سرماديا

سرماديا

دور الخيال** مقال


دور الخيال
------ 
حينما، أدرك أينشتين النسبية، لم يحركه، إلا شيئا واحدا، لم يفكر فيه إلا هو وحده. حينما، ذكر إذا لم تبد الفكرة، من البداية عبثية، فلا أمل، فى تحقيقها. وهكذا، إكتشف بخياله أولا، نظرية النسبية. والأديب، أولى بذلك الخيال، صنوا للعالم، لتظهر أفكاره، من حيز لآخر، وليؤثر فى قارئه. أحيانا، عليك أن تتحرر من المنطق، ومن تصوراتك المسبقة، لتكون، فى كل نص، بروحك، وكيانك. تنطلق، بسرعة أسرع، من الضوء.. فلا تضيع فكرتك، وأنت ساكن، ثابت على منوال واحد. حرك كل شئ، فى عقلك. إنها حقول قوة، كامنة فى عمقك، أنت. أكتشف بها السفر، فى الزمان، والمكان. إستوعب المكنون، فتستوعب مخيلتك، كل شئ. إنشد ما لا يُرى. هذا هو المقصد، وهذا هو السؤال. أعبر التضاريس الغريبة، خطّ أثرك. احفره، خطوة، إثر أخرى. لتكتشف الحلم، وما لا تعرف. حقق ذاتك. أنا أتعلم كيف أصنعه فى عقلى إلى الآن، وما زلت.. بصوت منحفض، يزداد قوة، شيئا فشيئا، فى أذنى، قبل أن أراه.  وأحاول أن اضعه فى كل نص أكتبه.عبثية الفكرة، أنت، الذى يضع منطقها المستحيل، بسؤال وراء سؤال، وتصورات تضع نفسك، فى داخلها. من غير الممكن، أن تحقق شيئا، وأن تظل هكذا، لو لم يستغرق ذلك الأمر، وإبداعك، من خلجات نفسك، وحنايا روحك. تراه بعينى عقلك، أولا. ثم تدرك حقول القوة هذه، داخلك، بعد ذلك، فتنطلق بك، وتنطلق بها، متحرر فكرك، وممتلكا أنت أفكارك،  ونصك، لغة ومعنى، ومضمونا. فى النهاية التأثير، الذى تلمسه على نفسك، قبل قارئك. حتى العلم، يقرر أنه بدون الخيال، وبدون الإرادة، لا يمكن للإنسان، إلا أن يقع فريسة للواقع، ويستمر فيه، راكنا إلى لا شئ، لا يتحرك. أعجب، لمن تدور أفكارهم، حول نقطة ما دائما، لا يتخطونها أبدا، ولا يحاولون طرق كل ماهو غريب. يدورون، فى فلك واحد ونفس المسار،.. يسلكون ذات المدار. يدورون، ويدورون. كأن، لا هناك أمكنة، ولا أزمنة أخرى، فى الكون. ببساطة، لا مستحيل. هكذا الأمر. وأنا لا أندهش، فى نفسي، لمستحيل فكرة أبدا، طالما يمكننى تخيلها، ثم كتابتها. أضعها أمامى، فى الأفق البعيد، فأرى كل تفاصيلها. تنبئنى أن هذا فى إمكانى. فقط أبدا حلقة الخيال، تحيط بى. وأقيّدها بالعقل، الذى يقوم بدوره، باذلا قصارى جهدى. وتتوالى الحلقات. أقحم نفسي فيها إقحاما، يلتهب بها خيالى، قبل مدادى، فأشحذ فى نفسي، روح مغامرة إكتشاف المجهول، ليكون ممكنا بين يدي، لتنطلق الفكرة فى المداد، هادرة، بصوت أكاد أسمعه، حتى أراها نصا. إن تقدير العلماء لمبادئ العلم، لا تقدم جديدا، دون تلك الروح الوهاجة، للمستحيل، وكسره فى الخيال. فما بالك بالكاتب، أو الأديب دون خياله، أو إلهام له. إن المفارقة، تكمن دائما، فى هذا السبب، والمحرّك الجوهرى والأساسى، الذى يدفع القلم للإبداع، من حلقة، إلى أخرى. فيظن القارئ، أو المتلق، أنه داخل النص فعلا. ويأسره النص تماما. يقع بين براثنه، فريسة للجمال، لا يود أن تنتهى قراءته. وهذا ما يهزّنى، حينما أقرأ. وهذا ما يعلقنى بكاتب أو أديب، ما. من هنا، إقنع نفسى دائما، أن كل شئ ممكنا. لا أعطى تنبؤات مسبقة، لدائرة الخيال الواسعة فى الكتابة، وبيدي أن أتأمل، بين الفكرة والمعنى واللفظ. إنطلق فحسب. ثق أن قدراتك أعلى مما تتوقعه، فى نفسك. لا مستحيلات دوما. وإن ندرت. وما أكثر الممكن حولك، وهو متوفر، ولكن بلا معنى. الفكر الخلاق دائما، يكون على حافة