءتى (أحدب نوتردام)..
--------------------------------------------------------------------------


مدد مدد*
---------
قبيل الفجر، بقليل. يترائى لى مجمع البحرين.. فركت عينيَّ، على صوت الآذان "خير من .. خير من" .. قلبّته يمينا ويسارا. ولأعلى ولأسفل. لم يعيينى شكله العجيب.. فقط، عجبت من قدرة عقلى الخارقة، التى وهبنيها الله. عرفت تلك النعمة، بقدر ما أدركت، ما يستغرقه هذا الأمر. مضيت، ومضيت.. فى ثوان خاطفة، إخترقت عتبات وعتبات، .. بسرعة البرق.. حللت الأحجية، كلها... بقدر، أعطانى مفتاح الحل.. نفحة ربانيّة، أهدانيها القدر. المخ البشرى جبار.. شئ إلهى، عجيب. كشف، ظننت معه واهما، أنى ولىّ، من أولياء الصالحين.. لأطوى الزمن، وأعبر أبعادا، ربما أكثر من عشر، أو يزيد،.. لم يكونوا أربعا. خسأ، من قال بذلك. زاعم واهم.. تربت يداه. أعماق الكون، لا متناهية، علمها عند ربّى.. أحاط بها، عالم الغيب والشهادة. لولا قدر تلك النفحة الربّانيّة، لأدعيت الولاية.. هيهيات، هيهيات،.. هيهات، أنّى يكون لى مقام،.. وعمّة، ومولد،.. وعباءة خضراء.. فما أنا إلا مريد، وأحب الصوفيّة. بالأسحار، هم يستغفرون.. مدد، مدد..مدد.. لا أنكر، أنهم علمونى السفر فى الزمن،.. حقيقة الأمر، أهل الطريق، ومريدوه، علمونى.. وتعلمت من سالكي الدرب، كثيرا جدا.. يختلفون عن أهل الشريعة، تماما. قال لى أحدهم: "لنا الباطن، أضوأ من ظاهر الحواشٍ، والمتون.." أوراد، وأحزاب كثيرة، أهدونى، إياها. قال لى آخر:"أصبحت، تعرف كثيرين منا،.. بخ بخ".. بالطبع، حفظّونى،  وصاياهم، وصُنتها، كالوصايا العشر. عند "الصخرة"، عبرت.. لم تكن نزغة وسواس خناس، فى صدرى، لإستعذ بالله. على كل حال، سميّت اسم الله العظيم" بسم الله الرحمن الرحيم".. سافرت إلى أبعد.. ولجت أكثر، وعرجت أكثر.. مدد مدد.. لم أنوِ، أن أكون شيخ طريقة، فأنا مريد من المريدين، .. مدد، مدد..مدد.. نفحة الحزب، تفتح كل شئ. وِرد عظيم، حقا... مدد، مدد..مدد.. دوّى صوت راعد.. (حَيّ) رأيت التفاحة، وهى تسقط، فى عقلى.. سلك حوت طريقه، فى بحر مفتوح. هوت، فى قبضتى، الحقيقة.. لم يكن لى، المشى على الماء.. وربما، لو كانت هناك قارة أخرى، لإكتشفتها.. واهم. واهم. مدد، مدد..مدد.. ما زلت أسمع (حَيّ.. حَيّ).. سبّحت القدوس، سبحان الظاهر الباطن. قرأت الفاتحة، لآل البيت، وساداتنا، ومشايخنا، وآبائى وأجدادى.. مدد. مدد.. أمسكت بوِردى، .. حمدت الله كثيرا، وشكرت المريدين، فى الحضرة. يالها، من معيّة، وصُحبة، لا تنتهى. يدعو كل منا، للآخر، حضورا، وبظهر الغيب. مدد، مدد..مدد.. تيقنت، أنى كنت مستيقظا، ناظرا تجاه القبلة.. وضريح كبير أمامى.. مسحت وجهى، ببركة الفاتحة.. آخذين بأيدينا، بعضنا البعض. مدد. مدد.. حتما، سنزور معهم، الأزهر الشريف، والحُسين، ومقامات أهل الله الصالحين، كما دعونى، بحثا عن كتب صفراء أخرى، للصوفيّة، إستزادة من بركاتهم.. مدد، مدد..مدد..مدد، مدد..مدد.. سنقرأ الفاتحة، معا، صُحبة مريدى الطريق. مدد مدد.. إفترقنا، على موعد.. جزى الله أسيادنا، ومشايخنا، وأولياءنا، والمريدين، والسالكين، من أهل الطريق، عنا خيرا عميما.. يترائى لهم، ما لايُرى"مدد، مدد..مدد..حَيّ.. حَيّ"
--------------------------------------------------------------------------
" تعويضة " إمرأة على الجسر"
-----------




