سرماديا

سرماديا

كواكب أخرى *** مقال


 
عصر الإكتشافات
كواكب أخرى
--- خالد العرفي
   كون شاسع هائل، يستحيل تخيل مداه.. ويوما بعد يوم، نتابع الإكتشافات العلمية المثيرة.. تتوالى، وتترى. ومنها الإكتشاف الفلكية المذهلة، لعديد من كواكب، تدور حول نجوم، خارج مجموعتنا الشمسية. وإحابة عن سؤال العلماء والفلاسفة على مرّ العصور: هل نحن وحدنا فى الكون؟! نعاين حقيقة، أنه يوجد إحتمالان لا ثالث لهما، إما نحن وحدنا فى الكون، أم لا.. وكلاهما إحتمال، يجعلك تغرق، وتغرق، فى فكر عميق.. ولا شئ يحدث، إلا إذا تحرك شئ آخر، كما قال ألبرت أينشتين.. وتستمر الإكتشافات، وذلك فى واحدة من أعظم المهام العلمية، والتاريخية الكبرى، فى مسيرة العلم، ليس فقط، لوكالة الفضاء الامريكية NASA التى تقوم بها، إنما للبشرية عامة. إنها رحلة البحث عن كواكب، أو أرضين أخرى صالحة للحياة، فى مجرتنا. وتحديدا، فى قطاع فلكى معين، ومجال رؤية، مداه عدة آلاف من السنين الضوئية، من مجرتنا Milky Way،.. مجرة درب التبانة، كما يسميها العرب. وهى إكتشافات مسبر الفضاء كبلر "NASA's Kepler space telescope" الرائعة، فى تلك المجرة، التى ينتمى إليها نظامنا الشمسى  Solar System .. حيث يعيش الإنسان على كوكب، من كواكب هذا النظام..، الأرض.. ضمن مجرة، تحتوى على نحو، مائتى إلى أربعمائة بليون نجم.. وتصور هذا العدد، من النجوم فى مجرة واحدة واحدة فقط، من مجرات هذا  الكون الشاسع، المتسع. ويقدر عددها فى الكون، بأكثر من خمسين مليار مجرة، بأنواعها المختلفة، سواء كانت مجرات هائلة الحجم، تحوى على مليارات النجوم داخلها، أو مجرات قزمة، تحوى آلاف أو ملايين النجوم، فقط.  فلا يعلم حدود الكون ولا مداه، أو أبعاده، إلا خالقه جل شأنه. وليس بغريب، أن تطلق ناسا على هذه المهمة، العلمية الفريدة، اسم واحد، من أعظم علماء الفلك، وهو عالم الألمانى يوهانز كبلر (Johannes Kepler (1571 – 1630 .. الرجل، الذى إرتبط اسمه باالكواكب، بإكتشاف القوانين الثلاثة الهامة، التى تتعلق بحركتها، حول مركز نجمنا الشمس، وتعميمها على مسارات الكواكب السيارة، ، بما في ذلك كوكب الأرض،.. وهى القوانين التى صارت تعرف باسمه، علميا، Kepler's Laws of Planetary Motion وحلّ السرّ المستغلق حيالها، ممّا غيّر فهم الإنسان للسموات، بل ونظرته للكون، بذلك الفتح الجديد، فى علم الفلك، آنذاك. 
ومن هنا، ندرك، لماذا أطلقت وكالة ناسا، اسم هذا الفلكى الكبير، على هذا المشروع العلمى الفذّ، وهو البحث عن الكواكب Kepler A Search for Habitable Planets فى الفضاء.. فى ظل أن مجرتنا، وحدها، فى تقدير العلماء، يمكن أن تحتوى على ستين بليون كوكب.. وتنحصر المهمة الرئيسية، لتلسكوب الفضاء كبلر التابع لناسا، منذ أن أطلق فى مارس 2009. وهو مرصد فضائى صمم  للبحث والعثور على كواكب شبيهة بالأرض، خارج المجموعة الشمسية، رامية إلى إيجاد حياة في مكان آخر، والإستمرار فى البحث عن عوالم غريبة فى الكون، في المستقبل القريب.. أرضون أخرى، بحجم كوكبنا، ضمن تلك الكواكب الغريبة، التي قد تكون قادرة على دعم الحياة، كما نعرفها.. كواكب خارجية،  تدور حول نجوم بعيدة، بما في ذلك العديد من كواكب، بحجم كوكب الأرض،.. وتقع ضمن المنطقة الصالحة لوجود حياة، بالنسبة إلى نجومها، وبحيث يمكن أن يوجد هناك ماء، في شكل سائل.. الأمر الذى، سيغير حتما، من نظرتنا إلى إمكانية الحياة فى الكون، والفكرة الدائرة حول مدى إنتشارها، مع هذه الإكتشافات العلمية الفلكية، المتعلقة بوجود كواكب أخرى. وهى المسألة، والقضية، التى شغلت العلماء، والفلاسفة، وإمتدت عير العصور، منذ القدم..  
وهكذا معرفتنا، تتقدم إلى الأمام، وتتحرك، مع كل إكتشاف علمى.. وتقوى إمكانية وجود حياة خارج الأرض، كلما سارع الإنسان إلى إستكشاف الكون. والبشرية، بالفعل، على أعتاب معرفة هذا اللغز الكبير، لذا سنعرف في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام تلك التى تشبه الأرض، والتي تسير في مدار يشبه مدارها. وفي غضون عقدين، سيكون لدينا أفكار أكثر وضوحا، عن كيفية بدء الحياة، على كوكب الأرض، وسيصبح هذا مهما جدا للإجابة عن كيف بدأت في مكان آخر، وأين نبحث.. فهذا سيعطينا مفتاح كيف يحتمل، أن تكون نشأت، في مكان آخر، وما هي البيئات الأمثل. مما يجعلنا أكثر تقدما، وأكثر قربا من حل واحد، من أكبر الألغاز الكونية. رغم أن استكشاف معالم للحياة خارج الأرض، يتطلب زمنا، إلا أنه يصعب الإعتقاد بعدم وجود حياة، في مكان ما من الكون الشاسع.. فإذا وسعنا عملية البحث، مستقبلا، عبر مد حدود الإستكشاف في الكون، فسوف نجد شيئا هنالك.. العثور يوما، على شيئ ما، لا نستطيع تفسير طبيعته.. فهنالك شيئا ما، لكننا لم نره بعد، ويصعب علينا فهمه، حاليا.. ربما عوالم حية وذكية، خارج كوكب الأرض، على كواكب قابلة للحياة، وهى تلك التي تكون على مسافة من شمسها، تؤمن لها حرارة معتدلة، وتجعل وجود الماء والحياة على سطحها، ممكنا.. فمنذ مطلع تسعينات القرن الماضى، رصد علماء الفلك أكثر من ألف كوكب، يدور حول شموس غير شمسنا، وتقدر الدراسات العلمية والفلكية الحديثة، وجود مليارات عدة من هذه الكواكب، في الكون.. وبعضها كواكب صخرية، واقعة على مسافات عن شموسها، تجعلها قابلة للحياة، أى أنها ليست قريبة جدا، من شموسها وملتهبة، ولا بعيدة عنها جدا ومتجمدة، بل في مسافة متوسطة، تسمح بوجود المياه السائلة على سطحها، وهو شرط لا بد منه لتشكل الحياة ونموها، وإن كان شرطا غير كاف. 
وقد غيرت بعثة ناسا نظرتنا، إلى إحتمال الحياة في الكون. فقد أظهر تليسكوب كبلر الفضائي، أن ظاهرة شيوع وإنتشار الكواكب، في جميع أنحاء مجرة درب التبانة (الطريق اللبنى).. فما بالنا مع المليارات الأخرى، من المجرات،  ويتفاوت عددها في الكون.. وهو ما يفسر كيف يساعد تلسكوب ناسا الفضائي كبلر - كأداة أساسية للكشف عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي – فى الكشف عن هذه الحقيقة، حيث تكشف الصور الملتقطة، بواسطة مركبة الفضاء كبلر، أنها تسجل أكثر من مائة ألف نجم، في وقت واحد، مسحا ورصدا لمجال معين، بغية الكشف عن كواكب، تدور حول نجوم، خارج نظامنا الشمسي.. وكانت المهمة قد حققت نجاحا باهرا، مما أعتبر من أعظم اكتشافات المرصد حتى الآن. إضافة إلى المزيد، من الاكتشافات، سوف يبقي قائما، لسنوات قادمة، ودخول العلم مرحلة واسعة.  وذلك، من خلال تحليل العلماء لبيانات المركبة الفضائية، لتحديد كواكب أخري.. فمثل هذه الأرض، ليست كوكبا فريدا نادر الوجود.. وإحتمال وجود حياة على كواكب، خارج الأرض، في أماكن لا تنتمي لمجموعتنا الشمسية، وفى أماكن أخرى سواء فى مجرتنا أو المجرات الأخرى، فى الكون الفسيح، هو إحتمال قائم، وكبير. وعلى ذلك، ومع إكتشاف كواكب جديدة، تتنامى وتتسارع، الفرضيات العلمية وراء هذا الإحتمال، وعن أصل هذه الحياة، وشكل هذه الحياة، التى تكون قد ظهرت فى أى مكان آخر في الكون.. وهل هى حياة عاقلة واعية، تتراوح صورها وتتعدد.. وإنتشار هذه الحياة خارج مجموعتنا الشمسية، لا بد أن يكون  بين الكواكب المؤهلة لوجود هذه الحياة، ويرتبط هذا بتوفر وإمكانية وجود الماء فيها..

