سرماديا

سرماديا

تجليات الوصف


 في النّصّ
1 - تجليات الوصف
---- خالد العرفي

من الإشكاليات التى تواجه الأديب، الكيفية التى يتم بها التجسيد للأشياء، لتقفز فى العقل، بعد أن تمر على العين، أو بمعنى آخر، ما يسمى بالوصف. 
وللوصف مهمة جمالية، قد تظهر للقارئ، فى نص طويل، كلوحات أدبية وجمالية مستقلة، لا يتعثر فيها.. شئ أشبه بأشكال من السحاب، ينثره الأديب، تحت ضوء الشمس، عن وعى وإدراك، يرصّع به نصه، ويزخرفه بنجوم لامعة.. وقد تأتى المقاطع الوصفية، فى أحيان أخر، عن لا إدراك، من اللاوعى ليؤدى الوصف مهمته، فى النص، مرتبطا بعنصر، على قدر كبير من الأهمية، من عناصر بناء نص، مثل الرواية، تقوم عليه، .. وهو عامل المكان، الذى بدونه لا يوجد شئ. ولا يستطيع الأديب تقديم شئ قط. وبلا ريب، فإن الكلمات التى يتم إختيارها، وإنتقائها، لها أهميتها، فى قيام عملية الوصف بهذه الوظيفة الكبيرة والهامة، فى العمل الأدبى. فالوصف أن ترسم بالقلم، مساحة الحكى الكلية، متضمنا تفاصيل مساحات صغرى فيه، ليحدّ بها المبدع، أثناء السرد، الحيز والفراغ، الذى يتم إختياره. وعلى ذلك يشكل الوصف، أبعاد العالم المادى، والوجود الحسي للنص. يخلق المكان.. بل، كل أمكنة النص، التى تشكل الفضاء الأدبى، فى مجموعها، ويعوّل عليها التمكن من رسم خلفية الأحداث والأفعال، التي تقع فى فضاء النص. والعبرة فى الوصف، ليس بإلتماس الدقة، فى بيان التفاصيل، بكل جزئية، أو تحري الإسهاب المطلق فيها، حد الإستغراق، إلى آخر تلك التفاصيل المسهبة، فى وصف صورة الحياة، وتسجيل مظاهرها ..إنما براعة الأديب، فى قيامه بوظيفة الوصف الرئيسية في نصه، وهي خلق الإيهام المؤثر والمستمر فى ذهن القارئ.. إقناعه بحقيقة أن ما يقرأه، قد حدث فعلا يوما ما، أو فى لحظة ما، فى زمن النص. ويحيله إلى زمن آخر حقيقى. والآلية هنا، أو الطريقة المثلى، التى يجب ألا تغيب عن الأديب، هى ذكر تفاصيل، تساعد على أن تُوهم، أن هذا ليس بخيال، إنما حقيقة، حقا.. بكل تفاصيل وملامح يمكن أن ترد، من وصف، مما يكفل التصديق، والتسليم بأن هذا وجود حقيقي، وعالم من الواقع. ليس أبدا خيالا، من صنيعة الأديب. أن تخلق بطلك تعطيه الحياة، لتدبّ فى أوصاله، فيشعر بها، ويراها، ويلمسها القارئ، بلحمها ودمها.. ماثلة أمام عينيه.. بإختصار، خلق المكان خلقا، لتضع فيه الشخصية وتنقلها، وتتحرك بها. وكلما دّقت التفاصيل المتصلة بالموقف، أو الشخص كان هناك من السرعة إلى تصديقها، كحقيقة. ويساعد الوصف الأديب على إظهار طبيعة حياة الشخصيات، والمستوى الإجتماعي. كما يشير إلى وضع كل شخصية، وما تحويه من حالة مزاجية وطباع، إذ ندرك بشكل غير مباشر، من وصف مظاهر معينة محيطة، ملامح تلك الشخصية وصفاتها. كما نلمس، كذلك، الجو المحيط، بهذه الشخصيات والذى يوحي به الوصف، سواء مباشرة، أو من خلال ظلال الكلمات..
---
تجليات الوصف : مقال 1 من7