الراحلة أو المختفية " تعويضة " تلك المرأة التى كنت أراها فى طفولتى البعيدة على الجسر. وهو منطقة تمتد بين محطتى قطار النقراشى باشا، وسيدى بشر. هذا الولىّ، من أولياء الله الصالحين، وله مقامه إلى الآن. 
والجسر مرتفع من الأرض رملى. يحيط به من الجانبين تكسية من الحجر الكلسي، أشبه بتلك التى تُكسى بها جوانب الأنهار و"الترع"، فى مصر المحروسة.. جسر يسير عليه القطار. وما علاقة "تعويضة"  بالجسر؟
طالما إرتعب الأطفال من منطقة الجسر، الفاصلة بين عالمين:  قبلى وبحرى، كعوالم نجيب محفوظ.  " فبحرى السكة" حيث المنطقة السكنية الراقية المنارة، بأعمدة إنارة، وتمتد إلى شاطئّ "أبى هيف " وشاطئ " سيدى بشر " الشهيرين، ويقطنها السكان الجدد. أما " قبلى السكة " فقد كانت المنطقة الشعبية، ويطلقون عليها  "دربالة".
عالم أشبه بعوالم الحرافيش. وخلفها عن بعد، منطقة سكنها الأجانب قديما خاصة "الأرمن" أو الخواجات، مثل الخواجة الشهير "تشاكوس" الذى سميت المنطقة على اسمه، وموجودة حتى الآن.
وبين هذين العالمين المتناقضين "قبلى وبحرى" يقبع الجسر، كسد منيع، يحجز مانعا عبور الحرافيش، بمعاركهم الطاحنة، التى يُسمع بها كل حين، وتطيش فيها رقاب وأعنقة بلطجية.
أما مرأتنا تلك "تعويضة" كم أحبت أن تأتى دائما، من صوب الجسر المرعب ليلا، حيث خط السكة الحديدية المفرد، يعلو الجسر، يشق بطن المدينة، قبل إزدواجه الآن.
أشبه بجنيّة هاربة بشعرها " المنكوش " وجوال من القماش تمسك به دائما، لا يعلم أحد ما به، تجرّه أحيانا، وتحمله أحيانا أخرى.. وأشهد أنى لم أرً إلى الآن إمرأة فى حُسن هذه المرأة، وجمالها البارع، رغم أن الكل كان يخشاها، لأنها تأتى  دوما، من صوب الجسر. ولكن هذا الكل، كان يجتمع على الصنبور العمومى، أو كما كان يسميه الناس فى هذا العهد البعيد "بحنفية الصدقة" التى كانت موجودة فى كل منطقة آنذاك، كما فى مصر كلها. إذا أرادت أن تستحم، فلا تخشى أحدا، ولا تستحى من مارة، أو وقوف ينظرون إليها، مشدوهين أمام حسنها الآخاذ.
أنظر إليها بعينين طفولية، مشدوها مثلهم، ولكن من منظر هذا التجمع البشرى الذكورى والنسوى حولها. تتحّمم أو تغتسل، لا تستتر بشئ ، وكأنها على حافة نهر أو جدول جار، و ليس أسفل صنبور عمومى، أمام برية الله. 
تغار من جمالها الفاتن النساء. أما هؤلاء الرجال الماكرون، لا بد أنهم رأوا فيها، ما لم يروا فى زوجاتهم. أما الأطفال، وكنت منهم لا أفقه شيئا بعد، عما أراه فى نفسي، كجسد طفل صغير. ولا أذكر ربما كنت فى السابعة من عمرى، فكنا نتحلق حولها، خلف الكبار.  والكل يغنى لتعويضة، ذات الشعر المنساب جاريا، بفعل الماء إلى أسفل، فلم أرَ شعرا بهذا الطول إلى الآن، وأظن أننى لن أرى.   منذ هذا الحين البعيد، تمنيت أن يمسّ كل النسوة شئ من الجنون، ليطول شعر كل إمرأة منهن، فلا تقصّه أبدا.  وبات فى ذهنى أن كل إمرأة مجنونة جميلة شعرها طويل جدا.  ما أحلاه من جنون، وما أطوله من شعر
ولم أحسن الإندماج مع الأطفال، ربما لإندهاشى البرئ ودهشتى الطفولية البريئة، بهذا الوجه الحسن، الخلاب جماله. كم كانت دهشتى من هذا الجسم البضّ، الذى تفترسه أعين الرجال. لم أفكر فى الغناء لتعويضة الرائعة، مع كورال الأطفال حولها : "تعويضة أهى.. تعويضة أهى " فقد كنت مشغولا، بملاحظة أعين القوم تتركز بؤرة رؤيتها، فى وسط المرأة، الذى يظهر ويختفى، مع تموج شعرها الطويل المبلل. 