ولذا، كانت مهمة المرصد الفضائي كبلر ناجحة للغاية، بالاكتشافات العلمية التى أنجزها، خلال مرحلة الملاحظة الأولية، بإكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية،.. أكثر من 2700 من الكواكب الغريبة المحتملة، وبتحقيق الهدف، الذى تم وضعه لها، خلال تلك الفترة.. والكون عبر هذه الإرهاصات، التى تشير إليها الإكتشافات الحديثة، والتأكد من وجود كواكب بالفعل تشبه الأرض، ما زال، نابضا، بشكل مستمر، ولا يمكننا أبدا فهمه، تماما.. فمن المستحيل تصور، طبيعته أو حدوده وحافته، أو الإلمام بشئ من ذلك.. ولكن مع مرور الزمن، ومستقبل العلم، للسعى إلى فهم القوانين، التى تحكم الطبيعة والكون، سوف تخترق المعرفة أعمق أسراره، إلى مدى أبعد، على الشاطئ الآخر، من المجهول، بإستكشاف نسيجه، وبنيته.. والبداية والنهاية.. هذا الكون الهائل،.. ببساطة، حيث ستختلف المعرفة، تمام الإختلاف عن أحكامنا الخاصة، وما لدينا من آراء مسبقة.. حقائق داهمة، بعيدا عن كل خيال للإنسان وتجريداته، في كل شيء.. مما قد لا يكون غير منطقي، بالنسبة لنا، مطلقا.. لئلا يتصور البشر ويظنون، أن الحياة فى الكون، مقصورة عليهم، أو متمحورة حولهم فقط، فى كوكب الأرض، في المحيط الكوني، لهذه المجرة.. وما نحن وحدنا فى هذا الكون.. 
..
------
جزء من مقالة عصر الإكتشافات.. يتبع