سرماديا

سرماديا

من هواجز الكتابة




* أفكار ليس لها معنى*
------- خالد العرفي


هذه عدة مقالات مجمعة فى مقال واحد وقد نشرتها على فترات. ليست مجرد أفكار تسكن الوجدان، نستدعيها لنكتبها بقدر ماهى إرهاصات، وبذور فكر، مما نتعلم من الحياة وما زلنا،وإلى الآن. هى نوع من الكتابة الأدبية التى تأتى كسنا خاطر بعيدا عن القصة القصيرة والرواية والشعر. ولا ريب أن المقال كلون من النثر الأدبى يحمل من نبض الكتابة ومن تجارب الحياة، ما لا تحمله الفنون الأخرى ويترك أثره على الكاتب قبل القارئ. ومن هنا من حين إلى آخر أقوم بتجميع تلك المقالات التى تشكّل  نهايتها كتابا ذا موضوع واحد، قد يغيب عن قارئ حينما يقرأ المقال منفصلا، بعيدا عمّا يندرج تحته. الأمر الذى أتبعه منذ فترة فيما أنشر، ككتابىّ (بين القلم والكتابة- فى الإبداع) وكتاب (الحياة والذكريات). وأعجب من نفسي كل العجب، حينما لا أقرأ المقال هكذا، كإبداع أدبى (محض)، مثل القصة والرواية تماما. لون من الكتابة، لا أربطه بحالة مزاجية أو نفسية خاصة، ليس لها دخل من قريب ولا بعيد، فالمقال على كل حال، وبهذا المفهوم، يتضمن فكرة لا توضع فى قصة أو قصيدة أو رواية، وبدايته عادة ما تكون خاطرة.
وبعيدا عن الإستطراد فى تاريخ نشأة المقال فى النثر العربى (راجع كتب الجاحظ وابن المقفع وغيرهما..) تطور فن المقال ليصل إلى ما هو عليه الآن عاكسا إهتمام الحركة الأدبية والأدب العربي به حتى العصر الحديث (الرافعي والكواكبي وطه حسين والزيات والعقاد، وأدباء المهجر مثل جبران وغيرهم...) والراجع إلى هذا التاريح الأدبى يجد كيف تبارى فى هذا المجال أمثال هؤلاء من عمالقة الأدب والفكر الذين تركوا بصماتهم واضحة على وجه الحياة الأدبية والفكرية معا. فالمقال أسلوب خاص وفن من فنون التعبير و النثر العربية التى تتنوع من القصة إلى المقال الذى يتميز بصفة عامة بصغر الحجم، ووحدة موضوعها مع سهولة الأسلوب. حيث يصور فيه المشاعر والإنفعالات الإنسانية نحو الأحداث من حوله ووجهة نظره بقيم جمالية وفنية وموضوعية. والمقال كغيره من الأنواع التى تصل بالكاتب أو الأديب من مرحلة إلى أخرى فى الكتابة عالم، دربة له، وتغولا فى عالمها، ومنه، إلى القارئ المدرك لذلك فترقى بمداركه، وتحلق به في هذه العوالم الممتعة التى يرتادها به كاتبه.  ولغة، المقال مأخوذ من القول. وفى المصطلح، فإن، المقال نوع من البحث المبدع القصير. تتنوع وتتسع مجالاته وتختلف لتشمل تناول كل شيء في العالم من حولنا مستوعبة كل شئ فى الوجود. سواء فى المجال العلمى أو الأدبى أو النقدى، سواء تعبيرا عن العواطف والرغبات أو الأفكار مهما كان نوعها، أو غيرها من المجالات كهذا المقال الذى تقرأه الآن، أمام  ناظريك. والمقال عادة ما يتكون من ثلاثة عناصر هي التمهيد إذ يوجز فيه الكاتب عناصر الموضوع الذى يكتب عنه . ثم العرض، فالخاتمة حيث ما ينتهي إليه الكاتب من نتيجة أراد الوصول إليها. وعلى الكاتب الحاذق حينما يتناول موضوعا ما، أن يكتبه ويقدمه في أسلوب شيق وبطريقة جذابة للقارئ، آخذا بلبّه. بداية من العنوان وحتى تنظيم الفكرة وصياغتها. مع التحرر من قيود الصنعة لتصير الكتابة مع عمق الأفكار سهلة حرة طليقة، واضحة ومتحررة من كل قيد أساسها الإهتمام وتوخي المعنى الدقيق دون إهمال المبنى مع إستقامة الأسلوب والتعبير وسلامة اللغة وصحتها وإستخدام الخيال والعبارات الجزلة المسبوكة. أيضا مراعاة الألفاظ المعبرة الموحية، لتشكيل الصور التى تؤثر فى وجدان النفس والتى تعبر عن العاطفة، حسب مقتضيات الأمر أو الموضوع الذى يتناوله الكاتب.


فلسفة رجل 
------- 

بّحار ماهر من يعرف، كيف يبحر فى بحر هائج، مع العاصفة. يعرف أين يتجه. تلك هى الحياة. لا تحبها كثيرا ولا قليلا. لاتحبها مطلقا، رغم أنك من رحمها، أتيت.  فلا هى، من خسارتك، إذا لم تعرفها‏، فى حياتك، ولا هي من مكسبك، إذا عرفتها.‏ يكذب من يقول ذلك. وتلك هى المرأة، ثم حال الرجل معها. وإن كانت المرأة تفضل رجلا، سبق له الزواج، قبلها‏، فهى لاتنسي القبلة الأولى‏، أبدا. لذلك فهى تنسي الأخير، أقصد‏ آخر زوج.‏ ومآساة المرأة الحقيقية، أن تفقد من تحب يوما ما، فهى لا تختار، إلا من يختارها، فإن فقدت الحبيب، فلا تشعر أنها إمرأة. فالمرأة، وأنوثتها بمن تحب. وعمق كذب المرأة، يكون بالطبيعة، والرقة الحقيقية خيال، فمن تقول لحبيبها، أنها تحبه أكثر من نفسها، وحياتها، فهى‏ لا تحبه، إلا أن تعطى قلبها، فتعطى كل شئ، بعد ذلك.‏ وكل رجل، يريد تلك الزوجة، العاشقة، الحنون، الجميلة، وهيهات، فلم يُسمح لنا بأكثر من أربع، حتى نرى ذلك، مجتمعا، فى كائن واحد. لذلك أعتقد، لا توجد إمرأة، فيها كل تلك الصفات، مجتمعة. وكل من تزوج، يقول لا أعرف كيف كان، وكيف تزوجت، فلا اختار، ولا أحب، إذن كيف تزوج. الأفضل، أن يظل أعزبا طوال عمره، وماتزوج. فالأعزب السعيد، خير، من زوج تعيس‏، تنتهي‏ صلاحيته، ويُقصف عمره، قبل أن يعترف، كيف لم يجد إمرأة، فيها كل شئ، رغم أن النساء أكثر عددا‏، فى الواقع. لا تبتأس، فقبل أن يهبط آدم أبو البشرية إلى الأرض، كان وحيدا في الجنة، وكانت جنة بدون المرأة. قبل أن تُخلق حواء، من ضلع به، يتعذب بها، الرجل. والزوج،  ما هو إلا ذاك الرجل، الذى خدع، فتزوج إمرأة، كان عنده إستعداد لذلك، بالطبع، بأن يقع بإرادته، فى شرك إمرأة‏. والدليل أن الأعزب، هو ذلك الشئ الوحيد، الذي نجح فى فهم المرأة أكثر، هو أنه لم يتزوج إحداهن، رافضا الزواج منها، عن معرفة وبينة، متى، وكيف يقول‏‏ وداعا، لن أتزوج. مفكرا قبل أن يخطو الخطوة،‏ ثم لا يخطوها‏، نحو الإرتباط، واعيا مدركا، حتى لا يرى ما يسمى، بابتسامات ماضية‏، وقائلا، كنت سعيدا، وكان لى ما كنت أتمني تحقيقه، وأستمتع به، لكننى فقدته. العزوبية، حياة للرجل، كوميديا للأعزب، وهى تراجيديا، لمن تزوج، فى يوم ما‏، ودخل فى تلك الطائفة المعذبة على الأرض. ومن هنا، فمآساة فادحة حقا، ألا يحب إمرأة، رجل ما، رغم قولها، أنها تفخر بأنوثتها، فإن سألها، ما المقصود تحديدا، بالأنوثة، لم تدرِ شيئا. هذا بالطبع، إن كنت تعلم أنت، ما المقصود بالذكورة. وإلا كان كل المتزوجين، هم فقط من علموا هذه المصطلحات.  وكعادتى، هى حكمة، وفلسفة فارغة، لا ألزمك بها.‏ عبثا، لمن يصدق ذلك،‏ فأنت لا تعرف، إن كنت متزوجا، أم أعزبا. أرملا، أم طلقت إحداهن، يوما ما ..


فلسفة رجل --- (2)
-------------------
 كل من أحب بقلبه، قد فشل، فى النهاية. تماما، مثل كل من لم ينجح حينما، أحب بعقله. الحياة، هكذا،.. أفضل ألا نحبّ مطلقا، لكن هذا مستحيل. أمر رغم عنى وعنك.‏ لا يمكن أن يتجاهلك قدرك. فالحب خطأ، ليس لك فيه، من سبب، إلا القدر. إلا إذا كنت تعرف سببا خلا ذاك. تعرف كيف تدير هذه المضغة، المسماة بالقلب، بذكاء العقل، الذى هو أول ضحية له، حينما يقع، ويكون الحب. أراك لم ولن تستطيع. فالأحداث الكبيرة، لا تحتاج إلا شئ صغير، لتكون. بإختصار، فمع الحب، لا يوجد‏ عقل.‏ ‏الحب حينما يكون بالعقل فهو إفساد لكليهما. الحب والعقل معا، ثم أنت، معهما. هذا هو سبب جمال الحب، وعذابه، وآلامه، فى الحياة. أن العقل، لا دخل له به، أبدا. يستعبده ويأسره. ومن هنا نبحث عن السعادة، فلا نجدها. هناك من يقول، أن هناك زواجا ناجحا، ولا يستطيع ألمشاورة، على مثل واحد. زيجات ناجحة، ربما. إنما ليس بالضرورة، أصحابها سعداء، فى الحياة، أو كانوا. أنصحك ألا تفكر. لا فى الزواج أقول. لكن فى هذه المقولة. ربما تزداد تعاسة أولئك فى يوم.‏ فحتى تكون سعيدا من السعداء – ولا أظن - مع المرأة، يجب أن تحبها كثيرا، وألا تفهمها أبدا، ولا تحاول. فقد إقتنعت تماما، لأن لأكون من السعداء، يجب ألا أحاول فهم هذا المخلوق، الذى يطلقون عليه إسم إمرأة، لئلا تشقينى وتدمينى، الحياة. إنما، هى عليها أن تفعل، إن أرادت. أتمنى أن أعرف تعريف السعادة قبل الموت، فأكون أحد أبطالها،  فأتوهم أن اللحظة ساعة، أو يوم، وأن لا أعرف مستقبل. لحظة السعادة، لا تقدر بثمن. أمر غريب حينها، نكون قد تأخرنا كثيرا‏، حينما ندرك. فقد مرّ اليوم، الذى كان فيه يحتاج وينقصه الكثير، الأمر. أيضا هذا، لا أعتقد أنه حقيقة، سوف تحدث. أمر له صعوبته، ألا نفكر. أصعب، ألا أنظر فى العينين، دون أن أرى. أرى ما فى القلب، وأمسك به، يقينا. هذا يجعلنى من الأحياء. لذا، لا تستخف مطلقا، بتلك الأشياء التي من شأنها أن تدخل السعادة، على نفسك، أو على من تحب، فقد لا تأتى فرصة للحظة أخرى، وقد لا تلتقي به مرة أخرى. من تحب. فى الحب الحقيقى، نفعل. نادر، ندرة الزئبق الأحمر، والسماوى. حمق كبير، ألا يكون هناك أمل فى ذلك، وغلط أكبر، ‏ألا نريد ذلك. الحب والسعادة، كالرزق والموت تماما، يعرف كل منهم إلى أين، وإلى من يذهب، ومتى، يلحقان بصاحبهما، دون إرادة منه. فهذه الأشياء، تسير فى طريق‏ من يستحقها. لا هو يسير صوبها. تماما مثل  البلبل الذى يغرد، فهى طبيعته، خلقه الله بها، وليس لأن من الألحان، على لسانه، ما هو جميل. فإن لم تقتنع، فإليك مفتاح اليأس، لباب الحياة العتيق. فالحب يدوس كل شئ. ومن لا يحب يدوسه كل شئ. ‏ولا تصدقنى، وقدّس الحرية، بعيدا عمّا ذكرت، فهذ قضية ليست عادلة لك، أن تفكر فى السعادة، وأنت تعيس. الحقيقة لا يعلمها، ولا ينطق بها دائما، إلا خمس.. فيلسوف وحكيم وغائب عن الوعى، وشاعر عاشق، وطفل، لكن كل، بطريقته الخاصة. ولست منهم، من شئ. حقيقة الأمر، أنها فلسفة فارغة أيضا، لا ألزمك بها. أحسن طريقة لتحيا، أن تتمسك برأيك، أنت. وأنت وحالك، فأنظر إلى الوراء، أو إلى الأمام، لا يهم. بدلا من إنتهاج فلسفة فارغة، تأتى متأخرا فى الحياة، لن تنفعك فى شئ، لأنك لا تعرف إذا كنت تعيسا، أم سعيدا، ولأ أعرف أى منهما، أنت..