وكأننى أرجم غيبا، بأنى سأكتب عنها يوما ما، فى المستقبل البعيد بعد أكثر من ثلاثة عقود. وأنا منْ كانت أمى تحمّمّنى فتغلق أبوابا ونوافذا، كطفل فى السابعة، فأقارن بطفولتى. أتعجب، وليس لتعويضة أبواب تغلقها على نفسها، فى وجه هؤلاء الناس الأشرار.
رأيتها دائما كجنيّة جميلة، هاربة من ألف ليلة وليلة، وليست بإمراة مكلومة، فى أطفالها، كما قال الناس عنها آنذاك..أن زوجها العربى الغاشم، إنتزع منها أطفالها، فى إحدى الدول العربية، ورحلّها إلى مصر، و لم تستطع رؤيتهم بعد ذلك مطلقا، فذهب عقلها، ومسّها الجنون.
لم يذكر أحد هل علم أطفالها، بما حدث لها بسبب فقدهن؟ هل بحثوا عنها فى مصر أم لا ؟
ولم يعد هناك تعويضة، ولا صنبورا عموميّا. وحتى الجسر أصبحت تغطيه من الجانبين حوانيت تجارية ،من كل صنف، ومن كل نوع، فأخفت حجارة الجسر البيضاء العتيقة، على خط قطار الرمل الشهير. وأصبحت منطقة دربالة، فى الناحية القبلية من الجسر، تٌرى منطقة شبه صناعية، لتصنيع الملابس. وذهب حرافيشها، ومنهم من يذكره الناس فى أسمارهم باسمه  "البلطجىالسيد كلوظة".
وذهبت تعويضة بذكراها غائبة، فى عينى كطفل فى السابعة، ولم أرَ عاقلة بشعر طويل غريب، فأطول شعر رأيته يوما ما، كان لإمرأة مجنونة، فائقة الجمال.
وما زلت أذكر أعين الرجال محدّقة، وأتساءل عما كانوا ينظرون إليه، آنذاك
. وأمر بالجسر على فترات بعيدة، وكلما مررت أتذكر تعويضة الجميلة، وشعرها المفرود الطويل جدا.
--------------------------------------------------------------------------
الرجل " الديزل " ..
------------------
فى الثالثة فجرا كل يوم، من هذه الأيام البعيدة، لم يكن النيام يستيقظوا فزعين، أن القطار قد يدهمهم ومنازلهم فجأة. باتوا يعلمون قصة الرجل، الذى حلّ مشكلة إنضباط مواعيد القطار رحيلا، وقدوما ، بمعرفته وبطريقته الخاصة، أن أصبح الرجل الديزل أو الرجل القطار. تقمص شخصية القطار، بشحمه وعرباته، وحتى صافرته المزعجة فى جوف الليل. يرى نفسه كذلك. صوته. حركته. الغريب أنه يرى نفسه قطارا بخاريا قديما، وليس أحد القطارات الحديثة. ربما خشى أن يستقله أحد، لو رآه كذلك. يقلد فى مشيته حركة العجلات القديمة، ذات الذراع البخارى الدافع .. يتنقل بين شوارع المنطقة، شارعا شارعا. وحينما يأتى لأول الطريق الذى يسبق منزلى، أستطيع أن اضبط ساعتى على موعده أدق من ساعة إذاعة القاهرة أو البرنامج العام. ربما زعق زعقة مدويّة فجأة لنكتشف أن أحد الماكرين قد دسَّ فى يديه  شيئا ما، راشيا إياه، ليزعج جارا له، فى جوف الليل. أوتلهيه الزعقة عمّا كان يفعل، لو كان مستيقظاً. إنها ألاعيب الجيران الخبثاء.
قالوا أنه صُرع من صوت القطار، وهو صغير.. و قالوا أنه كان عاقلا، وزهق من مشكلة المواصلات فى مصر، ففقد عقله. لكن لم يعرفوا لماذا بالذات راق له أن يكون قطارا بخاريا وليس حديثا أو " مترو " يسير بالكهرباء، رغم أن الأسكندرية بها مثله.. وهو "المترو " الشهير ذو الطابقين يسير من فيكتوريا إلى ميدان محطة الرمل. ربما لم يحب وهو مراهق، فلم يستقله أبدا مع حبيبة..
كنت أخشى فيما مضى، أن أفقد الرجل الديزل فجأة، فلا أستطيع أن أعرف أن الساعة الثالثة صباحا.
--------------------------------------------------------------------------
