سرماديا

سرماديا

مصابيح.. سنن وقوانين الحياة** مقال


مصابيح.. سنن وقوانين الحياة.. (1)
**صفحات من كتاب خلوات فكرية
----- خالد العرفي

بسهولة، نتذكر إسم عالم، أو أديب، أو فيلسوف. وبسهولة أكبر، تعى ما قدمه أحد منهم، من إنجاز للبشرية، علما وفكرا وأدبا. يأتى إسم أديسون، فتهلّ الكهرباء، ويبزغ المصباح، بضوئه، على أفق الحديث. ويذكر إسم أينشتين، فندرك نظرية النسبية، وعظمتها. وتفكر، فى السفر، فى مجاهل الفضاء. وتتوه مع إنحناء الزمن، والجاذبية، وسرعة الضوء، وغيرها، من أمور. وهكذا، كل إكتشاف علمى، أو عمل أدبى عظيم، يرتبط بصاحبه، معروفا به. وشاهد الأمر هنا، أنه قد أوثر عن راحلين عظماء، من فلاسفة وكتاب وأدباء وحدتهم المثمرة، عزوفا عن الإشتغال بأمور السياسة، أو الحديث والكتابة فيها. وليس تركا للتفكر بها، أوالنظر فى أحوالها.. لمعرفة سنن  الحياة، والتدبر فى الحِكم، فى خلوات فكرية صافية وبعيدة، فى وحدتهم،  عن الغير لئلا يطرقوا ما لا يستحقونه، أو أن يكون لهم فيه، من شئ. وإليك من أمثالهم، حديثا، الحكيم، وعبد الرحمن بدوى، وجمال حمدان، ومصطفى محمود،.. وغيرهم كثيرون. ممن عاصروا من تاريخ مصر أحداثا جساما، وأمورا عظاما، حتى النكسة والحرب والعبور العظيم.. فلم ينزلقوا، إلى مستنقع خطرات عابرة زائفة، وآراء سمجة متسرعة. وبطبيعة الحال، إن المفكر غير الصحفى، بخلاف الأديب والكاتب.. إنما أحوال أمثال أولئك، كانت التفكر بعمق، وتقديم ما ينفع الناس، من علم وفكر وأدب.. عبر مشروعات فكرية لايقيسها عوام، ولا يستطيعونها، بحال من الأحوال.. وخلال أطروحات روحية، توغل فى أهداف الفكر البشرى، ولا يدركها دهمة من الناس. كل له وقت وله حين، ليظهر. مجبولون على ذلك فطرة. ويُصطفون.. لذلك نتذكرهم على مر الزمن، ونتمثل بهم، ونتمنى سيرا فى طريقهم.. صفوة هم. نقرأ لهم، بعين العقل والروح. وقد تركوا على الدرب، من الكتب نافعه، ومن المصنفات جليله. طبقات وطبقات. تقرن باسم كل منهم. وتذكر بمجرد ذكره. وبعيدا عن شأن الأدب، وشأو العلم، ودور التفكر فيهما، وصولا إلى مستوى التصوف، نجد لنا قدوة، فى الأعمال، التى نتجت عن العزلة عن البشر. بوحدة من فكر دائم، وعمل مستمر دءوب، تربية للنفس وبناءا لها، وفى ظل أنس حقيقى بالله، والإستغناء به عن كل أحد. نجد منها، ما لا يمكن غضّ الطرف عن ذكره، فى مثل هذا الصدد. سواء من علم ربانى، أو كلمات حكيمة صادقة. وهناك أمثلة لاتحصى، ومن ذلك حكم ابن عطاء الله السكندرى. والرسالة القشيرية، والفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن عربي. وغيرها من معان ومضامين جمعتها بين دفتيها مصنفات كثيرة، لمشايخ، وأئمة متصوفة كبار آخرين، كأبى نعيم فى طبقات الأولياء، وما ورد فى معاجم القوم. أو ما ورد لصوفية عظام، فى عديد من كتب التفسير والتوحيد وكثير من دواوين، مماغلب عليه جميعا من طابع صوفي وروحانى، لغة ومضمونا. أمثال ابن الفارض، وجلال الدين الرومي، وغيرهما، من رجال. وكلها أمثلة، تشير إلى ما يمثله هذا، فى مقام الإحسان من الإسلام، ورياض الأذواق العلية، فى إعتبار الوجد، والحب والتجليات الصوفية. مجمل القول، قد ترى غثاء السيل والريم المساق، من أقوال وكتابات، ليس لها حظا من معنى. لا لفظا ولا مضمونا، فلا يطالعها عاقل. مما كتب أويقال هاهناك. حال من لا يبقى منه شئ،.. وأنت تجد كل المجتمع يتحدث. ويحلل. ويفتى. ويتنفس ويتقول. دونما فائدة، كأن الدنيا، تنتظر له حديثا. وكأن لامحيص من ذلك. أو أن العالم سوف يتوقف، دون رأيه المشهود الجلل، الذى يراه غيره من الورى. فتسكت دقات ساعاته. 
قلّ، بل ندر ندرة الحكمة، من تجده يعتزل حديثا غير مُجد، مبتعدا حكيما، غير قائل أو مستمع لسفه، نائيا بنفسه عن مثل ذلك من هدر للوقت مضيعا لهدوء النفس،.. وليتفكر العقل الأمر ويتدبر. وهذا حال من ذكرت، من أمثال علماء وفلاسفة ومفكرين ومتصوفة، وغيرهم فى خلواتهم الصافية، عن كدر هذا الصنف .. وإلا ما كان لهم، من أثر فى الأنفس. أولئك خلوا بأنفسهم، أو مع من يضايهم فكرا، ويعادلهم عقلا ورأيا. لذلك نذكرهم دائما، بنظرهم فى دقائق الأمور، وتدبر أحوالها، للإمساك بشمول التصور، وكمال الحقيقة. ولذا أيضا، نتذكر منهم، ما نفع غذاءا للروح والعقل، معا،.. ونقرأ لهم ما يفيد، وقد قرَّ فى الوجدان، وسبر العقل دواخله. وأخيرا فى هذا المقام، قد لا يتوقف المداد، عن ذكر من يجب ذكره. أما الصنف الآخر، الذى يمتد من زمن، إلى زمن، ومن مكان، إلى مكان، على الساحة،.. ممن منتشرة باحته ومرتفعة عقيرته، فمصيره بلا ريب، إلى زوال، ولا يبقى منه شئ.. سنن آلهية قائمة، ليس لها تبديلا،.. هى قطعا قوانين ربانية، ليس لها أو عنها تحويلا. لذلك أمرنا بالتفكر والتدبر. ومنحنا الله العقل هبة منه جل شأنه، عقيلة لنا. لئلا يكون على القلوب، من أقفال، ولا يرنو عليها ران. فاللهم لك الحمد كله. عدد نعمك وآلائك، التى لا تعد ولا تحصى.
---------------------------------------------------