فلسفة رجل--  (3)
------------
 شجرة الزيتون، لا يضرها إن نبتت وسط الشوك. وكل شئ يذهب ويأتى. وربما إستفدت، وتعلمت من شئ‏، أكثر مما تتوقع. ولا يمكن أن تكون بدرجة حرص لتتمكن من حسن إختيار، كل ما يمرّ بحياتك. هناك دائما ما لا نراه، وهناك ما لا نختاره لأنفسنا. لايوجد ما يجعلنا كذلك، إلا فراسة وتجربة. فى النهاية، صفقة خاسرة، أن تكون وسط الناس، لتتجنب.‏ غريب أن يقع إنسان فى الحب لسبب بسيط. أغرب، أن يفشل الحب لسبب أبسط، منه. يختفي داخلك من تحبه، ويظهر فى عينيك. وفى أعقاب من تحب تسير. تنسى أن تتنفس، قاضيا، على نفسك، بالحب. كذلك إن لم تفعل، فآخر من يكتشف الأخطاء، هو الذى أحب. أقسى من أن تكره‏ - ولا تستطيع - أن لا تبالى. أنت خاسر فى الحالتين.‏ معضلة، حلها، أن تكون‏ أكبر من الحب. وليس أسهل من ألا تحبّ. فالمرأة مخلوق لا تقترب منه، ولاتدعه يقترب منك. رغم ذلك، كيف لا تحب فى الدنيا. عقوبة تستحقها‏، إن لم تفعل، أو بقيت كذلك. وشيء غريب، أن لا أحد يصدق أن الإنسان يحب مرة واحدة، كالموت. الحب جريمة ترتكبها فى حق نفسك، لا تستطيع أن تكرر إرتكابها مرات، فأنت تحب، وأنت مطبق العينين، وعندما تبصر، لا تجد نفسك، ولا  ذاتك.. لذلك، نتساءل لماذا أحببنا. السؤال المفروض لماذا نموت..؟‏ والوحدة بحب مستحيل ضائع، خير، من حياة تعيسة.. وهى بطولة، أن تحبك عشرة نساء، وأنت تبحث عن واحدة. أنت، بالتأكيد أحسن حالا‏، لو لم تحب.. وأفضل بكثير، لو لم تتزوج. وأغرب شئ، أن تصبح رهينة، لكل شئ، لو أحببت. وسوف تشرح حياتك بحثا، عن حقيقة فوق العقل. عن السبب، لما أحببت. فكافح لتنقذ حياتك بألا تكون حبيبا. فإذا أحببت، أحببت الحياة، وصار لك عدوا، من لم يحب.  وبلمسة حب حقيقية تصبح شاعرا، أو مجنونا. وأنصح ألا تكون زوجا. ‏فإمرأه أخرى، لن تستطيع أن تحب، وإن رأيت غيرها. فزوجة مثالية، ممكن. حبيبة، لا. فلا تستعجل وتتزوج. فأعزب بلا ماض، خير من متزوج لا يرى مستقبلا‏. سوف تكذب، إن تكلمت عن سعادتك، كذلك المرأة‏. ‏كذب من قال أن للحب علاج. لا علاج له، إلا أن لا تحب. فكلمة تجعلك تحب. وتغرق فى الحب يوما بعد يوم، دون أن تتعلم السباحة. وكلمة تهدم الحب، إن لم يكن الحب محفورا في القلب. والتذكر حجر يلقى فى الماء، فلا تنسى.. وأقسي عدو لرجل حب إمرأة. حرب عنيفة أن تنساها. والنسيان شمس محرقة، تواصل السفر إليها‏، ليموت شخص آخر، فى ذاكرتك. حلم، لا يتحقق أبدا. وصدق المشاعر يعنى صعوبة حب إمرأة. أصعب أن تنساها. بينهما تتذكرها. فلا حب أبدي، إلا من جانب واحد. الرجل دائما. لذلك إذا أحببت‏ فلا تخبرها، فربما، لا تكون لها. ويبقى لك محاولة النسيان..




رحلة دائمة ***
----------------
من مشرق ما كتبت إلى مغربه، وفي سفر معاكس فى النص، هكذا أنبه نفسي، دائما. ولا أنتظر طويلا،‏ حتى أعيد النظر فيما كتبت، ببحث وتنقيب، عن ضائع أشعر به. عما تفرّق من جسم الفكرة.  كعمل شاق، للوصول إلى ريعان النص، الذى أكتبه، مما يعضّد عزيمة نفسى  ونشاطها. يبعث إلى حركتها، ودليل علي أننى أسير قدما. وتأتي رحلتى الدائمة، هكذا، مع نفسي. ولسان حالى أن الزمان والمكان، لهما ظلالهما معى أثناء الكتابة، قبل أن يشعر بهما القارئ. ولا يكفى الجمال فى اللغة، إن لم أكتب الكلمة، كضربة ريشة، فى لوحة، يستوعب منها القارئ حدود المكان والزمان، حيث يدور الحدث. تحيل الذهن إلى شكل هذا المكان ودفئه. ولحظة زمنه. وحينما اكتب يكون شاغلى هذا. ونحن حينما نقرأ، لا نلتفت فقط إلي جمال اللغة، بقدر ما يكون، لما له مؤثرات على النفس. وأتذكر فى الفصل الأول من رواية غصن الحياة، أنى شعرت بنقص ما فى كتابتى، وأن هناك شئ ضائع منى، بعدما أعدت القراءة.  وبدأت أضع يدى على قصورى الذى شاب النص، بنظرة لم تخلُ من نقد لنفسي، إذا وجدت أن اللغة كانت مسيطرة على الفقرات عبر الفصل كله، قبل إعتنائى بالتعديل مرتين، وعليه قررت إعادة الفصل من جديد، للمرة الثالثة، وأضعه قريبا بعد التعديل. والغريب، أنى لم أعرف بالضبط سبب شعورى، بما ضاع من معنى، قبل أن أستمع إلى هذا الصوت، الذى أحادث به نفسي دوما، ويخطفنى إلى التعديل مرة بعد أخرى. فأنا أعتبر النص كمرأة جميلة، علىّ أن أنظر إلى عينيها حينما تحدثنى. إنه عمق لا يدرك. أفشل دائما فى فهم النص، دون هذه النظرة لعينيه، بعينى عقلى وشعورى. فالنص مثل المرأة الجميلة، دائما تكون مرأة أخرى. ومن هنا فالنص الجميل دائما، ما لم نكتبه بعد، ونبحث عنه. غالبا الأمر يكون كذلك. من هنا، شعورى الدائم، أن هناك ما ينقصنى، ساعيا وراءه. حتى تأتى لحظة ميلاد معينة، وأتوافق مع فكرة معينة، فى نفسي، هى الفيصل فى الكتابة. ولا أصدق نفسي‏ حتى أكتب، كمن قابل صديقا قديما‏، ثم رآه فجأة، فاندهش، يحكي لى ما حدث، ومالم يحدث‏. وينمو النص معى، من هذه النقطة، وشئ غريب، إن لم أشعر بذلك، ولذلك أرى نفسى متنقلا، فى كتابة أكثر من عمل. من النادر، ألا يكون ذلك، مثل عدة  نساء جميلات، على النظر إلى أعينهن، فى نفس الوقت، لأكتب نصّا فاتنا، يغوينى كمرأة جذابة، لم تُرَ، من قبل.. 


فى القراءة **
--------------
النص وجمال التعبير والقراءة، كشجرة نجلس في ظلها‏.. وهناك موانئ للنفس تستقر فيها سفينتنا،  وتطرب‏ فيها الروح. والكتب، أمر أشبه بحب بلا زواج، فتظل تحب إلى الأبد‏. بين هدوء وصخب. ومنها، بالطبع الكتب. ولا يذهب ذهنك بعيدا، منها ما مجرد أن تقرأ فيه صفحة لا تكمل، ملقيا عليه يمين الطلاق البائن..  ومنها ما أشبه بالعانس لا طعم له. ومنها ما هو كإمرأة خلاب جمالها. تحف، تجد فيها المتعة مع الكلمات، والمعنى‏ تراه ولا تلمسه‏. وأنت وشأنك إن وجدت نفسك. صدي راقص مع الظلال، بلا مواجهة.  شئ في القلب،‏ تسمعه ولا تسمعه. ينظر في وجهك، ويحدق فى عينيك، ولا تراه. لا يخطئ‏ من روحك موضعا، كنوم هادئ‏ مرة، أو سير على الماء، أنت غارق بينهما. ولا تفقد شيئا، إلا نفسك. القراءة هى القانون الذهبى، من يمتلكها، ‏يتملك ذهب اللغة، بشقيها، من مبنى ومعنى. تقضى على الهموم، وتهرب بها إلى الحياة. هى كنوز الدنيا، تجعل للحياة  معنى، وقيمة، بأن تجد من تشاركه فيها. وجاءك إبداع فتقرأه، بهذا المفهوم، الذى لا يعطيه لك، إلا القراءة. وإمتلاكك لقلم من ذهب، لن يجعلك أديبا، أو كاتبا، دون أن تقرأ. كمن يمتلك إمرأة، ولا بد أن يكون أبا، فربما لا تنجب، وتظل أنت منتظرا للبنين والبنات، للأبد. وهو الإحساس العميق. و‏تحديد الهدف الفكرى، من الكتابة، هو نصف، أو شطر طريقك، إلى بلوغه، وما تواجهه. فلا تقف في منتصف الطريق‏، كمن ينتظر من لن يأتى، كأرملة طروب. حتى تجد نصرا، فى نهايه حربك، مع فكرة تراودك، ويشتعل فكرك، بها‏. إقرأ، فتكتب، ولا تشعر أنك ولدت بلا ضرورة‏،  ويظل كذلك، من لا يقرأ، وتختفي الدنيا كلها من أمام ناظريه، من يجد نفسه وحيدا، بدون القراءة‏. أنا أشعر بأنها كارثة تلاحقنى، إن لم أقرأ فى يوم، يمضي علىّ، فأشعر أننى فيه، لا زلت حيّا. فلا أشعر أبدا، أن الحياة لاحكمة لها، أو أن لاسعادة فيها. فقط القراءة، هى ما تجعلها كذلك، وما يجعلنى، بحكمتها وسرورها. أخشى ألا يفعل أحد ذلك، فلا يقرأ. ولو عاد بي الزمن، لظللت أقرأ، كل ثانية، من عمرى. فكل يوم‏‏ علىّ، ينقص من عمرى يوم، لكن يضاف إليه، ما أقرأ..‏  