ولد صغير وطريق لا ينساه..
--------------------------
 شارع عزبة السيوف اسمه هكذا .ليس عزبة بمعنى مكان ريفى، إنما هو طريق بينه وبين شاطئ البحر الشهير بالثغر"أبى هيف" دقيقة واحدة. أطلقوا عليه هذا الاسم لكثرة فيلات اليونان والأرمن وغيرهم، وربما منهم الخواجه سيوف نفسه.
يمشى الصبى متلكعا. ينظر فيما خلف أسوار الفيلات العتيقة يخال أشجارها تحدثه. تلفت نظره الأبنية الحجرية المغطاة بالقرميد النبيتى أو الأحمر، ورائحة الورد البلدى وأريج الفل والياسمين، مما يعبق الطريق، الذى تتخلله دروب ضيقة بين الفيلات، أشبه بجيوب سحرية. 
يدلف من درب إلى آخر، حتى يصل إلى بائع الكتب والمجلات القديمة. يدسّ فى يده مصروفا وفّره طوال الأسبوع لشراء بضعة مجلات قديمة ل( تان تان وميكى وسوبرمان.. (  أو كتاب قديم من سلسلة الكتاب الذهبى. 
كم أحبّ أن يغوص بنفسه بين أكوام الكتب. يشم رائحتها ويقلب فيها. يقع فى يديه أحد الكتب الأجنبية، لا يعرف لغة لها. لم يكن يعرف حروف الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها.
يلفت نظره شكل الكتاب من الداخل، بصفحاته المقسومة رأسيا، وشكل الورق مع الرسوم اليدوية القديمة. استطاع أن يرى أرقام سنة الطباعة القديمة.
أخذ الكتاب ليضعه فى حقيبته ذات الجلد السميك. وعد الرجل العجوز باعادة الكتاب الأسبوع القادم، مقابل قرش صاغ كامل، مع مجلات سوف يستبدلها ليستزيد قراءة. قلّد الحروف بقلمه الرصاص على ظهر ورقة خشنة من أوراقه.. لم يكن يستطيع شراء الورق الأبيض.
كتب الحروف الغريبة. عرف فيما بعد أنها حروف الإنجليزية ولم يعرف الكلمات. تأمل الصور، لعلها تعطيه شكل الكلمات. هذه مبان قديمة. وهذا جبل وراءه غابة. لوحة يدوية، وليست صورة فوتغرافية. أخذ الكتاب فى حقيبته اليوم التالى. لمدرسته  التى تجاور طريق ممشاه.
"  أبلة " أمينة " لا أعرف كيف أقرأ هذه الحروف. ايه هى يا أبلة أمينة"
- "اسمع يا حبيبى بكرة تكبر وتعرف إنجليزى. ده حروف إنجليزية والكتاب ده قصة لكاتب إنجليزى شهير اسمه "تشارلز ديكنز "..
- " ممكن تعلمينى يا  "ابلة "؟ "
احتفظ الولد بالكتاب. يحب رائحته يشمها. تسكره.. يأخذه معه إلى فراشه.. يحب تصفحه وهو مستدفء.. قبل أن ينتهى الأسبوع، تعلم الحروف الغريبة. حفظها دون أن يعرف نطقها ولا معناها.. يرسمها رسما بأنامله الصغيرة على الورقة الكرتون السميكة. على كفّه الصغير. يعود ليقلب صفحات الكتاب، ويقف عند الرسوم. يود أن يستنطقها لتروى له القصة المكتوبة، ويعود لشارع عزبة السيوف مرة ثانية.  يستبدل المجلات بأخرى. وعد البائع العجوز بقرش زيادة الأسبوع المقبل. مقابل أن يدع الكتاب له .
وتمرّ السنون تحمل أحلام الطفل الصغير. وتختفى الفيلات. ويختفى حانوت الكتب القديمة. وتختفى المدرسة. ويكبر الولد الصغير. ويتذكر حروفا تعلمها، قبل أن يعرف نطقها، ولا ينسى " أبلة أمينة ". ولا ينسى الرسوم.
فى ذاكرته ، يعاوده الحنين فيحب أن يمر بنفس الطريق العريق القديم. يتذكر أريج حدائق الغرباء ويتذكر المحل القديم والبائع العجوز. ولا ينسى رائحة قدم الكتب، بورقها الأصفر. ولا لمسة معلمته " أبلة أمينة " على كتفيه حانية تشق له طريق القراءة.
لم يعد الطفل يمر بالطريق،  إلا فى ذاكرته، حنينا لطفولة قرائته.
--------------------------------------------