المستحيل، وما لا تظنه أبدا. وكذلك الإبداع الرائع ينقلك، من عالم إلى آخر. من زمن إلى زمن.. ومن معنى إلى معان، لا يمكن تصورها. وإن إفتقدت روح الخيال، وعبثية الأفكار، فلا تنتظر شئ، من نفسك. هذا شئ، أشبه بالسفر عبر فضاء فائق متعدد، أو ما يسمى فى الخيال العلمى، عبر الثقوب. أن تخترق الماضى، والمستقبل، فى لحظة الحاضر. هنا أتذكر مرة ثانية، حلم أينشتين الكبير "نظرية لكل شئ" أو ما يُصطلح عليه "النظرية النهائية". التى تفسر كل شئ. لكنها ها هنا، فى مضمار الكتابة والأدب، أنت صاحبها، تضعها لنفسك، لتكون، أو لا تكون. بدون الخيال، حول ماهو ممكن، وما هو مستحيل، والحدود بينهما، التى ننتقل فيها وعبرها، فإننا لا نصنع شيئا. لا تظن أن الموهبة بعيدة عن العلم، يمكنك أن تنال مثلا، وتستفيد من قوانين آرثر كلارك الثلاثة. هذا شئ، قد يجعل البعض، يبتسم، ولها، لو كان يعلمها من قبل. يتسائل ما العلاقة بين العلم والأدب. ببساطة إنه الخيال. يقرر كلارك أن إذا كان شئ ما ممكن، فهذا بالتأكيد حق، وأن الطريقة الوحيدة لإكتشاف حدود الممكن، هى المغامرة فى الذهاب، أبعد منها إلى المستحيل. وأخيرا، إن أى تقانة متطورة جدا، لا يمكن تمييزها، عن السحر. ألا تتفق معى، أن الأدب البديع كذلك. أنت تقرأ نصا ما، أيا كان نوعه، قد يٌسحرك. يشدهك. يسلمك لتأويلات وتفسيرات، لا تستطيع، أن تضع له حدا، واحدا. هذا هو السحر بعينه. وهو البيان. وصنعة الأديب، الحاذق بها. وكما قيل، إن من البيان لسحرا. فكم هو رائع، أن تصادف معضلة، الآن، فتحقق بعض الأمل، فى تحقيق تقدم، إلى الأمام، من تفكيرك بها. فقط أولئك الذين يفكرون، ويجربون، يحصلون على المستحيل. شئ كالتخاطر تماما، لكن مع الأفكار، وحدها. تتمثلها أمامك، وتُجسدها. أو إن شئت، قل النقل الفورى، لذاتك، من مكان الى آخر، فى زمن آخر، لا يحدّه شئ. أو الإستبصار، للمجهول. يقول جون ويلر إذا لم أرّ شيئا غريبا، خلال اليوم فانه ليس يوما جيدا. وشكسبير نفسه له رأى أن من مميزات الإنسان غير العادى، أنه يتفوه بحقائق، لا يتفوه بها، أى شخص آخر. أنت ترى، أى إنسان، له ميزة تفرد عن الآخرين. فقط، عليه أن يكتشفها ويستنهضها فى ذاته. وهذا ما يجعلنا نشمئز من حماقات، عدم العبثية فى تفكيرنا، التى إن لم تخالج أنفسنا.. مما قد يمنح الخيال، فلن نبدع. أنت غير مطالب، أن تكون شكسبير أو غيره. لكن لا تركن إلى دعة الفكر. فقط إنتقل فى حقول قوة خيالك، لترى ملحمة العجب، وترى نفسك والكون، وكل شئ، بعين عقلك. لا تخف الفكرة. لا تخشَ التجريب. حاول، مرة بعد مرة. هذا فقط، إن لم ترَ الأمر مستحيلا، فى نفسك، من الأساس. فإن لم تره، فكيف يراه القارئ لنصك. وهى الثقة، فى أنك لن تفنى، فى الخيال، أو فى أكوان متوازية مجاورة، إلى الأبد، فلا تعثر على ذاتك، مرة ثانية. أمور غريبة أليست كذلك. لا ليس الأمر، كما يبدو، عليه. أنظر لمقولة إتش ويلز الشهيرة (قال أحدهم: السفر عير الزمان ضد المنطق. قال المسافر عبر الزمان: أى منطق؟) وإرجع لأول المقالة، لتتبين الأمر. قبل أن أختمها بقول كاتب من رواد الخيال العلمى أحب إبداعه، وهو الأديب الروسي "إسحق أسيموف" (أكثر العبارات إثارة، والتى تشير إلى إكتشافات علمية جديدة عظيمة، ليست "وجدتها". ولكن " هذا غريب". كذلك فى الأدب، ومع عظام الأدباء، حين يشدنا غريبهم، ونتأثر به، دوما، ولكل نكهته، وسمته. وهو أكثر إثارة، بالطبع مع الخيال، ومرده إليه، فى الحقيقة..