حقيقة ما له معنى
----------
يقال أنه إختفى. ذهب ولم يعد. جاءت أرواح من السماء، وإختطفته من الأرض. إستقر فى خبر مجهول. لكننى لا أصدق، فالكتاب باق. ولأسباب أخرى، عديدة، الكتب خير من الناس. لا جدران بيننا. هى الجسور، مع الحياة.‏ فمن قبل كتبوا ثم ذهبوا.‏ وتركوا، بعدما ماتوا. هؤلاء، هم الأحياء. قرأت لهم وما زلت. فتعلمت،‏ كيف أعلم نفسي الحياة. ربما يوما، أكون واحدا منهم. ولآخر لحظة، لا أعرف حقا، ما سوف يأتى به القلم، من عواصف للنفس. تجعل الأفكار أمامى، كأنها ذهبت هى الأخرى، ولم يرها أحد. إختفت، فاستقرت هناك، فى فوضى عقلى، لا فى الفضاء. ولم يكن لى لأندم كثيرا، لو فعلا أحببيت يوما، أى شئ آخر، غير الكتابة. فكأنى أعانى، من غريزة الشعور الدائم، أنى بين خطأين. خطأ ما كتبت، إلى وقت قصير مضى، وخطأ ما لم أكتب، بعد. هو داء لابد منه. عادة ضرورية.‏ فكدأبى،  إكتشفت مجددا، أنى لا أكتب شيئا، له قيمة. لايزال الكثير، الذي يجب على أن أفعله، حينما يتوقف الليل البارد، فى النفس، وتكنس عواصف  الخريف، الأفكار البالية. وتمسك قبضة الفكر، بما توارى فى عقلى، مختفٍ، من أصوات غريبة، ليس لها أثر..
وتوقظنى مقولتى من غفوتى. فأهم مما كتبت، وما مزّقت. أهم من الإثنين معا، هو ما لم أكتبه بعد. حقا لو كنت جادا، مع نفسي لحققت شيئا، ذا معنى. أن أجد ما يربطنى، بأوهام الخيال، لأجعلها أقوي من الحقيقة. أتمنى أن أكون بارعا، في هذا الكذب الجميل، المسمي بالخيال. خطيئة، أحاول دائما أن أقترف إثمها. ليتنى أفعل أو أستطيع. تصور، أن هذا من جوهر القصّ. قوة الإيهام. تماما، أن أجعلك تحبّ مثلى. تعشق مثلى، أو حتى تكره. أن تذوق الحياة. تحلم بها. تحب الماضي‏. أن أجعلك ترى ما لا ترى. أسمعك ما حولك، فتندهش. وتسائل لتعرف. أن تشعر بالموت. حينما تقرأ. للأسف أفشل فى ذلك، دوما. فأنا ألقى مجرد قشرة بذور أفكارى، خارجا. وفى عقلى، منبتها، وأرضها، وجوهرها. وحينما أصمت، أمام نفسي، فليس هذا معناه، إلا أننى، ليس لدى ما أقوله. لكن لدى ما أفكر به. أتأمله. للأسف أحيانا كثيرة، لا أكتبه.، وتفوتنى إثارته. أعتقد أن هذا، هو سبب فشلى المستمر، فى الكتابة. لكننى، أتمنى أن أموت بين ذراعى الفكر، أرصّع الفراغ، بلآلئه، بدلا من الكتابة. محاولا النجاة، من هذه الحالة. تلك هى الجنة، وأين هى. إلا أننى أعود، وأذكر نفسي بمقولة أخرى، ذاهبا إلى أبعد من ذلك، أن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا بمفرده، وهى مقولة خاطئة مدلسة. لو صدقها أحد، فلن يفعل شيئا أبدا. يضطر إلى ذلك الفشل، إضطرارا. لذلك أصدّق ما أفعل بمفردى، بمفهوم أول المقال، والحديث عن الكتب، غير الخادع. لذلك الذين جربوا يقولون، إنها الحرب مع النفس. من يموت فيها، لا يرى شيئا، من هزيمة، ولا نصر. وأنظر حولى، ولا أجد شيئا قد تغير. أنا الذى تغيرت لأشعر، وأحس بذلك. ربما هذا أفضل كثيرا. بل هو كذلك، وأواجه نفسي به دوما،لأترك بصمة. أعطيها لنفسي أولا، خاصة، حينما، لا أنظر خلفى، إلا قراءة لماض، لأتعلم. أصدم نفسي خيرا من أن يصدمنى واقع مؤلم. من هنا، لا أتوقع شيئا لا قليلا، ولا كثيرا، من أحد. لا شيء يدعونى إلي ذلك، البتة. إنما القراءة، وهى تلك النظرة العميقة، مع نفسي. فإن فعلت أنت، سوف تعجب كثيرا،.. أعجب أن يفكر البعض، أن البعض يفكر بهم. فماذا قدموا، وماذا كان، ليحدث هذا. حقا، أندهش من ذلك كثيرا، لكنه يقع فى الحياة. فى النهاية، نقول أن الأيام والليالي تعلمنا، وفى الحقيقة، نحن نعنى الألم. نقصد مرارة ما عايناه. تلك حقيقة، نقرأها فى الحياة، والواقع، لنكتب دائما، ما له معني.‏ فلسفة فارغة، لا أنصحك، أن تلتزم بها. فأنا لا أعرف ما الذى إختفى، الكتاب، أم الخيال، أم الأفكار..





صوت المكان وظلاله **
----------
من أجمل ما يمكن أن يقابل الكاتب والأديب قارئ يقرأ أعماله بالقراءة متعلقا به، ويقدره.. الأجمل أن يقتنع هذا القارئ بما يقرأ، حتى يظن أن الكاتب هو كل الأبطال الذين يكتب عنهم فى أعمال قصّا ورواية. إن خيال القارئ فى هذه الحالة أكبر من خيال الأديب. فهو يلبسه كل سمات تلك الشخصيات التى أبدع فيها. فبلا ريب أن عدد الشخصيات الخيالية فى القصص والرويات يفوق ذهن القارئ ومن هنا يتصور أن كاتبه هو من يقرأه. وليس بشرط أن تكون هذه الشخصيات حقيقية من الواقع. فالمبدع عامة، خياله خصب وهو يبنى العمل كله من السرد القائم على عنصر الخيال. وإلا كان كل روائى وقصاص هو كل تلك الشخصيات التى نقرأها له. وهناك أعمال أدبية عظيمة لأدباء تعدت شخصيات العمل العشرات فى العمل الواحد بين نساء ورجال. أنظر مثلا لأعمال تولستوى وبلزاك وغيرهم عالميا. وعريبا محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وإحسان والسباعى وغيرهم. بالكاد تستطيع حصر عدد شخصيات كل عمل، مستغرقا معهم. إن نجاح الأديب فى أن يصل بالقارئ إلى مرحلة من التلقى يتصور فيها أن ما يقرأه واقعا هو فعلا نجاح له. وقد ذكرت فى مقال سابق أهميه دور الخيال الموصل إلى الإيهام بهذه الدرجة الفعلية فى ذهن القارئ. ومن قبيل التذكر العجيب تذكرى أنى كتبت مقالا آخر منذ فترة عن مشاهدات حفرت فى ذاكرتى من الطفولة. ومنها ما أسميته بالرجل القطار، وجاء ذكره فى المقال أشبه بقصة قصيرة ولكنها من الواقع الفعلى، وتخيلت فعلا باسما لو أننى فعلا هذا الرجل البخارى هائما والها، كالرجل وأبيت بين القطارات وأقطع طول وعرض المحروسة من الشمال إلى الجنوب، بدلا من طريق بمدينتى الساحلية. إن قوة الكاتب فى قوة خياله بالدرجة الأولى والتى لا تأتى فى لحظة إنما ورائها سيل من القراءة والتدبر والنظر فى الحياة. فربما إستفاد الأديب من خبر يقرأه هنا أو هناك، وربما مشاهدة عابرة فى طريق، وربما من شخصيات فعلية قابلها فى حياته. وربما من ذكريات تستدعيها الذاكرة. إن أدب ديكنز تقريبا كله مبنى على إستدعاء ذكريات من الماضى ومشاهدات فعلية فى لندن الفيكتورية. وعظمته فى توظيف هذه المخزون الهائل الذى نقرأه فى أعماله العظيمة. ولدينا محفوظ الذى صرح بأنه كان يسقط على شخصياته التى كتبها مما قابله فى الحياة. فى الواقع على الأديب أنا ينصت لكل شخصية يقابلها ليستفيد من وجه الحياة هذا. فأنت لن تكتب عن محام أو مهندس أو عامل أو طبيب وغيره، دون أن تعلم لغته وطبيعة عمله. هذا تماما كمعرفتك بتفاصيل المكان والزمان الذى تكتب عنه. وبدون هذا لن تكون هناك جماليات أو قيم فنية فى العمل يشعر بها القارئ ولن تكون هناك قوة إيهام وليس هذا معناه الإستغراق فى التفاصيل إنما للغة كذلك لها دورها فأنت عندما تكتب عن الريف غير ما تكتب عن البحر أو المدينة. وإذا لم تنعكس اللغة وتلك القيم الجمالية مع عناصر العمل فلا أشعر أن هذا العمل يستحثنى لأكتبه. وعادة يكون دور الخيال فى الربط بين هذه العناصر أعمق. فأوقات اليوم لكل منها سمته وتأثيره فالفجر غير الشروق غير الضحى غير الظهر غير الأصيل غير المغرب. وهذا ينعكس على طبيعة النشاط الإنسانى والحالة النفسية. فما بالك فى موقف أن تصفه فى قصة أو رواية يدور فى ساعة من هذه الساعات. مع ربط الوقت بالمكان فيختلف الأمر تماما. فالغروب تراه من قطار بخلاف ما تراه على أفق صحراء أو ارضا زراعية أو بحر، فإن ربطت بين الزمن والمكان والحالة النفسية للشخصية أو البطل مع تأثير القصّ بصوت الراوى أو حتى الحوار فأنت فى طريقك لإيهام القارى بصهر هذه العناصر مجتمعة، فى بوتقة واحدة.. أنا قد يستغرقنى مثلا النظر فى واجهة مبنى متنقلا ببصرى تلك الزخرفات والجماليات وربما أتخيله وهو يبنى.. وربما أبحث عن تاريخ المنطقة التى أكتب عنها وبدون هذا لا أقدر أن أكتب عن المكان وهذا يذكرنى برواية الرحيل شرقا والتى اهتممت بعنصر المكان وتدور أحداثها فى الاسكندرية. فأحداث الرواية تتراوح بين الحى الراقى كفر عبده فى منطقة مصطفى كامل باشا ولوران وسيزينيا وبين مناطق شعبية قديمة، وأماكن أخرى عديدة. إضافة لطبيعة المبانى التى تسكنها الشخصيات فتؤثر عليها وعلى سلوكها وبالتالى فى العمل. هذا أسميه صوت المكان وظلاله التى تلعب قدرا كبيرا من الأهمية فى العمل مستفيدا كثيرا من المراجع والمصادر التى تتحدث عن ذلك.  من هنا لا أندهش لقارئ يتوقع أن يكون ما يقرأ حقيقة، فأنا أحاول بقدر المستطاع، إيجاد هذا فى العمل مع الحبكة التى تطاردها فى نفسك وخيالك فقط . عامة، هى ملاحظة عابرة، تولد منها هذا المقال المختصر ربما أجد فى يوم من الأيام أديبا كان كل هذه الشخصيات فى الحياة التى يكتب عنها، وهذا مستحيل، إنما القراءة ومعايشة وملاحظة الحياة بالوجدان ودور الخيال، هى ما يجب أن يتوافر عند كل مبدع.