قصة كلمة
حوافر أم أظلاف
* قصة على قصة*
فائدة لغوية عابرة..
--------------
فى قصتى للأطفال بعنوان (الكبش والدجاج)، أعدت قراءتها، ولم أستسغ كلمة (حوافر) التى وردت مع الكبش.. فحَلُمُت مع نفسي وقتا، كعادتى، لأعرف صواب اللفظ، ودقة الكلمة. وبالفعل، رجعت للمعجم العربى، ومنه قاموس المعانى، ولسان العرب، للتأكد من حدسى.. وما أنسانيه إلا الشيطان، أن أذكره.. وبذا، وجدت أن صحة التعبير، يكون بكلمة (الأظلاف) التى تلزم للغنم، ونحوها من ذوات الأربع، من دواب أرض الله. وبالطبع، من هذه الفصيلة (الكبش) وحتى لا أظلمه، فى القصة، فأدخله مع صنف آخر أجحفه حقه فى اللغة، بإيلاجى الكبش فيه،(مثل الخيل) كان على إستبدال  كلمة الأظلاف بالإضافة له، بدلا من الحوافر، التى تخص هذه الفصيلة الأخرى، من الدواب، وكل من أنعم الخالق تبارك وتعالى التى لا تُعدّ ولا تُحصى، على الإنسان. وللفائدة، فإن فى القاموس: الظِّلْفُ بالكًَسْرِ : ظُفُرُ كُلِّ ما اجْتَرَّ وهو للبَقَرةِ والشّاةِ وشِبْهِها بمنْزِلَةِ القَدَمِ لنا. وقالَ ابنُ السِّكِّيتِ  يُقالُ : رِجْلُ الإِنْسانِ وقَدَمُه. وحافِرُ الفَرَسِ . وخُفُّ البَعيرِ والنّعامَةِ. وظِلْفُ البَقَرةِ والشَّاةِ. ( ظَلَفَه ) عن الأمر ظَلْفاً: منعه. يقال: ظلف نفسه عما لا يجمل به. والصيدَ: أصاب ظلفه. وجمع ظِلْف : أَظْلافٌ وظُلُوفٌ.
وفي حديث عمر رضي الله عنه مر على راع فقال له عليك الظلف من الأرض لا ترمضها (بفتح الظاء واللام) الغليظ الصلب من الأرض، مما لا يبين فيه أثر. وقيل اللين منها، مما لا رمل فيه ولا حجارة. أمره أن يرعاها في الأرض التي هذه صفتها لئلا ترمض بحر الرمل، وخشونة الحجارة، فتتلف أظلافها، لأن الأغنام إذا رعيت في الدهاس، وحميت الشمس عليها، أرمضتها. وفي حديث الزكاة، فتطؤه بأظلافها. الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس. ومن جملة هذه الأحاديث التى لا تنتسب إلى السنة وما ليس منها فى فضل الأضحية (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله عزوجل من إهراق الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا(**.
ووجَدَ ظِلْفَهُ : (أصاب مُرادَه) وأخيرا حمدتُ (المولى) جلّ شأنه، أن قصة الأطفال (الكبش والدجاج)، لم تتطرق إلى الحياّت.. وإلا لطال المقال.. فالقصة، لم أورد بها، ذكر الحيّات، إقترانا مع الكبش.. وهذا (درس) لغوى آخر، كامن كمون الحيّة، فى جُحرها، يُظللّها عُش غُراب.. يؤنسها بنعيقه، وتؤنسه بفحيحها.. إلى أن ينزلق، ويسقط، فتعتصره،.. ملتفة حوله، وتلتهمه فى جوفها.. وهى القصة القادمة، من مجموعة قصص الأطفال (الغُراب والحيّة).. بعد الكبش والدجاج، والأخطبوط.. وهى قصص تهدف لتقويم الناشئة على اللسان العربي المبين، ومفردات اللغة، وألفاظها.. ولا تخلو من فائدة علمية، عن عالم الحيوان، بكل طرائفه.
--------------
** أنظر فى هذا الحديث الضعيف:
 - العلل المتناهية لابن الجوزي (2 / 569) حديث رقم (936(
-  علل الترمذي الكبير للترمذي (2/638(
 - المجروحين لابن حبان (3 / 851(
 - المستدرك للحاكم (4 / 221(
 - سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (حديث/526) أنظر تعليق الذهبي .