رهبة الذاكرة **
---- خالد العرفي
نجد تلك الرهبة، أمام ما للذاكرة، من سلطان. لا نعرف بالضبط متى نتخلص، من صورها. أو لِمَ تظل قابعة، فى ركن ما طويلا.. فى زاوية خارج نطاق الأنظار، لا تعترف بزمن، كذاكرة مفقودة عند مفترق الطرق. يوثقها هذا التيه الذى نقع فيه، ونحن نعلم هذا تماما، كمن يرتمى فى أحضان عباءة ليل، لا نتصور حتى فكرة، أن تستمر هذه الصور، على هذا الحال.. تعيش فى مجرى الذاكرة، مغروسة فى الذهن، ما إن يفتح باب لها، فلا نعرف كيف يُغلق، ليقف تداعيها. لا تقبل نسيان، أو محو. نعود إليها بإستمرار. من الصعوبة ألا نتأثر بعمق، وألا يغمرنا رضا بتجاهل شخصية، باتت كظل، ولم تكن تفصلنا أية حدود عنها. عفى عليها الزمن، لا نعرف أتصبح داكنة مع مر الأيام، وتسير إلى إنحدار بطئ وتلاشى حتمى، أم تظل مشهودة لنا، وقائمة فى زمن معلق، أم تصبح نابضة بالحياة. تبنى ماضيا منسيا، وأماكن باتت مجهولة، إلى حد نسيان، مجرد وجودها فى الذاكرة، وساهمت فى إفقادها. أمام حاضر مُنهك، بذكرياته. شئ هزلى، يفقد كل معنى، ويتقاسمه. وهكذا، وبكل ببساطة، نظل فى الواقع المهتز، فى صورته الأصلية. وبتدرج قاس، حيث يتغير صوت الضجيج، وإلتباس، وحنين إلى الماضى. حيث يشبه تذكّره، قراءة مضمون نص، غير مندهشين من نبرته، أو نسينا معناه،.. أصبح غير ذى معنى، إلا من صور مكدسة، صامتة على جدران باردة للذاكرة. حيث يتوقف الوقت، فى محاولتنا للتخلص منها بالنسيان، تارة. ومحاولة غلق أبوابها، فى العقل، تارة أخرى. فى عزلة أكيدة، وبعيدا عن كل خيال، قد يُودى بنا، إلى أن نُقصي الحياة، لمجرد إغراء صدى مشوش وغامض، كما لو إنعكس فى مرآة منفى، لا نراها. نتوق، لأن تبقى ذاكرتنا فى فراغ، من الأفضل أن تبقى للأبد فيه. ألاّ توجد وسيلة لإرجاع ما انهار منها، مع مرور الزمن.. قبل أن تظهر من جديد، طالّة برأسها مرة، بعد مرة، ونصبح لها رهناء، سجناء. بأن تنتابنا قوة إصرار دفين ، للإستمرار، فى إقتفاء أثر ما، تفتحت أمامه أعيننا، لأول مرة، فى حياتنا، كأنه، هدهد لنا طفولة حياة. هنا نقع فريسة لتلك الصور، التى تكونت فى الذاكرة، وتأبدّت بها. لا يمكننا تفاديها، نخفق مرة بعد مرة، إزاء محاولات محوها، والقضاء عليها بالنسيان. وإن لن نلتقى بها، مرة ثانية أبدا. وكأن قدر للإنسان، هذا السجن، من الذكريات والآثار، ماثلة هناك، فى هذا المكان المسمى، بالذاكرة.. ويتطلب الأمر، مرور سنوات طوال، نترقب لحظة النسيان. فى إختبار لأنفسنا، هل ما زلنا قادرين، على تتبع كل ما تبخر، من أثر حقيقى، لتشكيل مشهد ما مضى، من حياتنا، ممّا صار كخيوط واهية، مفرقة بين عديد، من صور ذاكرة. ومع هذا الفقدان. قد تنعدم تلك اللحظة الحاملة لذكرى. حينما تضيع اللغة، وتتبخر الكلمات، ويخفت مذاق المعانى. حين يتكرر إسم ما، كان يعنى شيئا لنا، فيما مضى، فلا تكون، حينئذ، بمثابة إعادة احياء ذكرى ما، يتردد صداها، فى الروح. بقدر ما يدل على حجم النسيان، المفروض أن يكون للذكريات الأولى. والكلمات الأولى. للخطوات، التى مضينا، ونمضى بها، قدما. مما ظننا أننا سبق، وقيل فيها كل شئ. وما للذاكرة من سلطان علينا، ولا رهبة نجدها، إلا ما إستفدناه فعلا، أمام هذه الرهبة الكبيرة، وهذا السلطان القاهر، بصور إنطبعت، على جدرانها، فرضها أو يفرضها، علينا الزمن. وقد أصبح كل شئ، مجرد هباءات من ذكريات. وفى النهاية، هكذا نتعامل، مع الذاكرة، ونتحكم فيها. نتحرر نحن. وتنزوى، فى جهة ما، أو تتلاشي، مختفية، خارج دائرة الأنظار، غير معترفة بإيقاع، أو مرور زمن، ذكريات، وذكريات. ومع ذلك، لابد أن يبقى منها شئ. إن لم يكن فى الواقع، ففى حلم بعيد، لا يشاركنا فيه أحد، أبدا، ولا نسمح، لما عانيناه، وحدنا. ذقناه وحدنا. وسبكنا وحدنا، فى سبيل، لا يعرفه إلا نحن. ومن جديد، يصبح، ونصبح، ذكرى فحسب، وتمضى الحياة، ونمضى معها، ومعنا، ذاكرتنا...
---------------------------------------------

الحياة والذكريات 
------ 

1 -  الذاكرة بين سطوع وأفول
2 - ماذا نذكر حتى ننسى؟!
3 - الألم وقوة الحياة  
------ خالد العرفي

كأنها المرة الأولى لك، لا تفعل شيئا قط، غير أن تعيش تبدلات، وتغيرات، لا تكاد تلحظ، أو يلاحظ أهمية أمرها، إلا أن تواصل الحياة بها، بينك وبين نفسك. لا أحد يستطيع مشاركتك فيها. وهكذا، نحن، وهكذا أمر الإنسان، بصفة عامة، مع الذاكرة، كحركة دوران الشمس عدة مرات فى اليوم، على نوافذ مشرعة منها ومفتوحة، فيضاء له كل شئ، من حوله.. بين سطوع وخفوت. إلى هذا الحد، لا جديد في الحقيقة، غير أن تكتشف، أنه ما هناك ضرورة إنتظار أن يمر عمر طويل، أو أمد، دون تفكر فى طبيعة الأشياء، من جديد. فما عليك إلا أن تنطلق، دون عائق.. حلّق وحلّق، إلى أعلى، لترى الأشياء فى جوهرها. وفى حقيقتها مجردة ناصعة . حينما تفعل، قد يصبح من المحتم عليك، التوقف مرات قليلة، أو مرة وحيدة حقيقية، كي تلتقط أنفاسك، قبل أن تبلغ المنعطف الأخير، من حياتك، مع الذاكرة، وتشك فى نفسك، أو فى  أنك كنت موجودا، أثناء انقضاء ذكرياتك الماضية. دون أن تفهم مسوغات، أو مبررات محصول عمر، قد مضى. ولتقدم غير نفس الجواب الدائم، متسائلا ماذا هناك، أو ماذا يمكن أن تفعل...؟
ولا يكون هناك مهربا، من عهد على النفس، لإستكمال ما بقى من العمر، ومن الحياة بأكملها، بعيدا فى سلام، مع الروح. فلا تصرعك، أو يذيبك قهر أسئلة تقطن بداخلك، وتتوغل بأعماقك، فى يمّ، بلا ساحل. تساؤلات تجرفك بقوة غريبة، لا مرّد لها. ليس لها إجابات، مطلقا. هكذا تظن. وتحسب الأمر، حتى لا تخدع نفسك، أو تخادعها بزيف، فتتلاشى .إذن، لم يكن سوى متابعة أيام، كضرورة يوجدها القدر، فى مأمن من ذكرى تباغتك، فجأة. تهاجمك باصرار.  تُلمح طالة من عينيك، كضوء الصبح.  فتهزمك، مخيلة لا تزال، تحمل تلك الصور، لملامح، مثل هذه  الذكريات، ساكنة خلدك. تتجدد دماؤها، فى عروقك. تحيط بالروح. تحوطها بكل شجن. ورغم ذلك، منها ما يُضئ القلب، ويُلامس وجده، رغم فى بعض الأحيان، نبل ألم دفين فى جوانح النفس، وشجى حزن، في خفايا الذات.  وبلا شك، لا يستطيع أحد أن يأخذ حيطة أو حذر، أمام ذكريات، لا يستطيع حظرها، أو أسرها خلف جدار. لمجرد طمأنة، أنه فى طريق سليم، وبداية حياة جديدة، وكل شئ وراءه. وأن الأفق الفسيح أمامه. فيظن أنه ملكها، وملك السيطرة عليها، لكنها تصبح أحيانا، كالزئبق، تنفلت، من بين ثنايا الذاكرة. تخترق الفؤاد، فتصيبه، كأنها سهم من السهام القاتلة. مهما حاول أن يمارس الحياة بشكل طبيعى، أو صورة معتادة. كأن يبدأ بسرد جراح أيام صعبة، فتقفز فجأة إلى ذاكرته، تلك الذكريات مسترسلة، كدم ثائر متدفق، حاضرة بكل تفاصيلها، بخضم من الألم. حينئذ، تتبدل المشاعر، وتتقلب بين شوك ونار، وألم وعذاب. حينها يتأكد، أنه لا من شئ منها إلى زوال، أمام حقيقة واحدة، ووحيدة، أنه ليس كل شئ ينتهى، أبدا، إلا بالموت. ولكن، تحكيم المنطق والعقلانية دائما يحاول الإنسان، معه وبه، أن يسدل ستارا على ذكريات أوجاع مزعجة، تطارده، أوآلام ثقيل عبئها، ويعجز عن تحملها. ليمنح نفسه شعورا بالأمان، يتردد في صدره. ليواجه الحياة وما يتغير من حوله، دون صدى  ماض، قد فارقه، بالفعل.  ولكن بعد مرور الزمن، قد لا تكون بادية هي نفسها، على كما كانت عليه، ذى قبل. ومع الوقت، تضحى، فى العقل، أكثر  وضوحا، لا تنكسر بشئ. لاغيامة، فيها، ولا اختلاط  بينها، أو فيها. أو تبدو كمصباح شاحب، أو خافت، شيئا ما. ولا سبيل لإستردادها أبدا. تخلفك بعدها، في أسوأ حالات وهن، وضعف، أمام محاولة تذكر، ما كان يوما.  والحقيقة هي أن أول تبدلات الذاكرة، تكون شديدة البطء، لا تكاد تلحظ، ويواصل أحدنا حياته، بينه وبين نفسه، مثلما كان على الدوام، إلا أن التبدلات، قد تكون سريعة، مع الفكر والتدبر. كأن تمحو شيئا، منها. أو تحتفظ بما قد تجد فيها لك، واحدة من أنواع الحياة، تصدح بنقاء الفطرة، أفضل مما توقعته أو أردته أنت، ذات مرة، لنفسك. وهى نفسها، هذا الوجه الغريب، من الذكريات، الذى يتلألأ نورا، فى النفس، كلما تذكرته.  وعليك أن تذرع تلك المسافات، فى عقلك، أو ذلك الجزء المسمى بالذاكرة، ذهابا بلا عودة، للبحث والمطابقة بين وجوه وأسماء تظهر وتتلاشى، خفية دون تعيين ملامح لها، بين حين وآخر. فتنجز مهمتك مع الذاكرة على أكمل وجه، ومع ذلك، لا كمال. وإن أخطات طريق الذهاب، أو تأخرت لسبب ما مجهول، فلا تواصل شيئا. تلك ليست بموهبة كبيرة، ألا تتمسك بالسير قدما، في اتجاه معاكس تماما، لما كنت فيه، ولم يكن متوقعا لك، يوما. وهكذا، تنتقل من نافذة إلى أخرى، وينتهى الأمر كيفما أمكن بك، بلا مزايا بريق، يغريك أمام ذاكرة تعود بك إلى ماض. وتشعر بدونها، أنك حى، وتبقيك بمثل حيويتك، قبالة مقبرة كبيرة، لذكريات مرّة. لأنه لم يكن لك لتملك سوى أن تدعها فيها بائسة، فتشعر، آنذاك، أنه لا وجود لها. أو أنها كانت  مجرد خيال مر عليك مرورا عابرا،  لما كانت عليه، ذات يوم، حتى لا تفقد الطمأنينة، مع الذات. الأمر دائما، أسوأ مما تتخيل وسط هذه الدائرة.  أو لما كنت ترغب، فى السنوات التالية من عمرك. إنما هو قدر غريب، يتوقف على الظرف والأسلوب، الذى تحيا به. لتبدأ حياتك الحقيقية، دون مقدمات، أو إنذار مسبق. بالطبع هذا نصر جديد وكبير لك، فى الحياة، أن تتغلب على مثل تلك الفجوات، من الذاكرة. وما من شئ به نعبر، أو يمضي علينا، إلا وأصبح أعمق بُعدا، وأقوى معنى،.. فقط أن بقَينا بعده، نتفكر ونتدبر. وإن إتقينا من الأفكار تُقاة، فلا نتيحة لذلك أبدا، مع مرور زمن. وحتى لو تولَّينا بعيدا، وخَلَوْنا بأنفسنا، إلى ظلّ ذاكرة، نستطيع خلف أسوارها، إعادة نبض ذكرى، أكملنا بعدها الطريق، إلى مجهول، أو أجل مقدور، صامتين. وإنْ مسَّ القلم ضُرٌّ، لئلاّ يعلن شيئا، من أصداء ذكريات تُدمى النفس، بصورة أكبر، من أن تطمرها مآرب، أو ظنون. فلا تتسائل ماذا تذكر حتى تنسى؟! وماذا يوجد حتى تراه؟! وما من شئ. وإنها لبصائر. وهى فحسب، مكاشفة، وحديث روح، لروح، عبر الذكريات. فى النهاية، نظل نذوق بصمود، وَبَالَ ما كان، وما لم يكن. نُحيله إلى ذهب، بين ألم وذكرى، وسرّ وجهر. تخشى الروح بينهما، أن يصيبها شئ من  دائرة نسيان، تُسلم بعدها. أو يجف مداد القلم، فيجثم، لا تأخذه رجفة حياة، فلا يستطيع أن يحرر ذاكرة، من قيد، لا يمكن أن يتكرر معه، أو يكرره قدر.

الألم وقوة الحياة
--------------
ولكل شئ ألم. للصمت ألم. للإنتظار ألم. للذكريات ألم. الحياة بدون نور. ترقب ما لا يأتي.. الوحشة.  العودة إلى ماض. المستحيل. عمق الألم تذكر رحيل ووداع. الحياة بدون روح. أن تكون ولا تكون. أن تتلاشى فى أسى. أن تغرق فى حزنك. أن تغيب عيناك وراء أفق بعيد كل لحظة. أن تصبح الثانية دهرا. إفتقادك لروحك. أن تعيش بذكرى أحد. إشتياقك لروح. هفو الروح لروح. رحيل الروح، لما ليس لها أبدا. ألا تعرف ما أصابك. أن يسألك أحد ماذا بك؟ ولا تستطيع أو تعرف كيف تجيب. ألا أحد يعلم قدر ما بك. ألا تعرف نفسك أو تتظاهر أنك ما زلت حيا. ألا تعرف تعبيرا عن ألمك. عجزك. قهرك أمام آلامك.  يأسك أن تعود كما كنت. أن يحتل غيرك جنبات نفسك. محاولات لا تجدي أمام ما تبقى منك. صراع النفس مع نسيان فاشل، وجبرها على ذلك. قمة الألم بقاء ما لا يمكن نسيانه. يظل بك، لم، ولن يغادرك أبدا. ألم أن يعاندك القلم ويعصاك. أن يعلن ما بك رغما عنك. أن يسلمك هكذا، وأنت تنظر. أن تخونك إرادتك. أن تظل تتحدث بما فى نفسك. الألم يسكننا ونسكنه.  ومع هذا كله، نحقق المستحيل بالألم،  رغمصلابة الحياة، التى تصرعنا، بقوتها دائما. وهى كذلك. فلا تنظر بغرابة، وإندهاش مذهولا، متعلقا  بأذيال واهية. أنت من تختار، إما تنهض بقوة الحياة فيك، أو تلتصق بالأرض، ضعفا ووهنا، فلا تقوم. القوة الحقيقة، داخل أعماقك، هى قوة الروح، تشق طريقك، بها. وما أحرى الإنسان بها، ليتمسك بالأمل، فيستحثّ طاقته الكامنة، وليمتلك زمام الأمور، ونصابها، بهذه القوة الخفية. وهكذا، كل يوم، يتفقد ذاته، ويكتشفت سفور الحياة، فيُماط له اللثام، كأن عيناه تتفتح، لترى النور من جديد، وينفتح، على مصراعيه، باب الحقيقة، شمسا مشرقة، للروح. حينئذ، يستطيع الإنسان، التغلب على الألم.



كيف لا تصبح فيلسوفا؟
--------------------- خانتنى الذاكرة، هذه المرة، فلم أتذكر أين قرأت، منذ زمن، أن الفيلسوف الحقيقى يظهر ما بين الأربعين، والخامسة والأربعين، من عمره. حقيقة الأمر، لم أشأ البحث عن مصدر هذه المعلومة، التى سكنت رأسى مؤخرا. ثم ألقيتها بعيدا. أقنعت نفسي، أن من قالها فيلسوف فاشل، وإلا كنت قد تذكرت اسمه، بسهولة. بالطبع ليس ديكارت، ولا جان بول سارتر، ولا أشباههم. الدليل الأرجح على الصواب، كان فى يدى. فقد أكملت الخامسة والأربعين، هذا العام. ببساطة شديدة، إنتصف عقدى الخامس، ولم تظهر على أية بادرة لفلسفة، ولا أيضا أشباهها. شئ محزن، ألا تصبح فليسوفا، فى هذا العصر. ولم تكن من قبل حتى تعرف، ولا من بعد، لتتيقن. طبعا، هذا شئ مقلق للغاية. لكن يحب ألا تقلق، فى هذه المرحلة العمرية من حياتك. كيف لا تصبح فيلسوفا؟
الأكثر ترجيحا، أنك لن تكون، فى يوم من الأيام، من الفلاسفة. ويزداد الأمر قلقا، مع تقدم عمرك، إن كان. فليست مشكلة كبيرة، أن عدد الفلاسفة سوف ينقص، واحدا. أو أن أحد العرب أو العجم، لن يقرأ إتجاها فلسفيا جديدا، فى القرن الواحد والعشرين. عن نفسي، لا يتعدى نصيبى من الأمر، سوى حب الحكمة. وتلك، لم أطلها هى الأخرى، مطلقا. فلا تكن مثلى..  
ما الحل إذن فى تلك المعضلة، سؤال تافه، وبلا شك، غير مجد. بالطبع لا تشغل بالك به، أو أن تجعل مثله يدور فى خلدك. وأنصحك ألا تفعل، فبم ستفيدك الفلسفة؟ وأرجّح مرة أخرى، ألا تنشغل بمثل تلك الأمور، واتركها، واحتفظ بعقلك. لا أقول لك افعل مثلى، فأنا لا أعتنق مثلا الكتابة، فى الأمور السياسية. وهذه طبعا ليست بفلسفة، أو بحكمة. لأنك لو فعلت سنكون إثنين، فى هذا الوطن. وأنا أحب ألا ينافسنى أحد، فى عدم إنشغالى، على الأقل، بعدم المبالاة والكتابة من حيث قلة الفلسفة، والسياسة..  
من هنا، ربما نعرف سبب، لماذا تأخرت أمارات الفلسفة فى الظهور.. وماذا كنا سنفعل بها؟ فليأتِ عامك السادس والأربعون إذن، ولا تكون فيلسوفا. فماذا أعطى أفلاطون، ولا أرسطو، ولا سقراط، وغيرهم.. للعالم؟! 
وهل لأن تكون كاتبا، يجب أن تقرأ فى الفلسفة، أو تكون فيلسوفا؟ 
هذه أشياء تافهة وعقيمة، لا تنشعل بها.. إعتنق، أو لا تعتنق شيئا، ورحبّ بعقود عمرك ومنتصفاتها. ابتسم، شريطة ألا تنتظر رأى، مثل من نسيت اسمه. فقد تكتشف أنك الوحيد الفيلسوف، وأنت لا تعلم! فقط إحتفظ بفلسفتك، بنفسك، لنفسك. ومن عدم الفلسفة، أن فى ضحوة هذا اليوم، الصافى ضوئه، لم أستسلم لإغراء جديد، فلم أضع شيئا. كانت كل القواعد والمبادئ مكسورة من حولى، كان كل شئ ممكن. كل شئ يقول وينطق بذلك. إذن، لن أفعل شيئا جديدا. أجل، لن أضع، هذا اليوم، قاعدة جديدة أكسرها، كما أفعل، دوما. أعرف جيدا ما أستطيعه، وما لا أستطيعه. إذن، لايجب الإقدام على عمل ثان، فى نفس الوقت،  أليس كذلك..؟ هكذا دائما أحذر نفسي. ودائما، فى كل مرة، أخالف ما أضعه من قواعد، ساخرا من نفسى. أحادثها، ضع القاعدة كى تكسرها، لا شئ  ثابت أو صلب، فالقواعد دائما يتم مخالفتها. بالطبع، هذا أفضل، من لا شئ. الأمر هكذا أكثر إثارة. هذه هى القاعدة الدائمة، التى لا أخالفها. خالف كل شئ، إكسره فى الكتابة، ولا إستثناء. تلك هى، العلاقة الوحيدة الغريبة، التي أقمتها فى سنوات حياتى، مع الأشياء من حولى. فأكتب، أو لا أكتب. ودائما القراءة هى الفائزة، فى النهاية. هذا هو، الإستثناء الوحيد.
وقع الكلمات
----- خالد العرفي
أسير على البحر أعواما عديدة، وصولا لمنارة، لم تغص فى البحر. أحيانا يصبح من طقوسي أوسم بها نفسي، ركوبى قطارا أصفرا، يشق بطن مدينتي. حينما أفعل، أخرج من جلدي. جسمي كلية.. أرتحل..
أحب آخر مقعد قبل الممر، بين عربة وأخرى. أحجزه لنفسي، بذهابى لأول محطة. أضمنه، فلا ينازعنى فيه أحد.
هناك زاوية كاميرا ممتازة، أرى من خلالها وجوه بشر..
 تصعد.. وأخرى تهبط.. هذا عجوز. ذاك شاب. كهولة. طفولة. رجال. نساء. أجساد مشحونة بملح..
قلّما تجد من يتفرّس وجها مثلي. حفظت وجوه كل من رأيت. رتبتها فى ألبومات. ألبوم الأطفال يستهوينى. براءة. ابتسام.  بكاء..
فى القطارات، أسمع أصواتا، لا أسمعها إلاّ هناك.. تحمل ملخص حياة. يفاجئك نداء بائع متجول!
فاصلا لمشهد تراه عينا عقلك. تصبح الصورة هكذا..
الزمن .. نهارا. ليلا " لا يهم "
المكان .. داخل عربة قطار سائرة. متوقفة " لا يهم "
الصوت.. منولوج داخلى. مشاجرة. نداءات. أو صمت..
الكاميرا.. إقتراب. تجول. تركيز. محمولة. ثابتة " إختيارات "..
رجل.  شاب. طفل. عجوز. إمرأة " لا يهم "..
يجلس منفردا. أو ينضغط بين الزحام. على سطح قطار، يقابل دفقات هواء.. الحياة
الإضاءة.. خافتة. ساطعة " إختيارات "
إبدأ ليلا. إنتهى نهارا. أو إعكس الإتجاه. إختار..
" كلوز " للكاميرا. تحرك للأمام، بدون علامات تعجب، لسنياريو.. فاصل..
فرح. حزن. حياة. موت. مسميات. دلالات. وجوه مستعارة. ذهول!
تتكون عشرات الصور. ثابتة كصنم. متحركة كطائر. ملامح وسيناريوهات. دراما شكسبيرية. نصر. هزيمة.
شريط يمضى. صورة وراء صورة. تلاشى. نبض. وقوف. تحرك. تعثر. تقاطع. بصوت فى الخلفية.. كوميديا سوداء..
خروج من " الكادر". أحمل زاوية " كاميرتي" لشارع. لمدينة. لرصيف. لميدان. لسرداب. لدهليز. لصندوق. لقبو. لممرّ. لسوق. لمولد. لمعبد. لمسجد. لكنيسة. لإعتصام. لمظاهرة. لثورة. لحاضر. لمستقبل.
أو أعود لماضيّ. لمدينتى. لبحري. لسمائي.
للنهار"فلاش باك" ..!!