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

على الهامش
 رتوش
 لوحات "صغيرة"
----------- 
كان على حزم أمرى، وأخذ القرار، مع قلمى. ساعة حسم، كساعة العبور العظيم، التى تمت فى "الصيام"، على جثث بنى يهود. فأحيانا تصبح الأفكار كاليهود، مراوغة وخادعة، تماما. (فماذا أكتب، وماذا أدع) أقول لنفسى. فقد قيل فى الحكمة العربية "إذا طاب النبع، عذبت الأنهار". وقد طيّب لنا الرحمن المنابع والجداول، وأمدنا بأنهار وأنهار، وبحور وبحور. ورغم أنى أعمل على تخطيط محدد فى كتبى،.. إلا أننى، أجدنى، مؤخرا  أحتار، فى الإختيار، بين كتابة (الشعر) و(الأقصوصة) و(القصة القصيرة) و(الرواية) مروّحا عن نفسي، بكتيب صغير بعنوان "طرائف شويعر ونوادر قصيص"، وهو من التراث.. ! لكن وجدتنى، هذه المرة، أميل لرواية تاريخية عسكرية، عن الحرب مع اليهود 1948 (قاطعة باترة لتاريخ "صهيونى"، وهو تاريخ أسود من ليل بهيم أدهم قضى عليه الجندى المصرى). بجانب رواية تاريخية، تدور أحداثها فى عصر المماليك ونهاية التتار. من بين كل هذه الألوان من (الأدب) التى منّ الرّحمن جل شأنه، بها عليّ، وأعطانيها ومفاتيحها ووقتها!
 عامة، فالرواية أيا كان نوعها، تمثل لى(دانة مدفعية) لا تذر ولا تبقى..، لذلك لها وقتها، بينما الأقصوصة سريعة كطلقات محددة "بتليسكوب" لا يخطئ موضعا. طلقات قاتلة (آلى / فردى/ رشاش / بندقية..) أكتبها حينما أحتاج، لذلك، لقتل السأم والملل مع روتين العمل. وكل لون أدبى، أحسب أننى فاشل فيه وليس فى مقدرتى، ولله الحمد... لا أجيده تماما،.. ليس بإعتبارى أن ليس لى  باع طويل.. إنما أيضا لا أنكر فضل الواقع العملى،  ومنها، قدر سنوات خبرتى السابقة كضابط، وفى سلاح لم يكن يخطر، على بال أهميته إلى هذا الحد الكبير، فى الحياة! وعلى كتاباتى.. تعلمنا فيه التخطيط والتكتيك، والإستراتيحية، بصبر طويل، حتى نتمكن من العدو، فنهديه رصاصة الرحمة، فلا يشعر بشئ، ولا يتألم بعدها، أبدا.. وهكذا الأفكار تأخذ وقتها معى لتحيا فى  العقول ومن بعدها الكتب وفى الأسفار.. ومن ذلك، بالطبع أثر كبير،  فى التأليف العلمى والأدبى .. وأيضا عند بناء شخصيات رواية أو قصة، أكتبها خاصة فى الرواية العسكرية أو التاريخية..، كذلك فى القصيدة ولا أزعم قط أنى شاعر... وبالطبع، فالقراءة المستفيضة، فى النقد والأدب، لها دورها الكبير. لا ينقص، لا (قطمر) ولا (قطمير) من البناء الدرامي ومن المعانى فيما أكتب، وأنصح به نفسي دوما. و"تدبر (جدا) من حرف (الطاّء) وتفخيمه، وأثره فى القرآن العظيم". كذلك تأمل حرف الصّاد فى قوله تعالى"وأحصاه..".. وبين الطاء والصاد. وماقبلهما وما بعدهما حروف العربية الصافية. نهاية الأمر، القلم مبحر مسافر، ما بين القصة القصيرة، والرواية.. والـتأليف خط ومدى طويل، وبينهما الخواطر والمقالات والشعر، وحتى الأقصوصة، فى سطر أو سطور، محاولا أن أكون، وليتنى،.. فأنا أتهم نفسي بالفشل دائما.. وكم أجد لذة فى الخيال العلمى.... ربما أكون..
---------------------------------
على "رأس" شويعر : ما أشبه الواقع، بما كنت أقرأ، قديما، فى (الأغانى) للأصفهانى. فأحيانا، أنهمك، منشغلا، فى عملى، فتعرض لى إبتسامة عابرة، على (هامش الذاكرة). ومن ذلك، أتذكر يوم أن أقرأنى شويعر رثاءا، غصبا، بماء وجهه، المكتظ. وكاد يبكى، فقرأت له، حياءا منى. رغم "إعراضى عن.."، قلت فيمن ؟. قال والدى. فعزيّته فى الذى أتحفنا، بمثله، ولم يعرفه، أو يره (الأصفهانى أو الثعلبي). وذهبت مستغفرا الله. فللّه ما أخذ، ولله ما أعطى. وظن أننى عزيّته فعلا فى (المرحوم). وكنت أعزّى نفسى، حينئذ، فى الشعر، لا (الفقيد). إكتشفت، أنه لم يكن باك لأبيه. إنما، ليقرأ الناس ما يكتب، ويظنّه شعرا.  تذكرت ذلك، بعد سنوات، بعيدا عن (عيار الشعر) حينما قرأت ما أرسل لى مؤخرا، من ضمنه (نص)، لذاك النويصف (الشويعر). وإبتسمت، وإستغفرت الله، لى، ولأبيه.. وفى قول، أنه لا يُعرف له ملّة، أو إلى ما يُنسب إليه. ومن نوعية هذا حديثا، الكثير، كا (تكعيبية. فناجين. شيكولا. هارطة أو خارطة. أروقة، لا أعرف أم أزقّة وأورقة..). نوادر، من هذا القبيل، لو كان الأصفهانى موجودا، مافات مثلها، أبدا... تشعرك أن مثل هذا الشويعرى، مصاب دائما، بمثل، (إسهال شويعرى لا شعرى)  بطول قصّته (ب"كسر" القاف. لا ضمها)، حاشى لله ليس (كثّته). بالطبع نوادر، أكثر ممّا تُحصى، سوف أذكرها، إن أتيح لى وقت، للتويبع الظويل ("تصفير..، لا تصغير ظلّ". بالظاء لا طاء). وهكذا كلما أنهمكت، منشغلا، يعرض لى، من إبتسامات عابرة، وما أكثرها على (هامش ذاكرة) اللغة، لا ذاكرتى.. فأعرض.. "إعراضا عن.." أو  أعرض "عرضا".. للنهاية.. حقا، ما أشبه الواقع، بما كنت أقرأه عن عصور قديمة..، فى (أغانى) الأصفهانى..