تجربة غريبة
 ---- خالد العرفي
ما كان ليقدر لى الإنصات، لصوت غامض، هكذا.. ليست لأن الكتابة، مردود لتجربة غريبة إكتسبتها، من هذا النداء الصامت، أو لوحة أمتلكت ألوانها لفترة، ثم تلاشت وراء دروب العقل فجأة. لكن، لأن النور كان قويا فى بادئ الأمر، وسرعان ما تلاشى وأنا أتبعه، كأفضل قصّاصّ أثر، فى قلب مجهول. إكتشفت أنه لم يحدنى أمل براق فى رؤيته، أو أحيط بمصدره تماما فى عقلى، فأهتدى إليه. قبل هذه الحادثة مع الكتابة، كنت أتلقى ومضات، كأنها تخطط لتوقعنى فى الأمر، وإستمالتى دونما شعور منى. فوضى من دعوات متكررة، تدفعنى لأقطن هذا العالم المجهول، لأختص به وحدى، ويختص بى. ولكننى بت أكتشف الأمر، بين الحلم والواقع. كأننى أتنقل بين التاريخ والأسطورة، فاقدا براعتى، على الإمساك بخيوط  غائب، وراء حدود حواسى، وعقلى. أنها تجربة غامضة ومتوهجة، مع الكتابة، جولة بعد أخرى. لكنها فشلت، لتهدينى إليها، وفشلت معها، قبل أن أنغمس فى محاولة كشف مدلولها معى، هذه المرة، من حياتى. وبمجرد أن ألقيت النظرة الأولى الخاطفة، على ما تبقى منها، قاصدا دليل، استجلى به هذا الغموض وسببه، وجدت ما حيّرنى أكثر، كمتاهة للروح. لكنه، كان شيئا فائق الأهمية، للنهوض، إلى مرحلة متقدمة مع الذات، وإكتشافها، على الأقل ملاذا منشودا للقلم، فكرة ومعنى، وزادا. إكتشفت معه، أننى لم أكتب شيئا بعد، يستحق أن أقرأه، ويأخذنى إلى ما أفكر به. حتى الشعر أرانى أتنصل منه، وأنكره، على نفسي. أعتبره مجرد تجربة نفسية، مضت وذهبت، حملت عينا للروح، لا تحملها القصة أو الرواية. ولست شاعرا، ولن أكون يوما، ما حييت. إذن كانت مواجهة الذات، فيما أعمق مما تحمله كتابة الشعر من قصائد نثرية، من معان وآفاق نفسية. ولا شك، فتلك هى الكتابة، بمفهومها ومعناها الواسع، لما نكتب، وللتعرف على ما نفكر به، ونهتم به فى الحياة. نمخر به عباب آفاق الروح. فنصبح مع الأمور، وجها لوجه، ومعنا تصبح. وأعتقد أن هذا هو القاسم المشترك، لما وقفت عليه بين تلك الأمور، التى حيرت عقلى وفكرى، رغم الفرق الشاسع بينها. 
والحديث، حديث ذات، وهموم نخوض فيها، وبها مع القلم، تستغرق وقتا، بل أمدا. وما إكتشفته حديثا، أوقفنى عند أشياء ما كان يأتى بها، إلا الزمن وحده، خلال تجربة إنسانية، تستثير كوامن الروح، قبل أن تقع عيناى على جوهر الأمر، حتى لو كان عملا واحدا، يستغرق العمر كله، ويأخذنا  معه، حتى يظهر. وحتى وإن استوعبت التجربة الشعرية جانبا من هذا، فقد صرت على بينة ويقين أن الأمر، لم أستكمله بعد، مع نفسي. ويتلاشى معه كل ما مضى من القلم. إنه فراغ، لا يملأه إلا الفكر الصافى، فى دقائق الأمور. وهنا لا يحمل هذه المعانى، ليس الشعر أبدا. إنما التجربة الكلية، فى عمل تعطيه من نفسك وفكرك. وهذا هو السبب الأساسى، فى إلغاء أو تعديل أشياء نشرع فيها، فتسلمنا إلى أشياء أخرى أعمق، تثنينا إليها، وتميل بنا، قوة خارقة. وتوصيف الأمر على هذه الشاكلة، هو بداية طريق جديد، نستجمع فيه الشأن، وإن كان فيه معاناة وألم. وأعترف لنفسي، أن مايمر بالإنسان من خبرات وتجارب، له دخل كبير فى هذا، وإن لم يره من قبل، دهرا، حتى يواجهه فى نفسه. وكأنك عالم آثار، تكتشف من بقايا الماضى، وتبنى صورة لواقع يقود إلى مستقبل. قد أكون مخطئا، فى إهدار تجربة كتابة مررت بها، وإستغرقت وقتا، لكن بلا ريب إستفدت بها، كتلك البقايا، التى ينظر إليها بتمعن العالم الأثرى، يستنطق فيها، ما لم يره إنسان، قبله، أو لم تتح له فرصة التزود بمعلومات، عن هذا الغموض، الذى إكتنف الأمر. وتبقى هنا، لى ومعى، روايتى الأثيرة (شيزر) لتحمل من كل هذا، وأحملها، ما لا يمكن أن يحمله شئ غيرها، من معان وفكر.


الأحلام الخضراء 
صوت الكتابة *
-------  خالد العرفي
عالم من الأفكار يتنامى، ويتعاظم في كيانك. يتكاثر، فى الوجدان، وينتشر ضياؤه. يجد لها كل منفذ، لمحيط القلم، الذى يتسع، في مهد صيرورة دائبة. لينفتح على مداه، أمامك ما انغلق، لأشعة الفجر، فى العقل، والروح. يزيل كل نقاب وغيم، عمّا غاب، يوم ما، لشئ ما.. لفكرة..، أمام وجه الشمس.  شئ ما، يستحق الذكر، أن نكتب عنه، ونكتبه.  لغة لأحلام خضراء، فى نبض الحياة. تسكن الأسفار، من جديد، فتجدّد الحياة نفسها.. وللقلم لغات. منها، لغة الفجر. الروح. لغة الأحلام. ومنها، لغة اللحظة. ومن هذه اللحظات، تلك التى تحيا فى القلب. والصدر. لحظات، هى كل ما يبقي، كعلامات فارقة. تتحدث، عمّا كان يوما، من جميل حلم، ومكنون نغم شجيّ، لسرّ مصون، صامت. ممّا أخفاه الزمن، بين شفتيّ الحياة. لم يبح به حفيف ظلال كلمات، ولا رفيف أجنحة ماض. لم يبق، منه، سوى ذكريات. ترفرف حول ما بقى، من أماني توارت، وآمال إنزوت. لغة، تنصرف بها، الروح، إلى عالم آلام خفية، وابتسامات تأبى أن تُولد. تطوف كل لحظة، مستأنسة بذكرى، طاوية ما انقضى، وقد قطن القلب، خفيا، حينا من الدهر. 
عند الرحيل،.. وفى الوداع، مؤكد أن هناك لغة، لشئ ما، دائما، يستحق الذكر، عندما نكتب، أو نصف مثلها. أشياء ومشاعر، لا تختفي من مخيلتك أبدا، مهما حاولت طردها من رأسك. تظل، كأنها ظل لك. مصير لا يفارقك، طوال حياتك. لغز لا يكتشف سره، ولايُدرك كنهه، فهما، إلا أنت وحدك. مهما تباعدت، أوتناءت بك المسافات. شعورا وإحساسا عميقا، تفهمه قربا، منك، كأنفاسك، تتردد بين جنبيك. وتدرك بُعده، عنك، كخيال طيف، حائم، من حولك. وكلما مرّ وقت، إزداد غموضا، وإبهاما.  تذوب معه، وتختفي كل فوارق المكان والزمان. يتمكن منك، كأنك فى عالم غير هذا العالم، ووجود غير الوجود. شئ يفتح لك أبوابا سحرية، للغة فكر وشعور، بعيدا، عن كل ما هو أرضى. لتلمس نفسك، فى السماء، ما يُوقظ الروح. حيث تمر الأيام، كأحلام خضراء، وتنقضي الليالي، كأنهار نور جارية، بعذوبتها، في ربيع حياة، لا ينمحى قدره، مع ذكريات مضت، وأيام ولّت. هنا، فقط تستطيع أن تضع الروح، والنفس، فى هذه اللغة.
ولحظات أخرى، وعلى حين غفلة، سرعان ما تنتبه فجأة، فتري خفايا، ينقلب معها كل هذا، ويتحول. ينعطف بك الأمر، ليقظة، من نوع آخر. أعماق تتسع وجعا، وإنفعالات تنبسط يأسا. يكتنفها حيرة، وشوق غريب. سهاد، يثير أسى، في الصدر. تتوهم، أنك كنت فى خيال مذهل، غير الخيال. كأنها، كانت حياة خالية، باردة. حياة لم يبق من آثارها، إلا غصة حزن أليمة، في الفؤاد. وتتبدل من حولك سكينة الأيام، بوحشة مقفرة، ومُرّة. وهنا، تولد لك وحدك، من جديد، لغة لأحلام أخرى،  فى عالم آخر، لا تختاره لنفسك. ولا يعلم عنه أحد شيئا. لا توّد أبدا، أن يشاركك فيه غيرك. مع ذلك، تستظهر عجائبه، كصفحة بيضاء خالية. دون عواصف، تثور في جوانبه، أو عتمة ظلمة حالكة، تغمر بصيرة، تحيط، وترى.  وأتذكر، من أمثال تلك اللحظات التى يتمخض عنها، من قبيل تلك الغات النابضة،  أننى إنهيت، خمسة دوواين شعرية، خلال فترة، لم أكن أتصورها. وإمتدت بى لرحابات بعيدة جدا. بل، وفتحت لى آفاقا واسعة، فيما كنت أعمل عليه، من أعمال أخرى، متباينة المجال والمشرب، بعيدا عن الشعر، الذى أنأى عنه. ومنها كتابى التاريخى، الذى أوشكت أن أنتهى منه (إمارات عربية طواها التاريخ: إمارتا "بنو منقذ" فى "شيزر"- و"بنو عمار" فى "طرابلس") الذى طاله شئ،  من روح تلك اللغة، التى تتجدد حياتها. إنها آفاق، تلمس نفس، وروح الكاتب، وتحلّق به، قبل أن تقع عليها، عينا القارئ.



من هواجز الكتابة
-------  خالد العرفي
على نحو مفاجئ، كانت الأفكار بعيدة متنافرة، تنقلنى من مجهول إلى مجهول، تلك الليلة الغائمة، التى لم تتركنى بسلام منذ أمد.. لكنى تذكرت المثل الصينى " فى الكارثة، دائما، هناك فرصة لائحة". كان هذا التنافر الكارثىّ فى التفاصيل المعلقة دونما مخرج. تخدع العقل، لا أكثر. لم يرهقنى كتاب قدر هذا الكتاب الذى انهيت فصله الأخير، البارحة. كان على أن أكبّر التفاصيل. أربط بينها، لأقبض على العمق الغائب عنى. كان أحد التفاصيل مريبا، راوغنى كمهرج، يتقافز فى الحلبة كبهلوان، يلعق الألوان مهووسا، فيضحكنى كطفل. نحّيّته جانبا، ووضعت حوله سياجا، حتى لا يختلط ببقية التفاصيل، فأراها صافية. جمعت ما تبقى، من أفكارى فى أمكنة فارغة منفصلة، بمنئى، عنه. ألقيت حجرا صغيرا، داخل الداومة الثابتة، المنعزلة. إنفتحت الدائرة المغلقة قليلا. وسرعان ما تتابعت حلقات، وراء حلقات. تآلفت من هذه الأشياء العجيبة، صورة درامية، للأجزاء المبتورة. فغاب صريف الصمت الباهت، فى الغبار. وظلّ كل شئ كما هو. الأفكار هى هى. المنضدة كما هى دوما منضدة. السقف هو السقف. حتى أننى شككت فى أنه فوق رأسى، فرفعت عيناى. فكان كما هو مثبت على الجدران. كان ذلك، هو الهاجز الذى أثارنى.. لماذا كل شئ كئيب، بعد ما حدث أول هذه الليلة لابد أن يكون كل شئ، قد غادر مكانه. لابد أن يرتفع السقف قليلا، أعلى من مكانه، الذى تبلد فيه منذ أن رأيته. كما كان دوما، فى أول الفصل. لماذا لم يعصف بالصمت جديد، لمَ لم ينطق سكون الليل، بين الكلمات. أيقظنى من إستهجانى لهذ الرتابة، خاطر غريب. تسائلت، من يزيل كل هذه الألوان من وجه المهرج، فى العنوان. كانت ألوانا كثيرة تملأ المسافة بين أذنيه وجبينه الضيق، الذى إنسدل على حاجبيه. أخرجته من منئاه، ورسمته على ورقة.. وضعت على أنفه علامة كبيرة باللون الأحمر، دما متخثرا، لمقاومة الروتين. ليس على البشر أن يفكروا، دائما. كان على الأرجح أننى إستعدت، لأوراق ملقاة على مكتبى، شيئا ضائعا بين التفاصيل الباهتة، بالدم المتخثر، لأعيد الحياة لفكرة هذا الفصل، الذى خيّم عليه ليل طويل. لم يكن علىّ منذ وقت طويل مضى، إلا أن أضع بقعة وحيدة متناهية الصغر، بالقلم لأنهى هذا الكتاب العالق فصله الأخير، بين ضواحى العقل، كأن لا نهاية له. إكتشفت إلى أى مدى كانت فكرة التفاصيل عالية فى السماء. حشد كبير من أطياف كثيرة، غير مرئية. شظايا عير متناهية، بدرجات هاربة، بعير صواب، فى كل الإتجاهات. إلى أن جاءت الومضة البارقة، لتطوق لى الأمر كله برمته، على جثة مهرج مرسوم، فى لحظة من الزمن، داخل سياج ورقى. بعيدا عن أفكار، كان يمكن أن تضيع، بين حشود الألوان. فى النهاية إنفجرت شلالا ضخما، فأنهيت منه الفصل. وبقى لها منها، كتاب آخر. فى عمق ثنايا الذاكرة..



حقيقة ما له معني
----- خالد العرفي
يقال أنه إختفى.. ذهب ولم يعد. جاءت أرواح من السماء، وإختطفته من الأرض. إستقر فى خبر مجهول. لكننى لا أصدق، فالكتاب باق. ولأسباب أخرى، عديدة، الكتب خير من الناس. لا جدران بيننا. هى الجسور، مع الحياة.‏ فمن قبل كتبوا ثم ذهبوا.‏ وتركوا، بعدما ماتوا. هؤلاء، هم الأحياء. قرأت لهم وما زلت. فتعلمت،‏ كيف أعلم نفسي الحياة. ربما يوما، أكون واحدا منهم. ولآخر لحظة، لا أعرف حقا، ما سوف يأتى به القلم، من عواصف للنفس. تجعل الأفكار أمامى، كأنها ذهبت هى الأخرى، ولم يرها أحد. إختفت، فاستقرت هناك، فى فوضى عقلى، لا فى الفضاء. ولم يكن لى لأندم كثيرا، لو فعلا أحببيت يوما، أى شئ آخر، غير الكتابة. فكأنى أعانى، من غريزة الشعور الدائم، أنى بين خطأين. خطأ ما كتبت، إلى وقت قصير مضى، وخطأ ما لم أكتب، بعد. هو داء لابد منه. عادة ضرورية.‏ فكدأبى،  إكتشفت مجددا، أنى لا أكتب شيئا، له قيمة. لايزال الكثير، الذي يجب على أن أفعله، حينما يتوقف الليل البارد، فى النفس، وتكنس عواصف  الخريف، الأفكار البالية. وتمسك قبضة الفكر، بما توارى فى عقلى، مختفٍ، من أصوات غريبة، ليس لها أثر..
وتوقظنى مقولتى من غفوتى. فأهم مما كتبت، وما مزّقت. أهم من الإثنين معا، هو ما لم أكتبه بعد. حقا لو كنت جادا، مع نفسي لحققت شيئا، ذا معنى. أن أجد ما يربطنى، بأوهام الخيال، لأجعلها أقوي من الحقيقة. أتمنى أن أكون بارعا، في هذا الكذب الجميل، المسمي بالخيال. خطيئة، أحاول دائما أن أقترف إثمها. ليتنى أفعل أو أستطيع. تصور، أن هذا من جوهر القصّ. قوة الإيهام. تماما، أن أجعلك تحبّ مثلى. تعشق مثلى، أو حتى تكره. أن تذوق الحياة. تحلم بها. تحب الماضي‏. أن أجعلك ترى ما لا ترى. أسمعك ما حولك، فتندهش. وتسائل لتعرف. أن تشعر بالموت. حينما تقرأ. للأسف أفشل فى ذلك، دوما. فأنا ألقى مجرد قشرة بذور أفكارى، خارجا. وفى عقلى، منبتها، وأرضها، وجوهرها. وحينما أصمت، أمام نفسي، فليس هذا معناه، إلا أننى، ليس لدى ما أقوله. لكن لدى ما أفكر به. أتأمله. للأسف أحيانا كثيرة، لا أكتبه.، وتفوتنى إثارته. أعتقد أن هذا، هو سبب فشلى المستمر، فى الكتابة. لكننى، أتمنى أن أموت بين ذراعى الفكر، أرصّع الفراغ، بلآلئه، بدلا من الكتابة. محاولا النجاة، من هذه الحالة. تلك هى الجنة، وأين هى. إلا أننى أعود، وأذكر نفسي بمقولة أخرى، ذاهبا إلى أبعد من ذلك، أن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا بمفرده، وهى مقولة خاطئة مدلسة. لو صدقها أحد، فلن يفعل شيئا أبدا. يضطر إلى ذلك الفشل، إضطرارا. لذلك أصدّق ما أفعل بمفردى، بمفهوم أول المقال، والحديث عن الكتب، غير الخادع. لذلك الذين جربوا يقولون، إنها الحرب مع النفس. من يموت فيها، لا يرى شيئا، من هزيمة، ولا نصر. وأنظر حولى، ولا أجد شيئا قد تغير. أنا الذى تغيرت لأشعر، وأحس بذلك. ربما هذا أفضل كثيرا. بل هو كذلك، وأواجه نفسي به دوما،لأترك بصمة. أعطيها لنفسي أولا، خاصة، حينما، لا أنظر خلفى، إلا قراءة لماض، لأتعلم. أصدم نفسي خيرا من أن يصدمنى واقع مؤلم. من هنا، لا أتوقع شيئا لا قليلا، ولا كثيرا، من أحد. لا شيء يدعونى إلي ذلك، البتة. إنما القراءة، وهى تلك النظرة العميقة، مع نفسي. فإن فعلت أنت، سوف تعجب كثيرا. أعجب أن يفكر البعض، أن البعض يفكر بهم. فماذا قدموا، وماذا كان، ليحدث هذا. حقا، أندهش من ذلك كثيرا، لكنه يقع فى الحياة. فى النهاية، نقول أن الأيام والليالي تعلمنا، وفى الحقيقة، نحن نعنى الألم. نقصد مرارة ما عايناه. تلك حقيقة، نقرأها فى الحياة، والواقع، لنكتب دائما، ما له معني.‏ فلسفة فارغة، لا أنصحك، أن تلتزم بها. فأنا لا أعرف ما الذى إختفى، الكتاب، أم الخيال، أم الأفكار...  

سحر الكتابة
----- خالد العرفي
 إلا بقدر ضئيل من رغبة، وأمام جموح الحياة، وسيطرة غرورها، وبشكل غير عادى. أحيانا، لا يكون أمامك إلا مطاردة أفكار أو آراء غامضة، ضد زيف مشاعر وخيالات من أحاسيس، تصدمك بها الحياة. ولا يبقى فى النهاية، إلا حقيقة وحيدة. لا ترى سواها، ولا تهفو إلا إليها دائما، بينك وبين نفسك. وهكذا، فهناك دائما أمر ما. وهكذا يكون الشأن، من حين إلى آخر، وتلك الأفكار الغريبة، التى تظل ماثلة، وعلى نحو غريب. تتردد هنا وهناك، فى العقل. ويظل الفكر والتأمل، بصورة حية صادقة، بحثا عن الحقيقة. سواء أكتبت أو لم تكتب. وغالبا، ما تكون تلك الفترة المشرقة، التى تسطع فيها الحقيقة، فيما نكتب والعقل والذات، فى حالة إنفصال تام، عن الواقع. تسمع صوتا، لا تعرف مصدره. لا يكاد يتلاشى حتى يظهر. يرتفع من جديد. تطارد معه الفكرة وتطاردك. لا تشعر بمرور وقت، ولا صيرورة زمن. لحظة آنية ممتدة، فى النفس. تنهل منها، فى عالم خيال. هذا هو الإحساس العظيم المسمى بالكتابة. ربما، فيما لم ولن يقرأه أحد، إلا بعد أن يستقر داخلك. أما ما يكون، بين دفتى النهار والليل، وأنت فى هذه الحالة، فغالب الأمر تحتفظ به، لحاجة فى نفسك. وما يهرب ليقرأ، ما هو إلا شذرات، وربما وضعت صورته الكاملة يوما ما، كما هى بين يدى العقل، وعلى الأوراق. وتلك فقط، هى الأوقات المحفوفة، بصداع يموج فى الرأس. فى حين تتسائل: ماذا فى الأمر؟.. أشبه برنين أجراس تدق فى الرأس، وتغيب فيها الروح. وفى دقائق قليلة، ما إن تصل إلى تلك الحالة، تجد هذا التوحد والتلاشى، وفى نفس الوقت بين عالمى الخيال والواقع، ويدب الدفء في الأفكار، ممتدا إلى الروح والعقل. عندئذ، ندرك هذا الجانب من سحر الكتابة. ذلك هو الشئ المضئ فى النفس، الذى يتسلل إلى مداد القلم، وإن إختفيت فيه أنت، لتبقى هى. تظهر ملامح وتخفى تعبيرات، لا يمكن رؤيتها. وتشعر أنك بحاجة إلى مزيد ومزيد، من غياب الذات، فى الفكرة وبقسط وافر من الجمال، لتقوى وتشتد. لتملأ أماكن شاغرة، فى الروح.. وتقول بعدها: الأمر الآن على ما يرام. 
وليس هناك حاجة، على الإطلاق فى توصيف هذه المسألة، إلا لأنفسنا. نفهم ونعى وندرك ماذا هناك، على تلك الحافة، بين العقل والجنون. هل هو الإبداع. هل هى راحة نفسية. هل هى المعانى. هل الأمر فى نهايته، مسألة أن نكون. أم أننا فعلا لا نكون إلا بهذا..؟ ومن هنا، تأتى المعاناة والألم. حتى نصل إلى طبيعة الكتابة وسحرها فى الروح. بالطبع، هذا سبب خفى لقراءة بعينها، من أجل الإحساس بهذا الدفء الغريب، الذى تبثه فى النفس نصوص فريدة من نوعها. وليس لغيرها هذا الأثر. معرفة وضياء وإحساس بمعنى، يصل إلى أعماقنا. ومرة أخرى، يترامى إلى سمعك، من جديد هذا الصوت الغامض، وتذهب بك نظرة، تتجه إلى عنان السماء. شئ كبشارة الصبح، بهذا اللون الوردى الغريب. تشعر أنك على وشك العثور على نفسك، فتعتريك دلائل الدهشة. تنظر فيما حولك، ولا ترى شيئا. وفى وقت، ترى فيه بعينى عقلك كل شئ، بما فيه الكفاية. وأحيانا أخرى، ورغما عنك، لا تشعر إلا برغبة مواصلة، تلك النظرة الخالية من أى حياة، أو إهتمام بها، كمن فقد الوعى. بما يشبه إحساسا ببرودة شديدة، تسرى فى الأوصال، فينعدم الإحساس، وتموت موتا بطيئا، الأفكار. لا تدرك كم من الوقت مضى، وكم يبقى لتقضيه. بل الأكثر دهشة من ذلك، أنك نفسك، لازلت على قيد الحياة، ولا طالما تحسب عليها. وفى آونة أخرى، لولا حدوث أمر ما فجأة، ما حدث شئ فى النهاية، وما كتبت ما لا يخطر على بال، أو خاطر. فقد ترى بالمصادفة أمورا غريبة، تدور من حولك، فتحس بشعور الإكتشاف، وتدرك معناه فى متعة شديدة. وإن لم تكتب للناس، أو يقرأ أحد. ومن المحتمل، أنك لم تكن كذلك، على الإطلاق، ولم تكن تفكر فى شئ، من هذا القبيل، فى يوم ما. ولكن بت تفعل، محاولا أن تعرف ذاتك.. 
-----------------