 *أقصصوصات سطرية 
--------------

-  يقلب يديه كل فترة، ليؤكد خلوهما، من الأمرين. يضرب إحداها بالأخرى، صائحا فى نفسه: "ما زلت صعلوكا.."
-----

-   تملكه السخط والحنق، مغتما :  ماذا أعرف؟ ماذا أفعل؟ ودون أن يكف عن ثرثرة الكلام، تطالبه، دوما بلسانها، الثرثرة..

-----

-  بليل باسط دجاه. مضى مع ثلاثة من صفوة جيرته، يلازمونه كلما رأيته.. والى سرد حديثه، عن مغامراته، لهم. إنكسرت المرآة.. أعاده صدى صوته، وقد تفتت وجهه أجيرا، لى ..

-----

-  إلتقم في بطنه حكايته.. ضرب بكلتى يديه، على بطنه. الكبيرة. ميتات كثيرة، نبت منها لحمه.. وأخرى، ما زال يهضمها.. سائرا عى درب، خطاه بالدم، بنابيّ أفعى..

-----

- ردّ التاجر بشكل غريب: اخرس.. لا تغلف أعذارك ب"عذراتك".. مرددا في هذيان، ردا على التاجر..  حبْل.. حبْل حبْل.. عُنقى عُنقى.. الرياح الرياح.. أغلق التاجر وكالته، على  الكبش، ليؤدبه..

-----

-  أمنحه دوما مفاجأة سارة.. حالته هذه المرة كان يُرثى لها. إمتنع عن الطعام والشراب.. لم أجد فصيلته، فى السوق، لتأخذ الطبيعة مجراها.. عُدت، وعلبة لحم كبيرة فى يدىّ، لعلها تعيد شهيته التى فقدها، مربوطا...

-----

-  تسرعت فى الإتفاق مع دار الأيتام،.. لكن، هناك بلا شك حل قانونى،.. أنا  أتعهد لك، كمستشارك القانونى الدائم" ألا يطالبك أحد بنسب ذاك اللقيط إليك.. كفاهم أن حجروا عليك.."

-----

- تحت نير مهانة، أبقته مغروسا في التعليم الإلزامى.. كان ملفه، يتندر به موجهو مديرية التعليم، فى محافظته، عاما بعد عام.. حاولوا تدارك الأمر، للإعفاء من مسئولية فشله.. كتبوا معا "كوجهه تماما، لا أمل فى ترقيته.." عبارة إتفق الجميع، على وضعها بحانب صورته، على الملف الضخم..

-----

- أرعن، أهوج. بلا طائل. في تعليقي على سطر قرأته، وسط الروتين.. 

-----

-   رأيته يدخل خلسة، بين الفصين.. كان يسعى، إلى أن يبدو واقفا أمامي، يحاورنى بنبرة صوت زائفة، مدى الحياة.. حقيقة الأمر، كان حوارا غير متكافئ. دون أن أنقطع، واصلت، بضربات مطارق لا يحتملها، إخراجه.. دّبّور..

-----

-  مخلوق غريب، من سلالة منقرضة. أنفقت قرابة دقيقتين، فى تبين طوله، وعرضه، في صورة بانورامية، زرقاء.. يتفاقم، فيضمحل ويضمحل.. فى حدة البؤرة، تذكرت.. أننى رأيته من قبل، فى متحف التاريخ الطبيعى... كان يتلوى. لم ينقرض.. عجبت، أن لا موسوعة، ذكرت ذلك..

-----

-  استقالتك، ليست الحل المناسب.. غير مقبولة.. ألقيتها على رأسه.. إنتبه أنه عاطلا، منذ أمد، في عرض بحر...

-----

-   فى ذكراه، بعد سنوات طويلة.. أنهوا، بأسلوب بديع بروفة تأبينه، حضرتها بدعوة " ما زال لدينا الكثير لقوله، على صوت الموسيقى.."

-----

-  يحتفظ منه، بوبر مغزول، .. يبدو أن مواءه فى أذنه، كما لو أنه مازال يتمسح بقدمه، يحتكّ به.. نظر فى سلة الخيزران الفارغة، ليتأكد أن الطوق فى مكانه.. أطبق غطاء السلة.. فسكت المواء..
---

- بعد تفحص بطاقة هويته، فى مكتب بوابة مرور الجوازات، فتشته.. قيدته لئلا يهرب، إلا أن شرطيا آخر همس فى أذنى، يداعبنى: هذه هويات أخرى كثيرة، وجدناها لللمشتبه به، فى... تأكدنا منها، على الحاسوب المركزى..."
-----
-  مفارقة غريبة. إشتركوا فى قطع الطريق، إعتراضا على عدم صرف الراتب.. جاءوا بسبب عدم الصرف، مثل أمامهم.. علقوه. شنقوه، بخيوط غزل رقيقة، بين الشرانق.. عمال نسج الحرير