من فلسفة رجل
أفكار ليس لها معنى
مقال1 - 3
------
بّحار ماهر من يعرف، كيف يبحر فى بحر هائج، مع العاصفة. يعرف أين يتجه. تلك هى الحياة. لا تحبها كثيرا ولا قليلا. لاتحبها مطلقا، رغم أنك من رحمها، أتيت.  فلا هى، من خسارتك، إذا لم تعرفها‏، فى حياتك، ولا هي من مكسبك، إذا عرفتها.‏ يكذب من يقول ذلك. وتلك هى المرأة، ثم حال الرجل معها. وشجرة الزيتون، لا يضرها إن نبتت وسط الشوك. وكل شئ يذهب ويأتى. وربما إستفدت، وتعلمت من شئ‏، أكثر مما تتوقع. ولا يمكن أن تكون بدرجة حرص لتتمكن من حسن إختيار، كل ما يمرّ بحياتك. هناك دائما ما لا نراه، وهناك ما لا نختاره لأنفسنا. لايوجد ما يجعلنا كذلك، إلا فراسة وتجربة. فى النهاية، صفقة خاسرة، أن تكون وسط الناس، لتتجنب..‏ وغريب أن يقع إنسان فى الحب لسبب بسيط. أغرب، أن يفشل الحب لسبب أبسط، منه. يختفي داخلك من تحبه، ويظهر فى عينيك.. وفى أعقاب من تحب تسير. تنسى أن تتنفس، قاضيا، على نفسك، بالحب. كذلك إن لم تفعل، فآخر من يكتشف الأخطاء، هو الذى أحب. أقسى من أن تكره‏ - ولا تستطيع - أن لا تبالى. أنت خاسر فى الحالتين.‏ معضلة، حلها، أن تكون‏ أكبر من الحب. وليس أسهل من ألا تحبّ. فالمرأة مخلوق لا تقترب منه، ولاتدعه يقترب منك. رغم ذلك، كيف لا تحب فى الدنيا. عقوبة تستحقها‏، إن لم تفعل، أو بقيت كذلك. وشيء غريب، أن لا أحد يصدق أن الإنسان يحب مرة واحدة، كالموت.. الحب جريمة ترتكبها فى حق نفسك، لا تستطيع أن تكرر إرتكابها مرات، فأنت تحب، وأنت مطبق العينين، وعندما تبصر، لا تجد نفسك، ولا  ذاتك. لذلك، نتساءل لماذا أحببنا. السؤال المفروض لماذا نموت..؟‏ والوحدة بحب مستحيل ضائع، خير، من حياة تعيسة. وهى بطولة، أن تحبك عشرة نساء، وأنت تبحث عن واحدة. أنت، بالتأكيد أحسن حالا‏، لو لم تحب. وأفضل بكثير، لو لم تتزوج. فأغرب شئ، أن رجلا تتمناه كل النساء، رجل أحبته كل النساء. رغم أنك تصبح رهينة، لكل شئ، هكذا تصبح، لو أحببت. إن أحببت سوف تشرح حياتك بحثا، عن حقيقة فوق العقل. عن السبب، لما أحببت. فكافح لتنقذ حياتك بألا تكون حبيبا. فإذا أحببت، أحببت الحياة، وصار لك عدوا، من لم يحب.  وبلمسة حب حقيقية تصبح شاعرا، أو مجنونا.. وأنصح ألا تكون زوجا. ‏فإمرأه أخرى، لن تستطيع أن تحب، وإن رأيت غيرها. فزوجة مثالية، ممكن. حبيبة، لا. فلا تستعجل وتتزوج. فأعزب بلا ماض، خير من متزوج لا يرى مستقبلا‏. سوف تكذب، إن تكلمت عن سعادتك، كذلك المرأة‏. ‏كذب من قال أن للحب علاج. لا علاج له، إلا أن لا تحب. فكلمة تجعلك تحب. وتغرق فى الحب يوما بعد يوم، دون أن تتعلم السباحة. وكلمة تهدم الحب، إن لم يكن الحب محفورا في القلب. والتذكر حجر يلقى فى الماء، فلا تنسى. وأقسي عدو لرجل حب إمرأة. حرب عنيفة أن تنساها. والنسيان شمس محرقة، تواصل السفر إليها‏، ليموت شخص آخر، فى ذاكرتك. حلم، لا يتحقق أبدا. وصدق المشاعر يعنى صعوبة حب إمرأة. أصعب أن تنساها. بينهما تتذكرها. فلا حب أبدي، إلا من جانب واحد. الرجل دائما. لذلك إذا أحببت‏ فلا تخبرها، فربما، لا تكون لها. ويبقى لك محاولة النسيان. وعمق كذب المرأة، يكون بالطبيعة، والرقة الحقيقية خيال، فمن تقول لحبيبها، أنها تحبه أكثر من نفسها، وحياتها، فهى‏ لا تحبه، إلا أن تعطى قلبها، فتعطى كل شئ، بعد ذلك.‏ وإن كانت المرأة تفضل رجلا، سبق له الزواج، قبلها‏، فهى لاتنسي القبلة الأولى‏، أبدا. لذلك فهى تنسي الأخير، أقصد‏ آخر زوج.‏ ومآساة المرأة الحقيقية، أن تفقد من تحب يوما ما، فهى لا تختار، إلا من يختارها، فإن فقدت الحبيب، فلا تشعر أنها إمرأة. فالمرأة، وأنوثتها بمن تحب. وكل رجل، يريد زوجة، عاشقة، حنون، جميلة، وهيهات، فلم يُسمح لنا بأكثر من أربع، حتى نرى ذلك، مجتمعا، فى كائن واحد..ذلك أعتقد، لا توجد إمرأة، فيها كل تلك الصفات، مجتمعة.. لا تبتأس، فقبل أن يهبط آدم أبو البشرية إلى الأرض، كان وحيدا في الجنة، وكانت جنة بدون المرأة،.. قبل أن تُخلق حواء، من ضلع به، يتعذب بها، الرجل. والزوج،  ما هو إلا ذاك الرجل، الذى خدع، فتزوج إمرأة، كان عنده إستعداد لذلك، بالطبع، بأن يقع بإرادته، فى شرك إمرأة‏. والدليل أن الأعزب، هو ذلك الشئ الوحيد، الذي نجح فى فهم المرأة أكثر، هو أنه لم يتزوج إحداهن، رافضا الزواج منها، عن معرفة وبينة، متى، وكيف يقول‏‏ وداعا، لن أتزوج. مفكرا قبل أن يخطو الخطوة،‏ ثم لا يخطوها‏، نحو الإرتباط، واعيا مدركا، حتى لا يرى ما يسمى، بابتسامات ماضية‏، وقائلا، كنت سعيدا، وكان لى ما كنت أتمني تحقيقه، وأستمتع به، لكننى فقدته. العزوبية، حياة للرجل، كوميديا للأعزب، وهى تراجيديا، لمن تزوج، فى يوم ما‏، ودخل فى تلك الطائفة المعذبة على الأرض. فكل من تزوج، يقول لا أعرف كيف كان، وكيف تزوجت، فلا اختار، ولا أحب، إذن كيف تزوج. الأفضل، أن يظل أعزبا طوال عمره، وماتزوج. فالأعزب السعيد، خير، من زوج تعيس‏، تنتهي‏ صلاحيته، ويُقصف عمره، قبل أن يعترف، كيف لم يجد إمرأة، فيها كل شئ، رغم أن النساء أكثر عددا‏، فى الواقع. ومآساة فادحة حقا، ألا يحب إمرأة، رجل ما، رغم قولها، أنها تفخر بأنوثتها، فإن سألها، ما المقصود تحديدا، بالأنوثة، لم تدرِ شيئا. هذا بالطبع، إن كنت تعلم أنت، ما المقصود بالذكورة. وإلا كان كل المتزوجين، هم فقط من علموا هذه المصطلحات. وكل من أحب بقلبه، قد فشل، فى النهاية، تماما، مثل كل من لم ينجح حينما، أحب بعقله. الحياة، هكذا. أفضل ألا نحبّ مطلقا، لكن هذا مستحيل. أمر رغم عنى وعنك.‏ لا يمكن أن يتجاهلك قدرك. فالحب خطأ، ليس لك فيه، من سبب، إلا القدر. إلا إذا كنت تعرف سببا خلا ذاك. تعرف كيف تدير هذه المضغة، المسماة بالقلب، بذكاء العقل، الذى هو أول ضحية له، حينما يقع، ويكون الحب. أراك لم ولن تستطيع. فالأحداث الكبيرة، لا تحتاج إلا شئ صغير، لتكون. بإختصار، فمع الحب، لا يوجد‏ عقل.‏ ‏الحب حينما يكون بالعقل فهو إفساد لكليهما. الحب والعقل معا، ثم أنت، معهما. هذا هو سبب جمال الحب، وعذابه، وآلامه، فى الحياة. أن العقل، لا دخل له به، أبدا.. يستعبده ويأسره.. ومن هنا نبحث عن السعادة، فلا نجدها. هناك من يقول، أن هناك زواجا ناجحا، ولا يستطيع ألمشاورة، على مثل واحد. زيجات ناجحة، ربما. إنما ليس بالضرورة، أصحابها سعداء، فى الحياة، أو كانوا. أنصحك ألا تفكر.. لا فى الزواج أقول. لكن فى هذه المقولة. ربما تزداد تعاسة أولئك فى يوم،..‏ فحتى تكون سعيدا من السعداء – ولا أظن - مع المرأة، يجب أن تحبها كثيرا، وألا تفهمها أبدا، ولا تحاول.. فقد إقتنعت تماما، لأن لأكون من السعداء، يجب ألا أحاول فهم هذا المخلوق، الذى يطلقون عليه إسم إمرأة، لئلا تشقينى وتدمينى، الحياة. إنما، هى عليها أن تفعل، إن أرادت. أتمنى أن أعرف تعريف السعادة قبل الموت، فأكون أحد أبطالها،  فأتوهم أن اللحظة ساعة، أو يوم، وأن لا أعرف مستقبلا.. لحظة السعادة، لا تقدر بثمن. أمر غريب حينها، نكون قد تأخرنا كثيرا‏، حينما ندرك.. فقد مرّ اليوم، الذى كان فيه يحتاج وينقصه الكثير، الأمر. أيضا هذا، لا أعتقد أنه حقيقة، سوف تحدث. أمر له صعوبته، ألا نفكر،.. أصعب، ألا أنظر فى العينين، دون أن أرى.. أرى ما فى القلب، وأمسك به، يقينا. هذا يجعلنى من الأحياء. لذا، لا تستخف مطلقا، بتلك الأشياء التي من شأنها أن تدخل السعادة، على نفسك، أو على من تحب، فقد لا تأتى فرصة للحظة أخرى، وقد لا تلتقي به مرة أخرى. من تحب. فى الحب الحقيقى، نفعل. نادر، ندرة الزئبق الأحمر، والسماوى. حمق كبير، ألا يكون هناك أمل فى ذلك، وغلط أكبر، ‏ألا نريد ذلك.. الحب والسعادة، كالرزق والموت تماما، يعرف كل منهم إلى أين، وإلى من يذهب، ومتى، يلحقان بصاحبهما، دون إرادة منه. فهذه الأشياء، تسير فى طريق‏ من يستحقها. لا هو يسير صوبها. تماما مثل  البلبل الذى يغرد، فهى طبيعته، خلقه الله بها، وليس لأن من الألحان، على لسانه، ما هو جميل. فإن لم تقتنع، فإليك مفتاح اليأس، لباب الحياة العتيق. فالحب يدوس كل شئ. ومن لا يحب يدوسه كل شئ. ‏ولا تصدقنى، وقدّس الحرية، بعيدا عمّا ذكرت، فهذ قضية ليست عادلة لك، أن تفكر فى السعادة، وأنت تعيس. الحقيقة لا يعلمها، ولا ينطق بها دائما، إلا خمس.. فيلسوف وحكيم وغائب عن الوعى، وشاعر عاشق، وطفل، لكن كل، بطريقته الخاصة‏. ولست منهم، من شئ. أحسن طريقة لتحيا، أن تتمسك برأيك، أنت. وأنت وحالك، فأنظر إلى الوراء، أو إلى الأمام، لا يهم. بدلا من إنتهاج فلسفة جوفاء، تأتى متأخرا فى الحياة، لن تنفعك فى شئ، لأنك لا تعرف إذا كنت تعيسا، أم سعيدا، ولأ أعرف أى منهما، أنت. حقيقة الأمر، أنها فلسفة فارغة، وكعادتى، هى حكمة غير مجدية، لا ألزمك بها.‏ عبثا، لمن يصدق ذلك،‏ فأنت لا تعرف، إن كنت متزوجا، أم أعزبا. أرملا، أم طلقت إحداهن، يوما ما ..
------------------------------------------