- متحف : فى قبو بيت ناء معدّ لأمثاله. كمتحف. هناك أحتفظ بجمجمته. ألهو بها كل يوم. تعرض قريبا للزوار. ليُقرأ عليها رواية تاريخية. ممهورة باسمى. حفرا، على جمجمة. عن ابن شيطان. الجمجمة مذكورة ثلاث مرات. فى"نيكروبوليس". مدينة الموتي. صاحبها واحد. يزورنا شبحا. مسودا. بلا دعوة.
- أرعن : مجهز لك قبر، لائق بك. فمن سيواري جثتك. لم أنس الكفن، كذلك. قبل أن تحتضر يا ابن آدم. استحضر الموت. فله غُصة. تذكر السَّكرة. وأظنه الشبح صاحب الجمجمة، سالفه.
- قرش : أيها البحر. هيأت لك شصّ صيد صلب. لا يليق بك غزْل الحرير إنتظرنى. سأخرج منك قرشا. أفزع الخلق. بضربة واحدة، .. يموت. للأسف، لونه أسود. القرش. لن ينفع أحدا. فى نوّة.
-------------------------------------------------------
 إرهاصات
طفيل "شعيرى. شويعرى"::(نسبة إلى شعيرات الدم لا الشعر) فى علم الأحياء "البيولوجى" تقرأ عنه. يلتصق  بالكائن الحىّ، كعلقة، بحدار الرحم. (يزحف) (منتقلا) من خانة (شويعرى) إلى (حانة لا خانة) قصّاصّ أثر (لا، نثر) دماء، الكائن، المصاب به، فيمتصها، على قارعة الشرايين والعروق. إن كبّرته، تحت (ميكروسكوب) تجده، أشبه بثعبان أسود/ أزرق، قصير..
--------------
- من حكمة الله : أنه ما أنزل (داءً) إلا وأنزل له (دواءً). وفى كتاب الأدوية "العربي" (للعلائى) فى الطبّ، ينصح، فى حالات (الإسهال)، أن يجمع المريض بعضا، مّمّا  فى أمعائه، ويشربه على "الريق".. ليتقيأ. فى هذا الحالة، ولعدم (التصحيف)، أظن أن يقرأه على (ميسمه). وهذا، أمر مستبعد، مع أمراض مثل  "الصرع" و"الهذيان". وهو داء عضال أمره، مستفحل (خبثه). كان الرومان يدقون مسمارا فى رأس المريض به. ولعلّ يكون للمريض، أمل (ساخن) فى (تذكرة) "داوود"، عساه يبرأ، أو مغتسل (بارد) يُسعفه، وصولا إلى (الكىّ). والصبر على "المرض" أو"الداء"، من الخصال الكريمة، التى ضرب لنا القرآن العظيم، فيها "المثل"، بنبي الله الكريم، أيوب عليه السلام. 
- كلمات "ظلّ" هجينة : من الظواهر(الشاذة) فى اللغة العربية وجود كلمات (هجينة) أو إن شئت قل (مهجنة) من (خليط) دخيل.."متطفل / طفيلى" على اللغة. ومنها ما هو متمخض من أو عن الأثر  القوى، للغة العربية، نفسه، الذى يمحو شواذ الألفاظ، والكلمات، فتعرّب. ومن الأمثلة الظاهرة، على ذلك، فى لغتنا العربية، الأسماء المتعلقة ب(أشباه المذكر) التى (عجزها) التاء، كآخر للكلمة، يُضاف. وأحيانا يدخل، على آخرها أو هذا العجز(النون)، لتنقلب من (أشباه المؤنث) أو العكس إلى (أشباه المذكر). هى كلمات غير أصلية الجذر، أو أصيلة المنشأ، فى العربية. إضافة إلى معناها، لا مبناها، فحسب. أيضا ترتيب، ووقع (الحروف).
- علامة تعجب : علامة غريبة. أحبها. تسبّبّ أرقا للبعض. وتصيب الآخر ب"إرتيكاريا" حادة، عند القراءة. الباقى، ب"شيزوفرانيا". لذلك فلن (أنقص) منها. الجملة الأخيرة تحتاج فهما. يكفي ما هناك من (نقصان). فى العلامات.
---------------
ملاحظات : 
- للإفادة، راجع :  أى معجم فى اللغة العربية، مثل : لسان العرب - تاج العروس - القاموس المحيط -  الوسيط - مختار الصحاح - المصباح المنير، وغيرها..
-  كذلك الكشف عن عالم الطفيلات، فى معجم بيولوجى حديث. وأى معجم طبى، لأسماء الأمراض الواردة (إسهال. شيزوفرانيا. أرتيكاريا..)
- "للتوسع والإسهاب" راجع : "اللغة العربية معناها ومبناها"، للعلامة اللغوى الكبير/ تمام حسان.
-  بالنسبة لعلامات الترقيم، فالمقال مجرّد  تماما، من علامة التعجب. تركتها للقارئ، رياضة للذهن، وحتى لا يطول..